لماذا لا يزال برنامج التربية والتعليم في الأونروا متمسكاً بإبقاء دار المعلمين ما دام متخرجوه لا يجدون طريقهم إلى التوظيف في مدارس الوكالة؟ وهل ستتحول الدار في سبلين إلى كلية جامعية وسط تخبط قطاعات التوظيف في الأونروا؟
فاتن الحاج
«لا يعيّن في تعليم المرحلة الابتدائية حتى التاسع الأساسي (البريفيه) سوى أصحاب الشهادة الجامعية والتعليمية، على أن يخضع هؤلاء لدورة تربوية لسنة أثناء الخدمة». نسف هذا القرار الصادر في أيلول 2005 عن رئاسة وكالة الأونروا في الأقطار الخمسة (غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان والأردن) جوهر وجود دار المعلمين كصرح تربوي يخرّج معلمين فلسطينيين أنهوا سنتين دراسيتين فقط. منحت الوكالة فترة سماح للمعينين قبل هذا التاريخ ليحصّلوا الشهادة الجامعية حتى 2011، تحت طائلة فصلهم. لكن القرار الذي طبق في غزة والضفة وسوريا لم يطبق في الأردن بعدما كانت الوكالة قد حوّلت دار المعلمين إلى كلية جامعية.
لبنان كان الاستثناء الوحيد، إذ تمسك برنامج التربية والتعليم في الأونروا آنذاك بالحفاظ على دار المعلمين في سبلين (إقليم الخروب) على خلفية مراعاة أوضاع الناس الصعبة في المخيمات. وكان البرنامج قد نجح عام 1999 في إعادة فتح دار المعلمين المقفلة منذ عام 1985 لمصلحة تعيين أصحاب الشهادات الجامعية، بناءً على توصية رفعها حينها إلى رئاسة الوكالة.
لكن ما حصل أنّ التوظيف تجمّد منذ عام 2005، كما يقول أحمد أبو ودو، الرئيس السابق لاتحاد موظفي الوكالة. ويذكر النقابي المتقاعد حديثاً أنّ عدد المعلمين الذين تخرجوا من الدار منذ صدور القرار وصل إلى 260 معلماً، فيما لم يعيّن منهم سوى 15 أستاذاً فقط للعام الدراسي 2007 ــــ 2008. ولم يحصل ذلك، كما يقول أبو ودّو، إلاّ بعد ضغوط مارسها الاتحاد.
وعندما اصطدمت أمنية برنامج التربية والتعليم بإبقاء دار المعلمين بقرار رئاسة الوكالة ووقع تشابك في توظيف متخرجي الدار وحملة الشهادات الجامعية، طالب اتحاد الموظفين بضرورة تحويل دار المعلمين إلى كلية تربية، لتصبح سنوات الدراسة أربعاً بدلاً من سنتين. هنا يقول أبو ودّو إنّ دائرة التعليم قامت فعلاً بدراسة جدوى مالية للمشروع لكن إدارة الأونروا لم تتبنَّ هذه الدراسة. لا تنفي هدى السمرا، مديرة قسم الإعلام في الوكالة وجود مشروع بتحويل دار المعلمين إلى كلية جامعية، لكن ليس هناك قرار نهائي، كما
تؤكد.
إبقاء قضية متخرجي الدار من دون حل في لبنان، فتح الباب أمام المناداة إما بإلغاء الدار أسوة بالأقطار الأخرى أو تحويلها لكلية جامعية.
تبلغ خسائر صندوق التوفير لموظفي الأونروا 150 مليون دولار
لكن يبدو أنّ مشكلة التوظيف في الوكالة ليست محصورة بمتخرجي دار المعلمين، بل تطال حملة الشهادات الجامعية والتعليمية. هكذا، لم يشفع حصول محمد عادل على شهادة من جامعة بيروت العربية في الكيمياء الحياتية، وهو اختصاص علمي مطلوب، لقبول طلبه التدريس ولا حتى باستدعائه لإجراء مباراة التعيين بالحد الأدنى رغم علاماته المرتفعة. بل إنّ محمد يستبعد أن يحصل ذلك يوماً، فيما عشرات الناجحين في مباريات التعيين «يشحذون» الفرصة على لائحة الانتظار. وإذا كان محمد قد حظي بفرصة عمل في شركة دواء ألمانية، فهذا لم يكن متوافراً للكثيرين من أصدقائه، إذ اضطر أحدهم للعمل دهاناً وهو يحمل شهادة في الهندسة. «وصلت اللقمة للتم»، يقول عبد الله زعرورة، المتخرج من إدارة الأعمال في الجامعة العربية، الذي قدّم طلباً في مكتب التوظيف في بيروت. نجح الشاب في الامتحان الخطي وراح ينتظر ورفاقه موعد المقابلة الشفهية بعد 3 أسابيع كما وعدوا. لكن، بعد شهر تسلم عبد الله من الوكالة رسالة اعتذار تتمنى له التوفيق في فرصة ثانية. وعندما راجع الشباب الأونروا، فوجئ بتعيين فتاة «لم نرها في الامتحان الخطي. حينها أدركنا أنّ الامتحان والمقابلة مجرد شكليات لوظيفة معروف صاحبها سلفاً». ورغم ذلك لم ييأس عبد الله وقدّم طلبات لوظائف إدارية أخرى في الأونروا، لكنهم هذه المرة لم يطلبوه لا لامتحان ولا لمقابلة. أما اليوم فيعطي دروساً خصوصية لتأمين مصروفه.
ثمة اعتبارات متنوعة تحول دون الشواغر في التوظيف، لا سيما في التدريس ومنها ما تعيده السمرا لتراجع أعداد تلامذة مدارس الأونروا عاماً بعد عام. فبينما كان العدد 34500 تلميذ للعام الدراسي 2008 ــــ 2009 انخفض إلى 33200 في عام 2009 ــــ 2010، ما انعكس تلقائياً على تعيين المعلمين.
أما سبب هذا التراجع فتعزوه السمرا إما إلى انتقال التلامذة إلى مدارس رسمية لبنانية أو إلى مدارس خاصة مجانية قريبة من منازلهم. وفي هذا المجال، يتحدث أبو ودّو عن قرار دمج المدارس في المرحلة المتوسطة الذي اتخذته الوكالة والذي أدى إلى تقليص الكثير من وظائف المعلمين في هذه المرحلة. تستغرب السمرا هذا الحديث، وخصوصاً أنّ قرار الدمج، كما تقول، ليس له علاقة بالشواغر بل هو حل تربوي لمشكلة نظام الدوامين وانعكاساته السلبية على مستوى التحصيل التعليمي، «وغير معقول أن نضر بمصلحة الطلاب لمجرد المحافظة على عدد قليل من الوظائف». ومن الاعتبارات بحسب السمرا، الزلزال المالي العالمي في عام 2008 الذي قاد الأونروا إلى تمديد نهاية الخدمة للموظفين، ومن بينهم حوالى 30 معلماً، لمدة 6 أشهر، الأمر الذي أثّر بدوره على الشواغر. وتبلغ خسائر صندوق التوفير الذي يضم تعويضات نهاية الخدمة، بحسب أبو ودّو، نحو 150 مليون دولار، أي بنسبة 15% من مجموع مدخرات الموظفين.
ويضيف النقابي السابق أزمة مخيم نهر البارد التي أدت إلى بروز فائض في عدد المدرسين في منطقة الشمال حيث وزع هؤلاء على عدد من مدارس بيروت وصيدا والبقاع وصور. كما أعطت وكالة الأونروا، كما يقول، عشرات المعلمين الذين وجدوا عملاً خارج لبنان إجازات من دون راتب، فهناك على سبيل المثال 13 معلماً غادروا لمدة سنة كاملة من دون راتب، بينما كانت الوكالة تعيّن مكانهم معلمين مياومين.