هل يجد الدليل العلمي لتعاطي الأهل مع أطفالهم المعوّقين سبيلاً له في مخيمات صور، في ظل غياب برامج التأهيل، وضعف إمكانات الجمعيات والتهم المزمنة للأونروا بالتقصير؟
صور ــ آمال خليل
كان لافتاً توقيت مؤسسة الرؤية العالمية لإطلاقها دليل «دمج جميع الأطفال ـــــ توجيهات لأهل الأطفال ذوي الإعاقة»، لتزامنه مع انعقاد طاولة الحوار لمناسبة يوم المعوّق العالمي، بشأن «الحق في التعلم للأطفال اللاجئين الفلسطينيّين ذوي الإعاقة»، التي نظّمتها مع شريكيها في مخيم البص: مركز نبيل بدران وجمعية المرأة الخيرية. فالحوار الذي جمع أهل القضية في مخيمات صور، أي الأونروا والجمعيات والأهل، قاد إلى برهان مفاده أن الدمج «لا يتحقّق بكتاب فقط أو بتوجيهات تقتصر على الأهل وحدهم، في الوقت الذي يتّفق فيه المجتمع بأطيافه على نبذ ذوي الإعاقة والأسوياء على السواء في المخيمات» بحسب والدة أحد الأطفال. فالموروثات، لا تزال تماماً كما الإمكانات، تحكم المجتمع في تعاطيه مع ذوي القصور أو الإعاقة، كما ظهر من مداخلات المشاركين في الحوار، الذين أجمعوا على ضعف برامج التأهيل في مخيمات صور، لناحية إمكاناتها وعديد طاقمها الوظيفي، وخصوصاً المعالجين الفيزيائيين والنفسيين. وجاء الشريط التسجيلي الذي أنتجه مركز نبيل بدران عن شهادات لثلاث أمهات لأطفال ذوي إعاقة محرجاً للكثيرين، لما تضمّنه من «فضح لممارسات يرتكبها ضدهم من عليه حمايتهم». الأولى تحدثت عن ابنتها أميمة، التي أمضت سبع سنوات في مدارس الأونروا منتظرة، من دون جدوى، أن تفي الإدارة والأساتذة بوعدهم بمساعدتها، بدءاً من الاندماج تربوياً واجتماعياً مع أقرانها وصولاً إلى إعانتها على حمل حقيبتها. أما الثانية، فقد نقلت أن معلمة الأونروا كانت تجبر ابنتها المتأخّرة النمو على الاختباء تحت المقعد طوال الدوام المدرسي، فضلاً عن الإيذاء والإساءة والسخرية التي تعرّضت لها من زملائها.
وفي مواجهة لما عُدّ هجوماً على وكالة الأونروا، أكّد ممثلها في الحوار فهد أبو العردات أن هذه «الممارسات فردية»، داعياً الأهل إلى «التبليغ عن أي إساءة تحصل لأطفالهم لمحاسبة المسؤولين».
وتقرّ مديرة مشروع «حق التعلّم للأطفال اللاجئين الفلسطينيين ذوي الإعاقة» في مخيم البص، كوليت قزي، بأن الدليل الذي أُطلق أمس هو «جزء من سياسة متكاملة تضمّ الأسرة والمجتمع والدولة لدمج المعوّقين، لكن لا بد من بداية، من المحيط الأقرب إلى الطفل المعوّق، ومرافقته كلما اتسعت مساحة محيطه مع نموّه». والدليل، هو الأول من نوعه، بحسب المسؤولة الإعلامية في المؤسسة، باتريسيا معمر، وهو يمثّل دليلاً عملياً على الطرق الواجب اتّباعها في تعامل الأهل في كل مكان مع أبنائهم المعوّقين، استناداً إلى مجموعة دراسات وأبحاث علمية وميدانية قامت بها جمعيات وباحثون في العالم. تسعة فصول من الإرشادات قبل الولادة لحماية الجنين من المخاطر التي قد تسبّب له قصوراً. أما إذا وقعت الواقعة، فالكتاب يعرض مراحل نمو الطفل ذي القصور، وصولاً إلى استيعابه ودمجه اجتماعياً وتربوياً، وحمايته من الإساءة المعنوية والجسدية. جملة من التعاليم التي «يتطلّب اتّباعها تعديل الكثير من الثقافات المتوارثة، وأساليب التعاطي الاجتماعي في المخيم وخارجه»، تقول إحدى المشاركات. بدءاً من التمييز بين القصور الناجم عن ظروف جسدية أو حسية أو ذهنية أو عقلية، وعن الإعاقة المعنوية والمادية التي يضعها المجتمع أمام من لديهم قصور. إلى جانب طريقة مخاطبة هؤلاء، وانتقاء التعابير في الحديث معهم وعنهم «لأن التعابير السلبية مثل (لديه مشكلة) تؤثّر في تكوين شخصية الطفل، وفي تقديره لذاته، فيما التعابير الإيجابية تشجّعه على التغلب على محدودية قدراته، بسبب وضعه الجسدي».


4800 لاجئ معوّق، أكثر، أقل؟

وصل الخلاف بين المتحاورين إلى أعداد المعوقين الفلسطينيّين في المخيمات. فالرقم الذي قدّمه قاسم صباح، من هيئة الإعاقة الفلسطينية، استناداً إلى دراسة ميدانية أجرتها الهيئة حديثاً في مخيمات لبنان (بين 4200 و4800)، لم يُقنع الكثيرين، من بينهم ممثلة جمعية النجدة الاجتماعية، التي أكدت أن مخيم البرج الشمالي وحده يضم أكثر من 1500 معوّق. أما ياسر أبو هواش، من حركة الدفاع عن المعوّقين الفلسطينيين، فقد تخطّى الخلاف على الرقم، ليتّهم الأونروا والفصائل الفلسطينية وبعض الجمعيات «باستغلال قضية المعوقين والتمييز في ما بينهم على أساس الانتماء السياسي والطبقي».