كان العراق، أمس، أشبه بورشة عمل مزدحمة لترقيع الفضيحة الأمنية المستمرة منذ 6 أعوام، والتي انفجرت بشكل لم يعد ممكناً التغاضي عنه في سلسلة تفجيرات «الثلاثاء الدامي». تمكّن نوري المالكي من التنصّل من المسؤولية واتهام الجميع، وذلك بعون أميركي

المالكي يبرئ نفسه ويفتح النار على الجميع



نجح رئيس الحكومة نوري المالكي، مجدداً، في قلب الأدوار مستعيناً بالدعم المعنوي الذي بدا أن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس ضخّه لمصلحته في زيارته المفاجئة إلى بغداد؛ ففيما مثل رئيس الوزراء أمام البرلمان لتتم محاسبته على خلفية التقصير الأمني، نجح الرجل في التحوّل من متّهَم (سياسياً) إلى متَّهِم للكتل السياسية التي حمّلها مسؤولية فساد الأجهزة الأمنية العراقية، وسط أنباء تحدثت عن نيته إقالة وزير الداخلية جواد البولاني، أبرز منافسيه على رئاسة الحكومة في مرحلة ما بعد انتخابات آذار المقبل. ورأى المالكي، خلال جلسة برلمانية كان حضورها لافتاً في ظل وجود 190 نائباً (من أصل 275)، وهو أمر نادر الحصول في مجلس النواب، أنّ «تدخل كتل سياسية هو وراء تدهور الوضع الأمني»، مطالباً بتطهير الأجهزة الأمنية من جميع الجهات السياسية. ونقلت النائبة عن حزبه سميرة الموسوي عنه قوله إن «الجرائم الأخيرة سببها خلافات سياسية وطائفية».
وأوضحت أن المالكي خاطب النواب، مشيراً إلى أنه «حتى لو اعتقلتُ الآن (زعيم تنظيم القاعدة) أسامة بن لادن، فهناك من يقول لماذا اعتقلته، إنه مجاهد».
وطالب المالكي مجلس النواب بأن يصدر قراراً بتطهير الأجهزة العسكرية من المنتمين إلى أي جهة سياسية بما فيها حزبه، «ليكون الجهاز الأمني مهنياً وكفوءاً وشعبياً ويعتمد على المواطنة».
كذلك حثّ المجلس التشريعي على أن يصدر قرارات تدعم الأمن من خلال استصدار القوانين، لافتاً، على سبيل المثال، إلى أن «جهاز الاستخبارات الوطني لا يستطيع حتى أن يعين رئيساً (بدلاً من محمد عبد الله الشهواني) بسبب عدم التوافق السياسي».
وكشفت النائبة الموسوي عن أن رئيس الوزراء «طلب بأن تكون الجلسة علنية، لكن رئيس مجلس النواب إياد السامرائي ارتأى أن تكون سرية حتى تكون بعيدة عن المزايدات السياسية».
وتصاعدت حدة الجدل خلال الاجتماع الطارئ، وسط عرض المالكي لمرحلتين من الأمن في العراق: الأولى كانت العصابات وتنظيم «القاعدة» والميليشيات الإرهابية «التي كانت تحتل مناطق واسعة في بغداد والمحافظات الأخرى»، وقد انتهت هذه المرحلة «بعد سيطرة الحكومة المركزية على جميع المناطق التي كانت تحت يد العصابات الإرهابية». أما المرحلة الثانية، فقد وصفها بأنها «حقبة الأمن المخترَق، وهذا يتطلب تنظيف الأجهزة الأمنية من العناصر المندسّة».
ورأت النائبة إيمان الأسدي أنّ المالكي نجح، بخطابه، في «رمي الكرة في ساحة وزارة الداخلية والجيش حين تحدث عن الحساسية الموجودة بين هاتين المؤسستين». وتابعت أن المالكي «رمى الكرة على ساحة مجلس النواب قائلاً: عليكم أن تقدموا تشريعات تسهل عمل الأجهزة الأمنية لتقوم بعملها». ولم يقتصر الأمر على ذلك، إذ إنه اتهم القضاء أيضاً بالتقصير عندما أشار إلى أنه «لا يأخذ دوره في تنفيذ أحكام الإعدام ولا نعرف لماذا».
وكان المالكي قد قرّر تعيين قائد جديد لعمليات بغداد هو الفريق الركن أحمد هاشم عودة سلطان بدلاً من الفريق عبود كنبر هاشم خيون.
وكانت الأجهزة الأمنية قد أقفلت بغداد واتخذت إجراءات مشددة جداً في المناطق المحيطة والشوارع المؤدية إلى المنطقة الخضراء لتأمين انتقال المالكي إلى مقر البرلمان. ولوحظ أن رئيس الحكومة حضر الجلسة منفرداً ولم يحضر معه الوزراء والقادة الأمنيون رغم إصرار البرلمان على حضورهم.
وفي السياق، توقع النائب عبد علي لفته الموسى أن يقيل رئيس الوزراء وزير داخليته جواد البولاني. وقال إن «هناك تسريبات من مصادر مقربة من المالكي تؤكد نية الأخير بإقالة وزير الداخلية» بسبب التفجيرات الأخيرة التي أعلنت «دولة العراق الإسلامية»، وهي الاسم التنظيمي لـ«القاعدة» في العراق، مسؤوليتها عنها، متعهّدة بـ«مواصلة هجماتها حتّى تحكم شريعة الله».
على صعيد آخر، وصل غيتس إلى عاصمة الرشيد فجأةً، علماً بأنه لم يزر بلاد الرافدين منذ تموز الماضي. وتضمّن جدول أعمال غيتس، الآتي من أفغانستان، لقاءات مع المالكي والرئيس جلال الطالباني وكبار قادة جيشه. وأوضحت وزارة الدفاع الأميركية أن غيتس سيهنّئ حكام بغداد على إقرار قانون الانتخابات، وسيطمئنهم إلى أن موعد الانسحاب في نهاية 2011 لن يتأثّر بنتائجها، و«سيعرض كل أنواع المساعدة التي يمكن الجيش الأميركي تقديمها للعراقيين والتعامل مع تداعيات هذا الهجوم».
وقد نال مسؤولو العراق المحتل دعماً من نوع آخر من الرجل الثاني للاحتلال الأميركي في العراق، الجنرال شارل جاكوبي، الذي جزم بأنّ إيران «لا تزال تزوّد الميليشيات والتنظيمات الإرهابية بالسلاح لزعزعة أمن العراق واستقراره».
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)

لا أثر لـ«البعثيين» على الحدود السورية ــ العراقيّة!



مع كل تفجير في العراق، توجّه حكومة بغداد أصابع الاتهام نحو حزب «البعث» ومن يدعمه، في إشارة غير مباشرة إلى سوريا. لكن جولة لوكالة «أسوشييتد برس» الأميركية على الحدود مع سوريا، لم تظهر أي أثر لأنصار «البعث» والرئيس السابق صدام حسين

تمتد الحدود السورية العراقية على طول مئات الكيلومترات، المراقَبة من عدد غير كافٍ من القوات الحدودية. لكن على الرغم من الادعاء أن عدداً من أعضاء حزب «البعث» العراقي، ومن مناصري الرئيس السابق صدام حسين، يتسللون عبر الحدود إلى العراق بغية تخريب الانتخابات العراقية المقبلة، إلا أن الدليل الوحيد الذي يظهر لمناصري صدام على الحدود هو شعارات مر الدهر عليها لحزب «البعث» المحظور على إحدى النقاط الحدودية.
ويقول عناصر الأمن العراقيون والأميركيون على الحدود إنهم لم يروا أو يسمعوا عن بعثيين يحاولون التسلل عبر الحدود خلال الأشهر الماضية. ويضيفون: «مهربو سجائر؟ أكيد. مقاتلون أجانب؟ أحياناً».
إلا أن هذه الأخبار تتنافى مع الادعاءات التي أعلنها وشدد عليها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، أول من أمس، حين ألقى اللوم على البعثيين ومتمردين سُنّة بالوقوف وراء تفجيرات بغداد الأخيرة، من ضمنها تلك التي حصلت الثلاثاء الماضي، بهدف عرقلة الانتخابات التشريعية المقررة في آذار المقبل.
لكن في الوقت نفسه الذي كان المالكي يوجه فيه أصابع الاتهام إلى دمشق، التي نفت هذه التهمة، نفى الناطق باسم حزب «البعث العراقي» في سوريا، خضير المرشدي، خلال مقابلة مع قناة «الجزيرة»، أول من أمس، أي ارتباط للحزب باعتداءات بغداد.
وبالعودة إلى موضوع التسلل عبر الحدود، قال قائد القوات الأميركية في شمال العراق اللواء في الجيش الأميركي، طوني كوكولو «إنه لم يُطلَع على أي معلومات (تسلل) بشأن بعثيين، لكن كانت عن مقاتلين أجانب ومتمردين». وأضاف أن «ما نراه هو بعض التهريب غير المشروع، وبعض الممنوعات، وتهريب السجائر... أشياء من هذا القبيل». لكنه استدرك قائلاً: «مما لا شك فيه، فمن غير المحتمل أن البعثيين سيعرِّفون عن أنفسهم إذا أُلقي القبض عليهم». وعلى الرغم من النفي الرسمي لأي عملية إلقاء قبض على متمردين يرتبطون بحزب «البعث» العراقي على الحدود، فقد رُصد عدد من الاعتقالات التي تصبّ في هذا الإطار.
وكشف ضابط في الاستخبارات العراقية، اشترط عدم الكشف عن اسمه، عن إيقاف رجل سوري الشهر الماضي كان يتنكر بثياب امرأة، وتبين بعد التحقيق معه أن لديه معلومات داخلية عن اعتداءات 25 تشرين الأول الماضي، التي راح ضحيتها 155 شخصاً، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، ألقت فرقة عسكرية تابعة للجيش الأميركي القبض على سبعة أشخاص كانوا يعبرون الحدود، وعُثر معهم على أسلحة وذخيرة. وقال مسؤول أميركي إنه بمعدل وسطي يُلقى القبض على 5 أشخاص كل شهر يحاولون التسلل إلى العراق، معظمهم من مهربي الدخان وبضائع غير شرعية. وأشار إلى أن القوات الحدودية أصبحت تُملي أهمية أكبر لمهربي الدخان، للاعتقاد أن الربح الذي يحققونه يذهب لتمويل المتمردين العراقيين.
وقال قائد قاعدة الحدود التابعة للجيش الأميركي في الرابية، الرائد آدم تاليافيرو: «ما نحاول معرفته هو ما إذا كان الربح الذي يحققونه في سوريا يُستعمَل لتمويل العنف في العراق». فالمهربون هم عادةً عائلات عراقية فقيرة ليس لديها أي طريقة أخرى لجني المال.
ورأى الضابط في شرطة الحدود العراقية، محمد حمد «أن التهريب لن ينتهي في العراق أو في الدول الأخرى. حتى في الولايات المتحدة يوجد الكثير من التهريب. ونحن نفعل ما في وسعنا»، ومع ذلك «لقد مضى وقت طويل في خدمتي لم أر فيه أي مهربين». وأضاف: «لم نعطهم أي فرصة للمرور».
ويقوم الجيش الأميركي والقوات العراقية بدوريات متواصلة على طول الحدود مع سوريا، حتى في الليل. كذلك تشارك في عملية تمشيط الحدود طائرات أميركية للتجسس، وطائرات مروحية للبحث عن المهربين.
ويشار إلى أن وزير الداخلية العراقي، جواد البولاني، وافق على شراء معدات بقيمة 49 مليون دولار للمساعدة على تأمين الحدود مع سوريا وإيران وتحسين أساليب المراقبة، التي بحسب الجيش الأميركي غير كافية لأنها لا توفّر مراقبة سوى 286 كيلومتراً من أصل 605 كيلومترات.
ومن الرابية على الحدود بين العراق وسوريا يمر أسبوعياًً ما يقارب 500 شاحنة من المواد الغذائية التي تأتي من المرافئ السورية، إلا أن الشاحنات لا تكمل طريقها إلى العراق، فتُفرغ حمولتها في شاحنات أخرى تنقل البضاعة إلى الداخل العراقي. وتخضع هذه النقطة لمراقبة حرس الحدود والشرطة العراقية، بالإضافة إلى الجيش الأميركي.
وبالقرب منها قاعدة للجيش العراقي، يعمل فيها مسؤولون من ثلاث وكالات أمنية عراقية في غرفة، إلى جانب مخيم للجيش الأميركي في قاعدة مدمرة لتجميع الحبوب، على جدرانها شعارات لحزب البعث العراقي.
وفي السياق، يقول مختار الرابية، جاسم محمد كاهوش، إنه قلق من انقطاع التيار الكهربائي ومن معدل البطالة أكثر من موضوع تسلل المقاتلين الأجانب والبعثيين عبر الحدود، مضيفاً: «إن الأمن في الرابية جيد جداً حالياً بسبب وجود قوات الجيش والشرطة العراقية، وقوات التحالف». وشدد على أن «ليس هناك من أشياء كثيرة تحصل هنا».
(أ ب)