أظهرت نتائج «لعبة محاكاة» سياسية (simulation)، أجرتها جامعة هارفرد الأميركية، بشأن الملف النووي الإيراني، أن واشنطن لن تكون قادرة على مهاجمة إيران ولن تسمح لإسرائيل بذلك
محمد بدير
كشف مراسل الشؤون الاستخبارية في صحيفة «هآرتس»، يوسي ميلمان، أمس، أن «لعبة محاكاة» سياسية لبحث الملف النووي الإيراني جرت الأسبوع الماضي في معهد كندي في جامعة هارفرد الأميركية استمرت يوماً كاملاً، بمشاركة عدد من النخب السياسية، الأمر الذي يعطي نتائجها وزناً مؤثراً على مستوى محاكاتها للواقع.
وأدار البروفسور في هارفرد، غيرهام أليسون، المتخصص في شؤون الإدارة والعلاقات الدولية، عملية المحاكاة، التي التزم المشاركون فيها إبقاءها سرية، وهو التزام لم يحل دون تسرب بعض تفاصيلها إلى الصحافة الأميركية، كما الإسرائيلية.
وأدى دور إسرائيل دوري غولد، السفير السابق في الأمم المتحدة، والدكتور شاي فيلدمان، وهو متخصص في المشروع النووي الإسرائيلي ويُدرِّس حالياً في جامعة برندايس. كما شارك في صياغة مواقف تل أبيب خلال اللعبة عميد احتياط، عالم إسرائيلي في الفيزياء النووية. أما الدور الأميركي، فقد أدّاه نيكولاس بيرنز، الذي شغل في الماضي منصب نائب وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس خلال عهد جورج بوش الابن، وكان مسؤولاً عن الملف الإيراني. كما شارك عن الجانب الأميركي الأدميرال وليام فالون، الذي كان في الماضي قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي، فيما أُلقي تمثيل الموقف الإيراني على عاتق البروفيسور غاري سيك من جامعة كولومبيا، الذي كان عضواً في مجلس الأمن القومي خلال ولاية الرئيس جيمي كارتر.
وشاركت في اللعبة أيضاً شخصيات أكاديمية أميركية وأوروبية (بعضهم موظفون سابقون في الإدارة)، أدّوا فيها أدوار روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، ودول مجلس التعاون الخليجي الست. كما دُعي الصحافيان ديفيد اغناسيوس من صحيفة «واشنطن بوست» وديفيد سينغر من صحيفة «نيويورك تايمز» ليكونا مراقبين و«يُمثِّلا» دور الإعلام.
وخلال المحاكاة، أتيح للمشاركين إجراء محادثات واتصالات ثنائية أو متعددة، وأن يسرّبوا معلومات إلى وسائل الإعلام ويطلقوا تصريحات علنية، وأن يمد بعضهم بعضاً بمعلومات استخبارية.
وبحسب «هآرتس»، فإن سياق اللعبة كشف عن ديناميكية ذكّرت كل من يتابع الأزمة النووية الإيرانية بواقعها المعقّد. وخلال التجاذب، قام بيرنز الذي أدّى دور الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بكل ما يستطيع للامتناع عن شن عملية عسكرية، خشية أن يقود ذلك إلى رد شديد من جانب طهران، وإلى استهداف الجنود الأميركيين في العراق والخليج وأفغانستان.
أما غولد، الذي أدّى دور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فحاول أن يجند جميع المشاركين لفرض عقوبات اقتصادية على إيران وصناعاتها النفطية، وهو الأمر الذي فعلته أيضاً دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، قبل أن تبدي موقفاً متحفظاً عندما حاولت إسرائيل التوصل إلى تنسيق سري معها في هذا الشأن.
وفي السياق نفسه، توسلت واشنطن مجلس الأمن لتشديد العقوبات، لكن مساعيها باءت بالفشل في ظل التهرب الصيني والروسي الذي واجهته، قبل أن تكتشف في نهاية المطاف أن الدولتين عملتا من وراء ظهرها، وتوصلتا عبر شركات تجارية تابعة لها إلى اتفاقات مع إيران لتزويدها بما تحتاج إليه عوضاً عن الشركات الغربية.
عند هذه المرحلة، صرفت الإدارة الأميركية جهودها كلها باتجاه محاولة ابتزاز تعهّد إسرائيلي بعدم مهاجمة إيران من دون إذنها تحت أي ظرف كان. إلّا أن غولد (نتنياهو) رفض تقديم تعهّد كهذا، ما أدى إلى مساجلة حادة بينه وبين بيرنز (أوباما). وفي محاولة يائسة، سعى الأميركيون إلى إغراء إسرائيل، واقترحوا عليها اتفاقاً دفاعياً ومظلة نووية إذا تخلت عن الخيار العسكري. إلّا أن الأخيرة رفضت وأصرّ ممثلها، غولد، على مبدأ أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها. وفي ختام اللعبة، قال بيرنز لإغناسيوس «إن أصعب مشاكلنا كان كيف نكبح جماح إسرائيل».
وفي وقت لاحق، قال غولد لصحيفة «هآرتس»، بعدما كان قد نقل معطيات ما حصل معه إلى الجهات المعنية في إسرائيل، إن «اللعبة بيّنت لي أن الولايات المتحدة تنتقل من سياسة ترمي إلى منع إيران من حيازة سلاح نووي إلى توجّه يسلّم بإمكان أن يكون بحوزتها سلاح كهذا، وأنه ينبغي ردعها عن استعماله بالاحتواء. أما إسرائيل فلا تزال تعتقد أنه ينبغي منع من التزوّد إيران بالسلاح النووي».