الحكومة ملتزمة بالاستثمار في الطاقة البديلة... فهل تصدق؟حسن شقراني
يعدّ لبنان مستهلكاً شرهاً للطاقة، فهو يستورد 97% من حاجاته الطاقويّة على شكل وقود أحفوري، أي منتجات نفطيّة. واقع يؤدّي إلى فقدان الجدوى على مستويين، البيئي والاقتصادي. الحكومة تحاول مقاربة هذا الواقع من خلال هدف ثقيل، فهي تقول في بيانها الوزاري إنّها تريد أن ترفع حصّة الطاقة البديلة من إجمالي الطاقة المستخدمة في البلاد إلى 12%. هناك خطوات كثيرة، وعلى أكثر من صعيد عليها أن تباشرها لكي يكون عقد لبنان المقبل، عقداً أخضر. ما هي أبرز الخطوط التي تطبع السياسات حالياً في هذا الإطار؟
مثّل المؤتمر الذي نظّمه أمس برنامج الأمم المتّحدة للتنمية (UNDP) لمراجعة إنجازات خطّته الطاقويّة في لبنان مدخلاً مهمّاً للإجابة عن هذا السؤال. والخطّة عبارة عن برنامج لتحقيق الفعاليّة الطاقويّة عبر القطاعات المختلفة. ووفقاً لوزير الطاقة، جبران باسيل، الذي رعى هذا المؤتمر، «فإنّ الفوضى المناخية التي نعيشها بدأنا نتأذّى منها في لبنان، وبدأنا نشعر أيضاً بانعكاساتها السلبية»، ومن هنا تبرز أهميّة صياغة «استراتيجية كاملة».

ثقافة استهلاكيّة

«لماذا لا ندخل أكثر في غمار الطاقة الشمسيّة، ونستغلّ مقوّماتنا في هذا السياق»، يتساءل نائب ممثّل «UNDP» في لبنان، إدغار شهاب، الذي تحدّث في المؤتمر عن إنجازات البرنامج الطموح. يطرح معضلات كثيرة بشأن أفق تطوير قطاع الطاقة ليكون المجتمع اللبناني مجتمعاً بيئياً. ومن المعروف أنّ هذه عمليّة صعبة جداً نظراً «لانتشار ثقافة الاستهلاك في مقابل ثقافة الترشيد»، على حدّ تعبير المدير العام لمؤسّسة كهرباء لبنان كمال حايك.
يطرح إدغار شهاب مثالاً عن إمكان التطوير: سيُفتح سوق الخزّانات الشمسيّة بعدما وضعت المواصفات والمعايير المناسبة، فقد حصل لبنان على هبة لبناء مختبر تُحدّد فيه تلك المعايير... الهدف النهائي هو «إيصال لبنان إلى الطاقة المستدامة».
ويحتاج لبنان جدياً إلى إعادة التفكير في سياسته الطاقويّة، نظراً إلى النقص الذي يعانيه. فعلى صعيد الكهرباء، يتجاوز النقص في الإمداد في بعض الأحيان 40% من إجمالي الطلب، ما يعني، بصورة مبسّطة، أنّ حوالى نصف اللبنانيّين يكونون في نقطة زمنيّة معيّنة من دون كهرباء. وهذا الأمر يحتّم استثمارات ذكيّة، تكون استراتيجيّة ومستدامة في الوقت نفسه.
تلك الاستثمارات تنبع من توجّه عام تحاول الحكومة تبنّيه، وإن كانت تضع على «عاتقها عبئاً لا يستهان به»، بحسب حديث وزير البيئة محمّد رحّال لـ«الأخبار».

مسؤوليّة حكوميّة

يوضح رحّال أنّ لبنان يستطيع الاستفادة على مدار العام من موردين طبيعيّين مستدامين للطاقة: المياه والرياح، وتبقى الشمس التي تغيب بالحدّ الأدنى 65 يوماً. يقول إنّ 4.5% من إنتاج الطاقة في لبنان يجري عبر المياه. وبعد «افتتاح بحيرة اليمّونة وبحيرة أخرى في الشمال، نأمل أن نولّد طاقة إضافية مثلما يحدث في بحيرة مركبا».
وفي مسيرة إصلاح وضع لبنان طاقوياً وبيئياً تتّجه الحكومة، وفقاً لرحّال، إلى إطلاق «أطلس الهواء» في نهاية العام الجاري لتحديد الأماكن الأكثر مناسبة لاستغلال طاقة الرياح، ومن بعدها ستجري عمليّة الاستثمار.
وعموماً فإنّ مردود الاستثمار في الطاقة البديلة أكبر مادياً وبيئياً. وعلى هذا الصعيد يقول رحّال إنّ «هناك خسائر بيئيّة سنوياً من وراء الفيول، لا تنفكّ ترتفع»، في الوقت الذي ستشهد فيه السنوات المقبلة «ارتفاع استهلاكنا إلى معدّلات أعلى بكثير من المسجّلة حالياً». ووفقاً لتوقّعات الأمم المتّحدة سترتفع حاجة لبنان إلى الطاقة بنسبة تراوح بين 4% و6% سنوياً.
هذا الأمر يعني أنّنا سنحتاج إلى موارد إضافيّة سيكون توفيرها مكلفاً إذا جرى اللجوء أكثر إلى الوقود، فيما مؤهّلات لبنان من «الطاقة المتجدّدة» تسمح له بأن يخطو خطوات عملاقة نظراً لافتقاره إلى الموارد الطبيعيّة من جهة، ولسوء استخدامات الأموال العامّة خلال السنوات الماضية للاستثمار في البنى التحتيّة، وعلى رأسها المنشآت الطاقويّة. وهنا يجدر الذكر أنّ استهلاك لبنان من النفط يومياً يبلغ 92 ألف برميل، جميعها مستوردة.

حساب «NEEREA» سيدعم المؤسّسات التي تطرح رؤية بيئيّة في عملها من خلال تسهيل اقتراضها


ويشدّد مدير المركز اللبناني لمشروع ترشيد استهلاك الطاقة (LCECP) بيار خوري على أهميّة مأسسة العمل على الترويج لطاقة البديلة، ويفنّد إنجازات مركزه، المدعوم من مشروع الأمم المتّحدة. يطرح مثالاً أنّه «منذ عام 2005، رُصدت تحسينات بيئيّة في أكثر من 120 مؤسّسة وشركة في لبنان دخلت في نظام الرقابة»، وبلغت قيمة الاستثمارات على هذا الصعيد 500 ألف دولار.
ولكن اللافت في ما يطرحه خوري، هو إمكان تطوير «حساب التمويل ودعم المؤسّسات بيئياً، الذي يمكن أن يبدأ العمل به ابتداءً من منتصف العام المقبل». هذا البرنامج يستطيع أن يوفّر رافعة للأعمال بقيمة 100 مليون دولار خلال السنوات الخمس المقبلة.

حساب... بيئي

ويوضح خوري لـ«الأخبار» أنّ الحساب (كنيته NEEREA)، سيدعمه مصرف لبنان المركزي، حيث سيدعم الأخير قروض المصارف للمؤسّسات، التي تُثبت جدوى بيئيّة في عملها. لذا فإنّ «التركيز سيكون على مشاريع القطاع الخاص، وسيشمل المشروع جميع القطاعات: مصانع ومستشفيات...». وهناك محفّزات كثيرة للعمل في هذا الإطار بينها الهبات، وأساساً من إسبانيا واليونان والصين، إضافةً إلى شراكات كثيرة مثل تلك التي طوّرت مع «MEDCO».
وكذلك هناك مشاريع يدعمها برنامج الأمم المتّحدة، منها مشروع دعم ترشيد استهلاك الطاقة في مباني ومنشآت القطاع العام («CEDRO»). وهذا المشروع معدّ ليتماهى مع جهود الجهات الرسميّة لإصلاح قطاع الطاقة. ويعمل عبر تطبيق مشاريع ذات فعاليّة استخدام وجدوى بيئيّة، على «إزالة الحواجز والترويج لتطبيقات طاقويّة مستدامة».
... يتّضح إذاّ من وعود الحكومة أنّه إلى جانب جهود «UNDP»، أُعدّت أرضيّة إعادة لبنان إلى الربوع الخضراء على الصعيد الرسمي، ويبقى التطبيق. هل يكمن شيطان النظام في التفاصيل؟ الجواب في 2020.


3ملايين

عدد مصابيح الإنارة الموفّرة للطاقة التي تروّج لها مؤسّسة كهرباء لبنان ضمن خطّة ترشيد استهلاك الطاقة، شملت أيضاً توزيع 800 ألف دفتر توعوي، وفقاً لما يوضحه المدير العام للمؤسّسة كمال حايك، الذي يشير إلى ضرورة تزويد المنازل بلوحات شمسيّة



Energy +