Strong>مواجهة التقليد بلا تحمّل المسؤوليّة الاجتماعيّةتزدهر ظاهرة قرصنة الملكيّة الفكريّة في لبنان، لأنها وسيلة لنقل المعرفة إلى الفئات المهمّشة تحديداً، وتبلغ نسبتها 75% من إجمالي السوق. «اختراق» حتميّ تغذّيه عوامل كثيرة، في مقدّمها بنية الأسعار العالية والطابع شبه الاحتكاري للسوق نفسها... ونتيجة ذلك، لن تستطيع الشركات العابرة للقارّات السيطرة على عمليات القرصنة، وهي بدلاً من تحمّل مسؤوليتها الاجتماعية تضغط على السلطات وتتشبّث بتركيبة الأسعار

حسن شقراني
تزعم الشركات أن قيمة الخسائر المترتّبة على قرصنة الملكيّة الفكريّة في لبنان ارتفعت بنسبة 88% بين العامين 2004 و2008، لتبلغ 49 مليون دولار. وتقول إن الرقم وصل عالمياً إلى نحو 53 مليار دولار في العام الماضي، بحسب تقرير القرصنة 2008، الذي أعدّه «تحالف برامج الأعمال» (BSA) بالتعاون مع شركة الأبحاث العالميّة «IDC».
تبذل هذه الشركات جهوداً حثيثة لمواجهة تقليد منتَجاتها، وحتّى الآن تبدو جهودها دون جدوى على الصعيد الاقتصادي، ودون مضمون على صعيد المسؤوليّة الاجتماعيّة والتنمويّة.
من بين تلك الشركات «Microsoft» التي لا تزال تتعرّض لدعاوى قضائية جمّة بتهم الاحتكار في الولايات المتحدة وأوروبا. إلا أنها في لبنان، وغيره من البلدان الاستهلاكية المتلقّية، تضغط على الحكومة لتبنّي استراتيجيتها في مواجهة القرصنة، لتحمي أرباحها، ولو أدّى ذلك إلى عدم تمكين جميع الفقراء ومتوسطي الدخل من استخدام الاتصالات والمعلوماتية وأدوات المعرفة واقتصاداتها في تحسين مستوى معيشتهم.
هذا هو مضمون ندوة نظّمتها «Microsoft» في بيروت أمس.

مواجهة الحتميّة

مواجهة القرصنة تبقى حتّى الآن خاسرة لأسباب عديدة، أبرزها أنّ السلع المعنيّة هي كونيّة بحكم طبيعتها، ولا يمكن أي إجراء أن يقف في طريق تمتّع كلّ فرد في المعمورة، من شانغهاي إلى بوينس آيرس، ببرامج ومنتَجات رقميّة تعدّ حيويّة للخروج من دائرة الفقر عبر التعلّم وتلقّن لغة العصر.
هذا هو الواقع، ولو لم يكن كذلك لربّما كانت مؤشّرات التنمية عالمياً أدنى بكثير من المسجّل حالياً. لكن رغم ذلك، تبقى الشركات مصرّة على كبح تلك المسيرة. فما هي مبرراتها؟
تبقى شركة بيل غيتس مصرّة على مواجهة تلك الحتميّة. فهي تقود ائتلاف «تحالف أعمال البرامج»، ووظيفته الدائمة التهويل في شأن خطورة ارتفاع نسبة قرصنة برامج الحاسوب، وتعرض في هذا الصدد نتائج سلبيّة عديدة لا تبدو موثوقة أو مقنعة.
لذلك، ستموّل «Microsoft» دراسة عامّة عن حجم سوق البضائع المزوّرة في لبنان. ويقول مدير شؤون مكافحة القرصنة لدى الشركة في المنطقة، علي حركة، في حديث لـ«الأخبار» على هامش الندوة، إن هذه الدراسة «ستمكّننا من المقارنة مع الغير وتحديد الممارسات الأفضل». ومن المفترض أن تؤدّي، بحسب حركة، إلى مضاعفة الاستثمارات الموظّفة في قطاع البرامج التكنولوجيّة، عبر تحوّلها إلى دخل مضاعف في القطاعات الأخرى.

رافعة غير اجتماعيّة

يطرح حركة أرقاماً كثيرة تتعلّق بالمردود الذي يمكن أن توفره حماية المنتَجات الإبداعيّة من القرصنة. فطبقاً لمعطياته، تؤدّي «حماية حقّ المؤلّف» وحدها في لبنان إلى دعم الناتج المحلّي الإجمالي بواقع مليار دولار سنوياً وخلق فرص عمل تُقدّر بـ50 ألف وظيفة.
فهذه المسألة ستشمل قطاعات عديدة، منها الإعلام والإعلان والبرمجيّات والسينما والموسيقى... أي إن «المعرفة» المدفوعة الثمن، وذات السمة الاستبعادية، هي التي تصنع النمو! أليس هذا ما يشكوه العالم اليوم، حيث يزداد تركّز الثروة ويزداد الفقر والجوع في المقابل؟ المشكلة أنه ليس هناك من يموّل دراسة مقابلة لاحتساب الخسائر المترتّبة على كبح عامل «المورد المفتوح» عن باقي فئات المجتمع المهمّشة؟ لن يعرف أحد الكلفة الباهظة جداً نتيجة منع فئات اجتماعية واسعة من الحصول على منتَجات وبرامج رخيصة أو شبه مجانية. لا شك في أن الكلفة ستكون أكبر من كلفة القرصنة نفسها.

صعوبة تقنية

بحسب حركة، «تبدو الأمور صعبة جداً، بل حتّى مستحيلة. فإذا طرحنا إمكان تطبيق تقنيّات منع النسخ والتشغيل على الأقراص المدمجة (CD’s) أو المتعدّدة الاستخدام (DVD’s)، سيبرز دائماً من سيخترقها» إذ لا بد من حل أمني فالمسألة تتطلّب نظاماً متكاملاً من قضاء ووحدات لمكافحة القرصنة ووحدات في الجمارك تعنى بهذه المسائل. وهذه مسألة مفقودة في لبنان... إذاً المطلوب تجييش مؤسسات الدولة والمجتمع لحماية أرباح الشركات، أليس في ذلك كلفة يُفترض ألّا يتحمّلها دافعو الضرائب.
أحد الخبراء (رفض ذكر اسمه) من الذين شاركوا في ندوة «Microsoft» أمس، يطرح المسألة من زاوية أضيق، إذ يشير إلى أن القرصنة وصلت في لبنان إلى درجة أنّ بعض المصارف تستخدم برامج مزوّرة في عملها. ولدى سؤاله عن تفاصيل القضيّة، أجاب: «تمكّنا من رصد تلك البنوك المخالفة ورفعنا دعاوى عليها، غير أنّ المسائل انطفأت بشكل ما»، من دون أن يحدّد كيف.
يرى هذا الخبير أن مواجهة هذا النوع من القرصنة لا علاقة له بالجانب الاجتماعي التنموي.
فعلى سبيل المثال، تمثّل الأسواق الناشئة نحو 45% من مجمل سوق الكمبيوترات حول العالم، فيما حصّتها من سوق البرامج «الأصليّة» لا تتخطّى 20%، ولو لم تكن قرصنة البرامج معطى حتمياً، لكانت أساساً سوق الكمبيوترات أصغر. وهنا ندخل في حلقة مفرغة، يُفترض أساساً عبرها تحديد مقوّمات التنمية.

حلقة تجاهل

حلقة تريد الشركات الكبرى أن تبدأ بها من جوانب تعني ربحيّتها، ولا يبدو أنّها تطرح فعلياً حلولاً وسطيّة. فعلى سبيل المثال، تبقى مسألة خفض الأسعار غير واقعيّة بالنسبة إلى تلك الشركات. السبب: «يمكنك بكلّ بساطة أن تزور متجر الأقراص المدمجة في حيّك للحصول على نسخة من برنامجك المطلوب بثلاثة آلاف ليرة، فيما سعر نسخته الأصليّة تبلغ 70 دولاراً مثلاً» يقول علي حركة. لذا «ليس هناك مجال للمقارنة من حيث تركيبة الأسعار».
لكن إلى جانب هذا المعطى، هناك مسألة اطمئنان المستهلك إلى المنتَج الذي يشتريه. فإذا وجد المنتَج أصلياً بسعر تشجيعي في السوق، فسيشتريه حتماً (على الأقلّ 50% من شريحة الاستهلاك المتوسّط) ويستعيض به عن المنتَج المقلَّد ليضمن راحة باله! وفي هذا الصدد كشف حركة عن أنّ شركته تنوي خلال المرحلة المقبلة تقديم «حملة توعية متكاملة» لشرح مخاطر القرصنة.
هي «مخاطر» بالنسبة إلى الشركات العملاقة، غير أنّها رافعة تنمويّة أساسيّة لفقراء العالم الذين يلجأون إلى العلوم العصريّة لتخطّي براثن الفقر.


41 في المئة

هو معدّل القرصنة المسجّل على الصعيد العالمي في عام 2008. وقد تراجع في 52% من البلدان المدروسة عالمياً، فيما بقي ثابتاً في 35% منها.

69 دولار

هو متوسط قيمة البرامج المقرصنة في مقابل كل 100 دولار من البرامج الأصلية. بمعنى أن بيع برامج بمليار دولار تقابله قرصنة بـ690 مليون دولار.


غش وليس قرصنة