الصيادلة والمستوردون يخلطون بين الأدوية المزوّرة والمقلّدة والمهرّبة


محمد وهبة
لماذا تدخل الأدوية المزوّرة والمقلّدة إلى لبنان؟ وبأي طريقة؟ من يحمي مهرّبيها؟ هل تُعَدّ الطرق والوسائل المتّبعة لمكافحة التهريب كافية؟ هل تُعَدّ الأدوية المهرّبة، مزوّرة؟ ما علاقة التهريب والتزوير بمستويات الأسعار والاحتكارات في السوق؟... الأسئلة كثيرة، ومقاربتها تختلف بحسب المصدر وطبيعة تفاعل مصالحه مع الموضوع. ففي الندوة التي نظمتها شركة «سانوفي أنفتيس» أمس في فندق ميتروبوليتان بعنوان «تقنيات جديدة لحماية الأدوية من التزوير»، تبيّن أن نقابة الصيادلة وجمعية مستوردي الأدوية مهتمتان بـ«جودة الدواء ونوعيته» أكثر من اهتمامهما بأسعار الأدوية المرتفعة الناجمة عن احتكار القلّة لأكثر من 90% من سوق استيراد الأدوية، ورفض نقابة الصيادلة المبيع بأسعار تقلّ فيها أرباح الصيدلي عن 22.5%.

تجارة بصحة المواطن

من وجهة نظر الصيادلة والمستوردين، لا يمكن أن تكون خلفيات مكافحة الأدوية المزوّرة والمقلّدة والمهرّبة أمراً تجارياً، ولا يمكن أن يُنظر إلى الدواء إلا من زاوية مدى تأثيره على «صحّة المواطن». هنا يوجد خلط مقصود، إذ ليس كل دواء مقلَّد أو مزوَّر أو مهرَّب مضراً بصحّة المواطن. وبناءً على هذا الخلط، رأى عضو جمعية مستوردي الأدوية، مروان الحكيم، أن مكافحة الأدوية التي تستوردها الشركات المنضوية في الجمعية، هي «ضمان للجودة لا يمثّل سعر الدواء فيها الجزء الأساسي، علماً بأنّ التأكد من جودة الدواء ومصدرها هو الأهم». وهذا يعني أن تعرّض الشركات لأي منافسة يؤدي إلى خفض الأسعار، ما يدفعها إلى التكتّل لمجابهتها.
ويستند الحكيم إلى تقديرات عن أن نسبة الدواء المزوّرة في العالم تبلغ 6%، فيقدّر قيمة سوق الأدوية «الفالتة» من قبضة احتكار الشركات في لبنان بنحو 230 مليون دولار، في مقابل سوق متحكم بها قيمتها 600 مليون، ويحمّل الجمارك اللبنانية، وأصحاب الصيدليات، والتفتيش الصيدلي في وزارة الصحة، مسؤولية دخول الأدوية وتصريفها في السوق المحلية. ودعا إلى إجراءات صارمة تحدّ من هذا الأمر، وأبرزها «الهولوغرام» أو اللاصق الثلاثي الأبعاد، الذي تضعه الجمعية على 90% من علب الدواء في لبنان، لأن نحو 10% من الأدوية تستوردها شركات غير منتسبة إليها، لكن معترف بها.
ومن الإجراءات أيضاً، هناك توجه لاعتماد «الباركود» أو الرقم المرمّز، على علب الدواء، وهو مشروع تعمل جمعية مستوردي الأدوية لإنجازه مع عدد من الوزارات والإدارات الرسمية، بهدف تسهيل العمليات الإدارية والمالية المتصلة باستهلاك الدواء لدى المؤسسات الضامنة الرسمية والخاصة، ما يؤدي إلى التحكم في وضع استراتيجية لكل دواء مرتبطة بمخزونه في الصيدليات ومستودعات التخزين وحجم مبيعاته والطلب عليه.

المستشفيات أيضاً

كلام الحكيم عن تحديد المسؤوليات وتحميل جزء منها للصيدليات، أثار حفيظة نقيب الصيادلة، زياد نصور، الذي أوضح أن هناك 6 أماكن فيها الأدوية المزوّرة والمقلّدة والمهرّبة غير الصيدليات هي: المستشفيات، المستوصفات، المنازل، الدكاكين، السوبر ماركت، مستودعات الأدوية. وبالتالي فإن المطلوب «محاسبة الشبكة الأم التي تحمي الشبكات الصغيرة وملاحقتها».
وتطرق إلى فضيحة الأدوية المزوّرة لمعالجة السرطان التي ضبطت في إحدى المستشفيات، وهي تحتوي على مياه بدلاً من التركيبة الكيميائية للدواء، مشيراً إلى عدم محاسبة أحد رغم تأكّد السلطات المعنية من استعمال مثل هذه الأدوية واستخدامها لأكثر من مريض!
ويلفت إلى وجود 82 ملفاً تتعلق بأدوية مزوّرة، حققت فيها وزارة الصحة في عام 2008 وأحالتها على القضاء «إلا أننا لم نرَ الموقوفين».
ويروي نصور أن تزوير الدواء يجري في عدد من الدول، لكن أبرز عمليات التزوير والتقليد وإعادة التعليب تجري في المناطق الحرة، مثل «جبل علي في دبي، المنطقة الحرة في هامبورغ...».

حماية أم سقف؟

ويخلص نصور إلى المطالبة بـ«حماية الصيدلي ليعرف أي دواء سيقدّم للمواطن»، مشيراً إلى أن المضاربة في أسعار الدواء لا تحمي الصيدلي، بل تحوّله إلى شريك مضارب في «تجارة الدواء» التي يجب أن تكون «رسالة».
لكن المعروف أن هذه الرسالة تتضمن جعالة محددة بنسبة 22.5%، يُفهم منها في ضوء كلام نصور أنها ثابتة يجب عدم التنازل عنها. لذلك كانت نقابة الصيادلة تحذّر الصيدليات التي تبيع الدواء بأسعار مخفوضة في بعض المناطق والأحياء الفقيرة، وحرّكت التفتيش الصيدلي ضمن هذا الاتجاه، مشيرة إلى أن هذه «الرسالة» ستمنع الصيدلي من بيع المواطن دواءً مزوّراً أو مقلّداً أو مهرّباً! بمعنى أن المواطن هو الذي يدفع كلفة هذه «الرسالة» السامية، فيما الصيدلي يتمتع بأرباح خيالية مع المستورد.

سلسلة تحكّم بالأسعار

في المقابل، لم يسأل أي من المحاضرين عن «سبب تهريب الأدوية إلى السوق المحلية». فبحسب مصادر طبية، إن التحكّم في استيراد الدواء عبر الوكالات الحصرية من المستورد، وجعالة الصيدلي المرتفعة، يسهمان في زيادة السعر عن بلد المنشأ أو الأسواق القريبة بنسب تتراوح ما بين 30% وأكثر من 100%. ويعتقد المصدر أن تحديد سقف لنسبة ربح الصيدلي ضروري، إذ بإمكانه في هذه الحالة أن يخفض السعر على حساب مستوى أرباحه، وهذا يشجّع على خفض أسعار الدواء وزيادة المنافسة بين الشركات على استيراد الأدوية ذات التركيبة المتشابهة الرخيصة الثمن، فضلاً عن أنها تُظهر وجود خلل في بنية الأسعار بسبب الاحتكار.
في السياق نفسه، لم يفرّق أحد بين الدواء المزوّر والمقلّد والمهرّب. فالأول هو عبارة عن عملية غش، والثاني يتعلّق بدخول أدوية غير معتمدة في لبنان أسماؤها قريبة من الدواء الأصلي ولديها التركيبة الكيميائية نفسها، لكن صنعتها شركات مختلفة، والثالث قد يكون الدواء الأصلي أو المقلّد، لكنه دخل من طريق التهريب في لبنان... وسبب مبيع هذه الأدوية أن سعرها أرخص.