جمانة فرحاتاحتكام للشارع، فمفاوضات مضنية مهدت لاتفاق شريكي الحكم في السودان. اتفاق يبدو أن الحركة الشعبية لتحرير السودان أبرز الرابحين فيه، بعدما عرفت كيف تستغل المعارضة لتحقيق مطالبها ودفع مؤتمر الحزب الوطني الحاكم إلى التنازل.
على هذا المنوال سارت الأزمة في السودان خلال الأيام العشرة الماضية، قبل انفراجها؛ فبعد التوتر الشديد والاتهامات المتبادلة بين شريكي الحكم، توصل حزب المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية لتحرير السودان إلى الاتفاق على القوانين المرتبطة باستفتاء الجنوب، فيما بقيت القوانين الممهدة للتحول الديموقراطي معلقة.
والاتفاق في حال بلوغه بر الأمان، وتصديق البرلمان عليه بعد عودة نواب الحركة عن مقاطعتهم لجلسات المجلس، سيساهم في نزع فتيل الأزمة السياسية التي كانت تهدد بانهيار اتفاق السلام.
أما عن تفاصيل الاتفاق، فقد اشترط مجلس الوزراء تصويت 58 في المئة من أبناء الجنوب من جملة الذين يحق لهم التصويت لإضفاء المشروعية على الاستفتاء المقرر عام 2011. كذلك اتفق على أن تكون نسبة «50 في المئة +1» النسبة المرجحة للوحدة أو الانفصال. وهو ما يعد انتصاراً للحركة وتنازلاً من النظام، الذي كان يصر على أن خيار الانفصال يجب أن يكون صعباً. ويطالب بأن تكون نسبة التصويت أكثر من 75 في المئة شرطاً للمشروعية، وتصويت ثلثي المشاركين بـ«نعم» للقبول بالانفصال.
ولا يبدو أن تفكيك الأزمة كان صنعاً سودانياً محلياً اذ ترافق التصعيد، ومن ثم التهدئة، مع زيارات لمسؤولين إيرانيين وروس. فوزير الخارجية الإيرانية، منوشهر متكي، الذي زار الخرطوم في العاشر من الشهر الحالي (بعد يوم واحد من التظاهرة الأولى)، عقد سلسلة من اللقاءات تركزت على مسار تنفيذ اتفاق السلام الشامل بين شمال السودان وجنوبه وما يعترضه من مشاكل وعقوبات.
بدوره، كان المبعوث الروسي إلى السودان، ميخائيل ميرغالوف، قد سبق متكي في محاولات لتقريب وجهات النظر بين شريكي الحكم على التوصل إلى اتفاق، فيما أعلن الاتفاق بالتزامن مع الزيارة التي يقوم بها الرئيس السابق لجنوب أفريقيا ثامبو مبيكي، وعودة المبعوث الأميركي، سكوت غريشان، إلى الخرطوم.
وإن كانت التسوية أرضت الحركة الشعبية، فإنها في المقابل استفزت تحالف أحزاب جوبا، الحليف المستجد للحركة، بعد تأجيل حسم الخلاف على قانوني النقابات والاستخبارات. وهو ما دفع التحالف إلى الإصرار على موقفه بالخروج في تظاهرة أول من أمس. شارك فيها بعض أنصار الحركة في مقابل غياب شبه تام لقيادات الصف الأول.
ولذلك، يمكن القول إن تظاهرة المعارضة، أول من أمس، مثّلت صرخة مزدوجة. صرخة في وجه الحزب الحاكم كما في وجه الحركة الشعبية التي قدمت مطالبها الخاصة بالوضع في الجنوب على حساب مطالب المعارضة عموماً، والتي تتضمن إقرار القوانين المرتبطة بالتحول الديموقراطي. وهو ما أعاد إلى الأذهان الاتهامات التي ساقها البعض في وجه الحركة الشعبية بأنها تستخدم المعارضة السودانية فقط لتحقيق أهدافها السياسية. اتهام له ما يبرره إذا ما وضع قبول الحركة بتأجيل النظر في قوانين التحول الديموقراطي في إطار قرار استراتيجي، تهدف من خلاله إلى استغلال التأخر في التوافق على القانونين للاحتفاظ بورقة أحزاب جوبا لرفعها في وجه حزب المؤتمر الوطني في حال تعثر الأمور من جديد. احتفاظ مردّه إلى تيقّنها بأن لغة الشارع وحدها قادرة على ايصال الرسائل إلى شريكها القسري في الحكم، ودفعه إلى تقديم التنازلات، كما أظهرت النتائج السياسية للتظاهرة الأولى.