إسلام أباد تلاعب واشنطن استخبارياً في جنوب آسياشهيرة سلوم
أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما استراتيجيته الجديدة للحرب في أفغانستان، وجعل من باكستان الحجر الأساس فيها. لكن إدارته تبقى متشككة في تعاون إسلام آباد معه، رغم التحالف المعلن بين الطرفين. وذلك يعود إلى العلاقة الغامضة والمتناقضة التي تجمع استخبارات الدولتين وتنظيمي «طالبان» و«القاعدة».

خيانة

الخيانة بين الاستخبارات الأميركية «سي آي إيه» ونظيرتها الباكستانية «آي أس آي» تظهر في الملف الأفغاني. في الآونة الأخيرة، وُجهت أصابع الاتهام إلى «آي أس آي» بأنها تعمل على دعم عناصر «طالبان» و«القاعدة» وتوفر لهم الملاذات الآمنة من هجمات طائرات الاستطلاع الأميركية، بالتوازي مع شنّ الجيش الباكستاني عمليات عسكرية لمطاردة المسلحين.
تلك الادعاءات ليست بجديدة، واستمرت بعد أحداث 11 أيلول. وهي مرتبطة بجذور نشأة «القاعدة» و«طالبان». فقد عملت «آي أس آي» بدعم من «سي آي إيه» على إيجاد ما يسمى المجاهدين وحشدت من أجل «الجهاد» لدحر الاتحاد السوفياتي في الثمانينيات. وعملت على حماية نظام «طالبان» في أفغانستان لمواجهة الهند بدعم الاستخبارات الأميركية وتمويلها.
ولم تقطع الاستخبارات الباكستانية رعايتها للمسلحين بعد اعتداءات 11 أيلول، رغم أن إسلام آباد أكدت دعمها لواشنطن في

جميع الضباط في حكومة «آي أس آي» يقولون عن «طالبان»: إنهم صبيتنا

الحرب على ما يسمى الإرهاب. وتحدثت تقارير عن دعم باكستاني للملا عمر لمقاومة الاجتياح الأميركي، وعن منع زعماء «طالبان» من التعاون والتسليم لأميركا والتعهد بمساعدتهم (جلال الدين حقاني). ومنذ يومين، ذكرت الصحافة الأميركية أن إسلام آباد رفضت طلب واشنطن قمع الزعيم الطالباني سراج الدين حقاني.
وبالنسبة إلى واشنطن، المشكلة ليست في رأس «آي أس آي»، فهي قد تعمل على إبعاده، بل في الجهاز برمته. ويقول دبلوماسي أميركي إن «إبعاد القيادات الثلاث العليا لا يهم بتاتاً. الفلسفة نفسها تبقى: «آي أس آي» حكومة موازية بحد ذاتها. إذا نظرت إلى لائحة الضباط، فالجميع تقريباً سيقولون عن «طالبان»: إنهم صبيتنا». يقول عميل للـ«سي آي إيه»: «غلطتنا الكبرى هي السماح للاستخبارات الباكستانية بأن تكون عيوننا وآذاننا» في أفغانستان، لكن الاعتماد والتعاون يستمر.

تآمر

نظريات المؤامرة جاهزة لتلك المنطقة. وخطط التقسيم وزعزعة استقرار الدول المجاورة تُتَداول أيضاً. بعض الخبراء في الشرق الأوسط وجنوب آسيا حذروا من كارثة وتحدثوا عن نظريات تقسيم منذ السبعينيات. وقيل إن الاستخبارات الأميركية كانت تدرك مسبقاً أن ما وُصف بأنه «الوحش» الذي أنجبته (المجاهدين) لا بد أن ينقلب عليها. خطوة رأت فيها منفعة تحاكي مصلحتها في أن تحيا المنطقة في اضطرابات مستمرة لتفكيكها. إضافة إلى ذلك، يبقى الهدف الأساسي لإدارة باراك أوباما، كما سالفتها، التمدد الجيوبولوتيكي وتحقيق المصالح الاقتصادية، ومحور سياستها في المنطقة يقوم على زعزعة استقرار إيران. وقد ذكر الكاتب سيمور هيرتش أن الولايات المتحدة وحلفاءها في الاستخبارات الباكستانية والسعودية يسلحون ويمولون الميليشية السنية المعارضة «جند الله» التي تنطلق في هجماتها على النظام الإيراني من بلوشستان الباكستانية.
ويتحدث ضابط سابق في الاستخبارات الأميركية عن التعاون مع «جند الله»، قائلاً إن «السخرية أننا مرة ثانية نعمل مع التنظيمات السُّنية، كما فعلنا في أفغانستان في الثمانينيات والتسعينيات».

تحالف الثلاثي

العلاقات التاريخية بين كل من «سي آي إيه» و«آي أس آي» و«القاعدة» تفرض الأخذ في الاعتبار احتمال وجود صلة مستمرة بين تلك العناصر. وبما أن الادارة الأميركية تتهم إسلام آباد بدعم «القاعدة»، وفي الوقت نفسه تعدّها حليفتها الوثيقة، فإن

غلطتنا الكبرى هي السماح للاستخبارات الباكستانية بأن تكون عيوننا وآذاننا

المنطق يفرض وجود صلة مستمرة بين «سي آي إيه» و«القاعدة». واندفع بعض المراقبين الذين يتبنون نظريات المؤامرة الى القول إن «سي آي إيه» خلقت شبكة الإرهاب الدولي ومولتها وتستمر برعايتها. وكما يعمل أي مجرم ذكي، تستخدم الرجل الوسيط كي تتمكن دوماً من نفي جرائمها، والرجل الوسيط في هذه الحالة هو «آي أس آي» ونظام إسلام آباد.
ويدعم هذا التوجه تقارير تُفيد بأن الإدارة الأميركية تغضّ الطرف عن ملاحقة قيادات «القاعدة». وفي شهادة أمام الكونغرس، قيل إن إدارة جورج بوش اختارت ألا تعرقل نشاط «القاعدة» في باكستان، رغم أنها تملك القدرة على ذلك. وطُرحت تساؤلات عن سبب دفع كل هذه المبالغ الضخمة إلى باكستان.
وهناك أيضاً من يطرح مسألة تلاقي واشنطن و«القاعدة» في الفكر الرأسمالي. ويتحدث نائب المدير السابق للمجلس الوطني للاستخبارات، غراهام فوللر، عن الفكر الاقتصادي التحرّري الذي يجمعهما؛ فالمفهوم الإسلامي للتجارة والاقتصاد يرفض تدخل الدولة، وهذا ما يجعل الحركات الطالبانية والوهابية حليفة لليبراليين: «الإسلام كنظرية، قائم على حرية التجارة، والمشاريع الخاصة، النبي كان تاجراً، وكذلك زوجته الأولى، خديجة، فالإسلام لا يحبّذ دور الدولة في الاقتصاد». وأمام هذا المشهد، تصبح باكستان أرضاً تنطلق منها المؤامرات على دول الجوار، في صراع جيوبوليتيكي على المصالح والنفوذ. في بقعة تلتقي مصالحها مع «سي آي إيه» (ايران) وفي ثانية تتنازع (أفغانستان)، وفي ثالثة تساوم (الهند)، وأدوات التنفيذ، جماعات جُنّدت وأُصّلت حتى باتت تعتاش من القتال وتجارة المخدرات.


«آي أس آي» واعتداءات 11 أيلولوحين وقعت الاعتداءات، كان أحمد في واشنطن. وطُلب منه الدعم التام وإلّا «فلتستعد باكستان للعيش في العصر الحجري». وقدم وزير الخارجية كولن باول 7 مطالب غير قابلة للتفاوض تتمحور حول قطع الإمدادات وكف الدعم عن «طالبان» و«القاعدة» وتقديم العون للأميركيين.