خريطة عن تركّز الزراعة في أقضية الشمال والجنوبأظهرت النتائج الأولية لخريطة الزيتون في لبنان أن هناك 450 كيلومتراً مربعاً من المساحات المزروعة بأشجار الزيتون التي توجد في منطقتين أساسيتين، هما: الشمال والجنوب. وتتركّز هذه الأشجار في قضاءي حاصبيا والكورة، أي نحو 45 ألف هكتار بمعدل 300 شجرة في الهكتار الواحد، وهو ما يوازي 13.5 مليون شجرة.
أطلق وزير الزراعة، حسين الحاج حسن، نتائج الدراسة الأولية لخريطة الزيتون التي ينفّذها مشروع «زيت لبنان» والمجلس الوطني للبحوث العلمية، وذلك خلال ورشة عمل نظّمها المشروع أمس بعنوان «الخريطة الوطنية الجديدة للزيتون ـــــ وسيلة لتنمية الأراضي اللبنانية»، في قاعة المحاضرات في الوزارة.
وأوضح الحاج حسن أن الإحصاءات في لبنان ليست موثوقة، لافتاً إلى أن زراعة الزيتون تحتلّ مركزاً أساسياً بين الزراعات المحليّة، وهناك آلاف العائلات التي تعتاش من هذه الزراعة التي تمثّل لها مصدر دخل رئيسياً أو ثانوياً. ولذلك يجب أن يكون الاهتمام بهذه الزراعة تطبيقاً عملياً وفقاً للحاجات المحلية والتصديرية.

بصمة ضوئية للزيتون

تمثّل خريطة الزيتون فرصة لتصحيح المعلومات الجغرافية عن الأراضي وطبيعتها وأنواع الزراعات والتغيرات الممكنة في المستقبل أو تلك التي جرت منذ آخر مسح... فتبيّن أن للزيتون بصمة ضوئية تميزه عن غيره من الأشجار، وبالتالي يمكن تحديد المساحات وفصل الأحراج عن الزيتون، فضلاً عن تحديد المساحات غير المزروعة في كل قرية من القرى التي يشملها المشروع، ومدى انحدارها أو انبساطها وقابلية التربة للزراعة ونوعها.
لبنان لم يتمكن بعد من إنتاج كميات تجاريّة يمكن أن تستهلكها البلدان التي تدفع أعلى الأسعار
وبحسب الخريطة، فإن المناطق التي توجد فيها زراعة الزيتون هي في الشمال (عكار، المنية ـــــ الضنية، بشري، الهرمل، حاصبيا، بنت جبيل، مرجعيون، راشيا الوادي...)، وبهدف تحديد خريطة للزيتون، اعتُمدت 122 صورة التقطت عبر الأقمار الصناعية بهدف توحيد نظم المعلومات الجغرافية في لبنان، في حزيران 2005، وقد أجري عليها تصحيح جيومتري، ما أدى إلى خفض أشجار الزيتون المحصاة في لبنان وفقاً للمسح الشامل في عام 1998، بنحو 600 ألف شجرة، وبالتالي انخفض عددها من 65 ألف هكتار مزروعة بالزيتون إلى 45 ألف هكتار بمعدل 300 شجرة في الهكتار الواحد، أو 30 شجرة في الدونم الواحد علماً بأن الهكتار يساوي 10 دونمات، وبالتالي تراجع العدد من 19.5 مليون شجرة إلى 13.5 مليون شجرة.
في المقابل، كان المسح الشامل الذي أجرته «فاو» في عام 1998 يشير إلى أن هناك 209.6 آلاف دونم زيتون في منطقة لبنان الشمالي تتركّز في الكورة (54.9 ألف دونم) وعكار (76.3 ألف دونم) وزغرتا (45.9 ألف دونم)، أما في النبطية فهناك 116.12 ألف دونم مزروعة بالزيتون، منها 29 ألفاً في حاصبيا و31 ألفاً في مرجعيون و26 ألفاً في بنت جبيل و29.1 ألفاً في النبطية.
وقد حدّدت الخريطة مجموعة من العناصر التي تسمح بالتعرّف على شجرة الزيتون وتوزعها، إذ لديها كأي شجرة أخرى، ما يعرف بالبصمة الضوئية التي تميزها عن غيرها عبر تفاعلها مع الضوء بطريقة مختلفة، وقد تم إدخال كل الحقول التي لم تكن موجودة على الخرائط السابقة، إذ كان المقياس المعتمد لا يلحظ أي حقل تقل مساحته عن 1000 متر مربع، لكن النظام الحالي ضيّق التحديد إلى الحقول التي تقل عن 200 متر مربع فقط.
وسينتهي جمع كل أجزاء خريطة الزيتون في لبنان في عام 2010، إلا أن النتائج الأولية تظهر أن التجمعات الكبيرة لأشجار الزيتون تتركّز في منطقتي الكورة وحاصبيا، وهي تجمعات أصغر حجماً في باقي المناطق المزروعة بالزيتون في الشمال والجنوب، وهناك 64% من حقول الزيتون على أراضٍ منبسطة ومسطحة موجودة في شمال لبنان، وهناك 12% من المساحات المزروعة بالزيتون تقع في مناطق شديدة الانحدار، ولا سيما على التربة البيضاء في الجنوب.

كميات تجارية

على الرغم من أهمية هذه الزراعة، إلا أن المزارعين يعانون المشاكل نفسها سنوياً. ويشير الحاج حسن إلى أنها لم تعالج ولم تتأمن الحلول لها خلال السنوات المتعاقبة، فعلى سبيل المثال لم يتوصل المزارعون بعد إلى آلية فعّالة للتعاطي مع الزيتون قطافاً وتشحيلاً، ولم يجر استنباط حلول واقعية، تبدأ من القطف والتشحيل وصولاً إلى العصر والتعليب والتسويق واستخدام مخلفات العصر...
ففي الواقع، يقول الحاج حسن إن لبنان لم يتمكن بعد من إنتاج كميات تجاريّة يمكن أن تستهلكها البلدان التي تدفع أعلى الأسعار، لأن المزارع لم يتوصل بعد إلى آلية إنتاج الزيتون الذي ينسجم مع المعايير المطلوبة في هذه الدول، فلا تزال كثافة زيت الزيتون المنتج محلياً، ضعيفة، فضلاً عن نسبة أكسدة مرتفعة.
ولذلك يرغب الحاج حسن في أن تكون البرامج المخصّصة لهذه الزراعة في لبنان موحّدة وتطبيقيّة بالكامل، ومنسجمة مع الأهداف الموضوعة التي تؤمّن تحسين الإنتاج وتسويقه وزيادة مبيعاته في أسواق جديدة، إذ ليس المطلوب فقط الاهتمام بخفض كلفة الإنتاج من دون أي عناصر أخرى، فالتركيز على كلفة الإنتاج وعلى أنواع الزراعة وطبيعتها وغيرها من التفاصيل كوّنت لدينا اطلاعاً واسعاً من دون أن إيجاد الحلول التي تناسب المزارعين، علماً بأن هناك اليوم 3 برامج زراعية في وزارة الزراعة للزيتون (!)، وهذا أمر غير مقبول.
وتكمن أهمية التطبيق في أنها حلول على المدى القصير والمتوسط، فيما الحلول الاستراتيجية المتعلقة بتغيير أنواع الزراعات المحلية واستبدالها بزراعات غير تقليدية وفقاً للحاجات المحلية ولقيمة التصدير الزراعي، يحتاج إلى سنوات لإنجازه، ولا يمكن أن تبقى الحلول للمشاكل الآنية بلا حلّ في انتظار إنجاز الاستراتيجية. ويعتقد أن الكارثة الكبرى تتعلق بحماية البيئة والمورد الطبيعي، فيما تبرز حاجة واضحة للقروض الصغيرة والمتوسطة للمنتجين الزراعيين.
(الأخبار)