«سيظل صدى التقرير يصدح قبل تنفيذ أي حرب همجية كهذه»فراس خطيب
كانت الأجواء عشيّة العدوان على غزّة منتشية: أصوات القنابل التي هزَّت أفق القطاع المحاصر لم تزعزع الإجماع الإسرائيلي المؤيد للحرب. صبَّ الإجماع في خانة «حرب إسرائيل الضرورية التي ستضع حداً لمعاناة أهل الجنوب». كل شيءٍ كان مجنّداً، عدا أصوات مناهضة قليلة متواضعة وفقيرة، لم تحرك ساكناً. حتى الإعلام الإسرائيلي، تطوّع هو أيضاً لأن يكون مجنّداً لتلك الحرب «الحتمية».
من يبحث عن ملامح التغيير بعد عام من اندلاعها، شعبياً وسياسياً، سيجدها متواضعةً وفقيرة. الإسرائيليون ينظرون إلى عدوان «الرصاص المصهور» على أنَّه «إنجاز» يتجلى بـ«الهدوء» عند الحدود الجنوبية. وليس صدفة أنَّها الحرب الوحيدة التي خاضتها الدولة العبرية منذ عام 1973 ولم تتمخّض عنها لجنة تحقيق رسمية. حتى إنَّ اعترافات عدد من الجنود الإسرائيليين، الذين فضحوا الممارسات في غزة، عُدّت «أحداثاً شاذّة»، وقرر النائب العسكري العام إغلاق الملفات: «لم يُعثَر على أدلة لهذه الادعاءات».
التغيير الذي تمخض عن «الرصاص المصهور» لم يأت من داخل إسرائيل، لا قبل الحرب ولا بعدها، على الإطلاق. التغيير جاء على ظهر تقرير غولدستون، الذي اتهم تل أبيب بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين. لم تتعاون الدولة العبرية مع مجرى التقرير ولا مع خلاصته، وعند صدور نتائجه هاجمته على جميع المستويات.
لكن الهجوم الإسرائيلي لم يذلّل ما تمخض عن «تقرير غولدستون»، الذي خلق واقعاً جديداً نابعاً من خوف إسرائيل (لا من محاسبتها لنفسها) من الرد الدولي مستقبلاً على أي عملية ستتّخذها. وعلى هذا يتفق غالبية الخبراء في الشأن الإسرائيلي على أن التغيير الوحيد هو تقرير غولدستون وتأثيره. الناقد أنطوان شلحت، من المركز الفلسطيني للشؤون الإسرائيلية، يرى أنه «من وجهة النظر السياسية، فإن تداعيات هذه العملية العسكرية كانت مدمّرة، فقد تدهورت أوضاع إسرائيل الدبلوماسية إلى حضيض غير مسبوق (من مظاهره الأزمة مع تركيا، ومع السويد)، وهناك احتمالات كبيرة بأن تُقدَّم، في نهاية المطاف، إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي». ويضيف «حتى لو لم يُقدّم أي مسؤول إسرائيلي إلى المحاكمة في لاهاي، فإن تقرير «لجنة غولدستون» سيبقى محفوراً في وعي النخب المثقّفة في الغرب، وفي ذاكرة الجماهير العريضة في العالم الإسلامي». ويشير إلى أن «الجدل المستجد بشأن هذه الحرب، إثر صدور «تقرير لجنة غولدستون»، يوحي أن تلك الحرب كانت أشبه باللعنة التي ستظل تلاحق إسرائيل وقادتها حتى إشعار آخر».
وكان الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي (هآرتس) واحداً من الأصوات القليلة التي عارضت العدوان على غزة. كان مقاله الأسبوعيّ ينتقد النهج الإسرائيلي انتقاداً لاذعاً. يقول «للأسف، لم تكن لحملة الرصاص المصهور أي تأثيرات في الحلبة السياسية الإسرائيلية»، لكن التغيير الوحيد الذي يراه هو «تقرير غولدستون». ويعتقد أن صدى التقرير «سيظل يصدح في إسرائيل لوقت طويل. وسيفكّر (الإسرائيليون) في المرة المقبلة مرتين أو ثلاث مرّات قبل تنفيذ أي هجوم همجي كالذي كان. وفي رأيي، هذا هو التغيير الوحيد».
أما في ما يتعلق بالجمهور الإسرائيلي، فيقول ليفي أنْ «لا شأن جماهيرياً. الجمهور الاسرائيلي يرى أنه كانت هناك حرب على حماس وهي إنجاز، والحدود الآن هادئة ولا يهتم بأكثر من هذا»، مضيفاً «عندما لا يُقتل جنود إسرائيليون، فالموضوع ليس مطروحاً للبحث بالنسبة إلى الجمهور الإسرائيلي، وليس صدفة أنه بعد الحرب على غزة، لم تؤلّف أيّ لجنة تحقيق».
ويرى ليفي أنَّ القيادة اليمينيّة التي تمخضت عن الحرب لم تكن وليدة «الرصاص المصهور»، بل «هي محصّلة مسيرة بدأت عام 2000، حين آمن الإسرائيليون بأن لا شريك فلسطينياً». ويشير في المحصّلة إلى أن المستقبل «أسود». وحين تسأله عن «التغيير» يقول إنه «لن يأتي من الداخل (إسرائيل). الحياة في إسرائيل جيدة، والاحتلال ليس على سلّم الأولويات وليس مهمّاً. التغيير سيأتي عندما يبدأ الإسرائيليون بدفع ثمن الاحتلال، وهذا أمر بعيد. لا توجد قيادة شجاعة في إسرائيل». ويختم بالقول إن «الطرف الوحيد الذي يمكن أن يُحدث تغييراً في إسرائيل هو الولايات المتحدة، وحتى الآن لم يفعل».