تطوير على نمط «بدلات» أحمد عزّ... لا يغيّر محتوى «الحزب الوطني»وائل عبد الفتاح
«أجواء الوراثة» في كل تفصيلة في مؤتمر الحزب الوطني الحاكم في مصر، الذي انطلق أول من أمس ويُختتم اليوم. من الكلمات والهتافات والتوصيفات التي أُغدقت على جمال مبارك، الذي ظهر خلال اليومين الماضيّين للمؤتمر السادس، بأنه أكثر نضجاً وبات جاهزاً لـ«وراثة الأب».
«الوراثة» هي أكثر ما يجول في خاطر المتابعين لأعمال المؤتمر في وقت يلفّ فيه الغموض مرحلة ما بعد الرئيس حسني مبارك، الذي لم يتطرّق إلى مرحلة خلافته، وبدا مطمئنّاً إلى فكرة «الخلود»، لكنه لمّح إلى أن العام المقبل سيكون حاسماً فى العمل الحزبي والوطني. حسم يمكن استشرافه من خطاب جمال، الذي كان مليئاً بمؤشّرات «وراثة الأب». ورغم صخب مؤتمر الحزب، الذي يحتل فيه جمال منصب أمين السياسات، فإنه يمكن سماع رنّة «هتافات» في نبرة نجل الرئيس المصري. «عملنا وعملنا. يالي مبتحسوش بالنعمة»، هذه النبرة تختلط مع نغمة عقلانية مصنوعة. الخليط نتج منه صوت مزعج وإيقاع غير مفهوم لكلام معاد ومكرر وحديث عن إنجازات صناعة أعداء يشوّهون صورة الحزب. كل هذا في صياغات غير صحيحة لغوياً وأخطاء في قواعد الخطابة والنحو.
الجديد هذا العام في نبرة القوة. يتحدث جمال بقوة ما دائماً. لكن في خطبة هذا العام قوته تأتي من المستعد لدخول حلبة الملاكمة. من يستعد للجولات النهائية من بطولة ما. وهذا ما أعطى النبرة المملة المعتادة في كلامه شيئاً جديداً يمكن تأمّله. المهمة كانت صعبة. كيف يمكن أن تقرأ ما يدور داخل شخص لا تتحرك ملامحه؟ عيناه صامتان؟ وجهامته قناع دائم؟
أحمد عز، أمين تنظيم الحزب والرجل الحديدي وصاحب المليارات، كان لافتاً للنظر خلال استعراض «شرير الحزب»، الذي أصبح سنوياً ويلقى نجاحاً وينتقل من القراءة السياسية إلى الاهتمام بمتابعة بيت الأزياء الذي يفصّل له بدلاته. وهل هو روبرتو كافالي أم غيره؟
جمال ذكر أكثر من مرة كلمة «البرنامج الانتخابي». ولم يذكر أنه البرنامج الانتخابي للرئيس
أحمد عز يريد التأكيد على فكرة الشرير، الذي يهاجم المعارضة ويهتف باسم زعيمه الحزبي: «عاش مفجر ثورة التحديث». يريد أحمد عزّ أيضاً لفت الانتباه بخطاب مستفزّ يجعله موضوعاً يملأ الساعات الليلية في الفضائيات. هذا الإصرار على الوجود الشخصي ليس عابراً ولا هو طلباً للشهرة، إنها مرحلة تفرض قانون البقاء للأكثر استعراضية. لمن يمتلك صوتاً عالياً وحنكة عدم الوقوع في بئر الضحايا.
فالموسم موسم التقاط ضحايا (من محمد منصور إلى أحمد شوبير وكل من يوقعه حظه العاثر في طريق مفرمة دفاع الحزب عن طهارته). إنها معركة حياة أو موت. وهذا ما يجعل النبرة عالية. نبرة استفزاز الجميع. ونبرة وراثة الأب «من أجلك أنت»، وهو الشعار الذي اختاره المؤتمر له هذا العام. شعار يمكن تحويره ليكون «طي صفحة الأب من أجل الابن»، الذي لم يأت على ذكر أبيه ولا مرّة تقريباً خلال خطابه المطول في المؤتمر.
جمال ذكر أكثر من مرة كلمة «البرنامج الانتخابي». ولم يذكر أنه البرنامج الانتخابي للرئيس. التركيز كان على الحزب كأنه برنامج الحزب أو الذي حققه الحزب، وهناك فرق بين الرئيس والحزب طبعاً.
كانت هناك رغبة في إعلاء وجود الحزب. في التأكيد على أنه «حزب حقيقي» ومؤسسي، لأن هذا هو ملعب إنجازاته. تطوير الحزب الذي ظهر فجأةً مع الرئيس الراحل أنور السادات، وورثه حسني مبارك، كما ورث الرئاسة، من دون أن يضفي عليه أي لمسة أيديولوجيّة أو مؤسساتية. حزب يستمد قوته من وجود الرئيس نفسه، الذي كان يعتبر «المستقلين» أعضاءً في الحزب الوطني، حتى لو لم يكونوا منتمين إليه، وخصوصاً أن لا شروط للانضمام غير الولاء.
من هنا تأتي الحاجة إلى التطوير. لكن التطوير في الحزب يأتي مثل بدلة أحمد عز، تصميم من بيوت أزياء عالمية لا تضيف شيئاً ولا تغير واقعاً يقول إن أحمد عز محتكر الحديد، وإنه يستغل وجوده إلى جوار «مفجر ثورة التحديث» ليصنع ثروة يصرف بها على الحزب أو يصرف بها على أي شيء. المهم أن ثروته لأسباب سياسية ولا ترجع إلى شطارة شخصية فقط.
تطوير الحزب مثل موديل البدلة لا يغير صاحبه. كما أن النزول إلى الشارع لا يعني تغيير السياسات. ولا وراثة الاب تعني أن الإصلاح جرى أو أن الابن في طريقه إلى التغيير. التغيير لا يتمثل هنا سوى في تعبير جمال عن قوته في مواجهة تيار عارم ضد طموحاته. لأن أول الطريق إلى الإصلاح هو الشفافية. والشفافية تقول إن الصعود السياسي لابن الرئيس في دولة شمولية هو فساد سياسي لأنه لا يخضع لمنطق المنافسة.
جمال يتطور، ونفسيّاً يحاول تولّي سلطة الأب. هذه ميزة طبعاً. ميزة ربما تطور الحزب أو تجعله يبدو حزباً لا نادياً لمصالح المنتفعين بالسلطة. وربما تؤثر هذه الميزة في تفكيك البنيان الصلد للنظام الشمولي وهذا يفتح كوّة في جدار النظام الخالد.


جمال مبارك: نحن حزب الاستثمار... لا رجال الأعمال

القاهرة ــ الأخبارلم يكن ما قاله جمال مبارك تقريراً بالمعنى المتعارف عليه، لكنه «خطاب دفاع» ضد المعارضة التي تحاول تقديم «صورة سلبية» عن حزب الغالبية. هي حملة هجوم على المعارضة ترددت في خطابات الأمين العام صفوت الشريف، الذي ركّز على «مثيري القلق» الذين لا ينتبهون إلى أن «معالم الطريق أمام الشعب واضحة ودستور البلاد سياج الحمى في يد زعيم حقيقي».
من جهته، ركّز أمين التنظيم أحمد عز (الصورة) هجومه على «برامج الحوارات، التي لا ترى إلا الأسود فقط». وأكد للأعضاء المنزعجين من هجوم الصحافة والإعلام أنه «عندما تتفكّك المعارضة تقوم الصحافة مكانها». وركّز على جماعة الإخوان المسلمين ووصفهم بالتيار الذي «يمارس سياسة رفع الأحذية تحت قبة البرلمان ويحرّضهم مرشدهم على ذلك». كذلك وصف عز، في خطابه الحاد، جمال مبارك بـ«مفجّر ثورة التحديث».
من جهته، سيطر حديث الانتخابات على خطاب جمال مبارك، مؤكداً أنه في الانتخابات المقبلة ستكون أغلبية أقوى من المرات السابقة، مشيراً إلى أن «الحزب الوطني لا يحتكر الساحة السياسية في مصر»، كما أنه «دخل في حوار جاد مع المعارضة خلال الفترات الماضية بشأن عدد من مشروعات القوانين التي كان آخرها مشروع الملكية الشعبية»، مضيفاً «أن هجوم المعارضة أمر طبيعي ناتج من حالة الحوار السياسي الصحي».
يشار إلى أن الرئيس حسني مبارك لم يتطرّق في كلمته إلى حالة السجال السياسي بشأن خلافته... ورفع شعارات «ننحاز إلى الأغلبية الساحقة من البسطاء والفقراء». وكما فعل ابنه جمال، أعلن مبارك الأب فخره بأنّ الحزب لم يحمّل الأجيال الحالية إعصار الأزمة العالمية، كذلك أعلن زيادة المعاش التضامني ٢٥ في المئة.
وبالتوازي مع مؤتمر الحزب الحاكم، عقدت تيارات المعارضة مؤتمراً تحت عنوان «القلة المندسة»، نظّمته جماعة «٦ أبريل» وشهد حضوراً لافتاً. وفي جلسة أمس، وجّه رئيس حزب الجبهة الديموقراطية، الدكتور أسامة الغزالي حرب، كلامه إلى الحزب الوطني قائلاً «أخطأتم حينما وصفتم المعارضة بأنها قلة مندسّة، فالقلة المندسّة هي نموذج مصغّر للشعب المصري المعبّر عن رأيه، والقلة الحقيقية هي التي احتكرت حكماً».
أضاف الغزالي «لأول مرة لا نعرف من هو الرئيس المقبل، وسط أحاديث عن أنه الرئيس مبارك وشائعات عن التوريث»، داعياً الشعب المصري إلى أن يأخذ المبادرة من أجل تحويل النظام إلى آخر ديموقراطي، لأن مصر ستدخل مرحلة التدهور السياسي إذا لم يتحرك الشعب. كذلك حضر المؤتمر مؤسّس حزب «الغد» الدكتور أيمن نور، الذي رأى أن «النظام يفشل دائماً في تقديم بدائل، سواء أكانت ورقة أم أشخاصاً».