رام الله | «حجر ومقليعة وسكين»، ثلاث أدوات لا تفارق كل مقاوم فلسطيني في الضفة يخرج إلى نقاط الاشتباك. فبعد أن يلف على نفسه الكوفية ويخرج من بيته يتأكد من أنه لم ينس أياً منها. حكايات السلاح التي فقدت من الضفة المحتلة، يسعى شبابها إلى تعويضها بابتكار وسائل بديلة لها قدر من الفعالية والتأثير.
«لا يمكن أن تذهب إلى المواجهات من دون لثمة، كوفية أو قميص. المهم أن تغطي وجهك حتى لا يصورك الجنود ثم يأتوا إلى بيتك ليعتقلوك»، نصائح تسمعها من الفتى محمد الذي لم يتجاوز عمره 15 عاماً. لا يرى محمد عيباً أو نقصاً في إلقاء الحجارة، مع أنه يتمنى أن يصبح معهم سلاح مثل الذي في غزة ليقاوموا به. يضيف: «كلو بيقاوم على قد ايده. انتفاضتنا الأولى أصلها حجر».
هذه الحجارة يمكن الحصول عليها بسهولة في الضفة. يكفي تحطيم صخرة واحدة من التلال والجبال المحيطة بمواقع الاشتباك للحصول على حجارة من جميع الأحجام. اللافت أن بين المتظاهرين لغة متبادلة وأسماء خاصة بهذه الأحجام. إذا طلب أحدهم «دبشة» فإنه يعني الحجر الكبير الحجم، وإذا طلب «دحموس» فإنه حجر مسطح خفيف الوزن يمكن إلقاؤه لمسافات بعيدة. أما الصخور الضخمة التي يصعب تحطيمها، فتجرّ إلى وسط الطريق لإعاقة مرور الجيبات، أو لاتخاذها متاريس.

تحطم صخرة للحصول على كمية حجارة من جميع الأحجام

وقد لا تظهر الصور صعوبة إلقاء الحجارة، لكنها تحتاج إلى جهد بدني ومهارة خاصة ممن يستخدم «الشدّيدة» (حبل مطاطي آخره ممسك لحجر ويدور بسرعة). وعلى المتظاهر أن يتخذ مكاناً جيداً وأن يدرس المسافة، وتزيد المهمة صعوبة عند استخدام الزجاجات الحارقة بأنواعها وخاصة «المولوتوف»، التي تصنع من زجاجة فارغة تملأ بالبنزين أو الكيروسين، وتوضع فيها أيضاً مادة تساعد على إمساك السائل المشتعل بالهدف المراد حرقه مثل الغراء (الصمغ). وما لبثت هذه الزجاجات أن تحولت إلى قنابل صغيرة تسمى «الأكواع» وتستخدم ضد الدوريات الجوالة، وقد تضاف إليها المسامير.
ومن الأمور التي كثر استخدامها أخيراً زجاجات «الأسيد» الحارق كذلك، التي توضع فيها مواد حمضية، وما إن تنكسر فور تصويبها حتى تذيب ما تلمسه. ولعل الثمن الباهظ لـ«الأسيد» جعل من استخدام هذه الزجاجات قليلاً ومركزاً، لذلك فإن للألعاب النارية خياراً جيداً، لأنها رخيصة الثمن ومتوافرة بكثرة، كما ثبت أنها تبث الخوف والارتباك في صفوف الجنود.
كذلك يسعى المتظاهرون إلى شراء الزجاجات المليئة بالطلاء التي تعيق الرؤية في حال أصابت الزجاج الأمامي للآليات العسكرية. كما يستخدمون المسامير والزجاج المكسر لإعاقة الآليات بغرسها في الطرق مباشرة، أو بزرعها في حبات البطاطا ونشرها على الطرق، ومن الممكن دق المسامير الكبيرة في قطع خشبية وتوزيعها على مسافات متفاوتة من الطريق.
ولعل أصعب ما يمكن استخدامه هو السكين، التي تتطلب من حاملها القرب حتى «مسافة صفر»، والقدرة الجسدية على تسديد ضربات قوية بها. وفي أحيان عديدة كانت تستخدم سكاكين كبيرة «سواطير»، أو أدوات بناء.
هذه الأدوات التي تمثل أقصى ما يمكن للمقاومة الشعبية العمل به في الضفة الآن، ليست أفضل ما وصل إليه مقاومو الضفة، الذين استخدموا في صد عملية السور الواقي (2002) الأسلحة الرشاشة والعبوات الجانبية والقنابل اليدوية. لكن الضفة في أحسن أحوالها لم تستطع الحصول على صواريخ محلية أو قذائف هاون ومضادات دروع مميزة.
في المقابل، يغيب مشهد الدبابات «الميركافا» عن شوارع الضفة منذ عامين من بعد «السور الواقي». ويتنوع استخدام الإسرائيليين للرصاص عبر عدة بنادق وقناصات، منه: الرصاص الحي، أو المطاطي والمعدني المغلف بالمطاط أو من دونه، فضلاً عن رصاص التوتو ــ الدمدم أو الرصاص الانشطاري، والأخيران يتفجران داخل الجسم في حال الإصابة ويتسببان بمضاعفات أكثر قد تفقد الإنسان أحد أعضائه.
وفضلاً عن قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع أو غاز الأعصاب، كان جنود العدو يستخدمون المياه العادمة لتفريق المتظاهرين بها. لكن في الأيام الأخيرة، ظهرت أدوات جديدة معهم أهمها طائرات الاستطلاع الصغيرة التي تراقب تحركات المتظاهرين وتشكيلاتهم التي يسعون فيها أولاً إلى إعاقة مرور المركبات العسكرية، ثم تشتيت الجنود بالمفرقعات وأخيراً الهجوم بالحجارة والزجاجات الحارقة.
في النهاية، يترقب بعض الشباب عودة استخدام السيارات لدهس المستوطنين، الذين بدأوا عمليات هجوم جماعية وهم يحملون أنواعاً من الأسلحة الفردية والرشاشة. كما لا تغيب عن ذاكرتهم «انتفاضة الجرافات» التي كان بعض العمال يستخدمون فيها الجرافة لقلب باصات أو استهداف سيارات لإسرائيليين؟ ولكن كثيرين يتخوفون من أن حالة عسكرة لهذه الهبة الشعبية قد تجعل الإسرائيليين يزيدون من مستوى العدوانية واستخدام أسلحة أخرى، فضلاً عن أن الهدف هو ديمومة الاشتباكات بدلاً من أن يحولها الإسرائيليون إلى حرب عسكرية قصيرة.