محمود عبّاس لن يترشّح لرئاسة السلطة، فهل هناك داعٍ للهلع؟ سؤال لا بد قبل الإجابة عنه من بعض القراءة في موقف أبو مازن ورؤية مدى تطابقه مع الواقع في الأراضي المحتلة، وما إذا كان يمتلك فعلاً ترف عدم الترشّح، كما لو أن السلطة هي دولة في أوج الديموقراطية
حسام كنفاني
بداية، لا بد من قراءة تصريح الرئيس الفلسطيني محمود عباس بدقة، خلال خطابه مساء الخميس الماضي. ماذا قال عبّاس؟ قال: «أبلغت الإخوة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومركزية فتح بعدم رغبتي في ترشيح نفسي للانتخابات الرئاسية المقبلة». وأضاف: «آمل أن يتفهّموا رغبتي هذه، علماً بأن هناك خطوات أخرى سأتخذها في حينه»، مشدداً على أن هذا الموقف «ليس من باب المساومة أو المناورة».
هناك بعض المعاني المبطنة في الجمل القليلة التي قالها عبّاس عن ترشيح نفسه. لم يكن حاسماً، كما خيّل للبعض، أو كما ترغب منظمة التحرير وحركة «فتح» بالترويج له. لم يعلن صراحة أنه لن يترشح للانتخابات، كل ما قاله أنه «غير راغب». وهناك فرق بين عدم الرغبة والجزم بعدم الترشّح، وتكليف اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة «فتح» بالبحث عن مرشّح بديل.
عبّاس وضع «رغبته» في عهدة اللجنتين، اللتين ستكونان مخولتين تقرير تنفيذ أو عدم تنفيذ رغبته. هذا ما قاله أبو مازن نفسه، حين تمنى عليهما «تفهّم رغبته». فماذا لو لم تتفهما وأصرتا على ترشيحه للرئاسة، كما هو ظاهر من التصريحات والمواقف الكثيرة التي يتناوب عليها مسؤولو منظمة التحرير و«فتح»؟ حينها سيكون على عباس التخلي عن «رغبته»، والنزول عند رغبة «الإجماع الفلسطيني»، ولا سيما أن تظاهرات بدأت تخرج في شوارع الضفة الغربية تطالبه بالعدول عن موقفه.
أما قوله إن قراره، أو «عدم رغبته»، ليس من باب المساومة أو المناورة، ففيه بعض من مجافاة الحقيقة، وخصوصاً أنه يأتي بعد سلسلة نكسات تعرّض لها في الداخل والخارج، من قضية تقرير غولدستون إلى عملية السلام والتحوّل الأميركي تجاهها.
الموقف وليد لحظة انهزام شعر بها أبو مازن، أطلقه ليلتقط تأثيراته وتداعياته في الداخل الفلسطيني والخارج العربي والدولي. وعلى أساس هذه التداعيات سيكون وجه القرار النهائي، الذي لا شك سيكون «العودة عن عدم الرغبة».
مشكلة فياض أنه من خارج الإطار التنظيمي الفلسطيني وهو غير مرضيّ عنه من «فتح»
التداعيات بدأت بالخروج إلى العلن. فإضافة إلى المواقف الفلسطينية والتظاهرات الداخلية، ها هو الأمين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، يحث عبّاس على التراجع. وها هي المواقف الأميركية تشيد بالرئيس الفلسطيني، وها هي التسريبات الإسرائيلية تشير إلى نيات أميركية لإطلاق مواقف وتعهدات استرضاءً لأبو مازن.
الاسترضاء لا بد أن يكون في نقاط معينة، حددها أبو مازن في خطابه. فقد نقلت وكالة «فرانس برس» عن رئيس مؤسسة الدراسات الديموقراطية في رام الله، جورج جقمان، إشارته إلى ثماني نقاط تفاوضية حددها عبّاس بانتظار استجابة أميركية لها. ورأى أن النقاط هي «قرارات الأمم المتحدة بشأن الصراع، وخريطة الطريق ومبادرة السلام العربية، ورؤية حل الدولتين وحدود 1967، وأن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين».
النقطة الثانية التي تشير إلى المناورة في ما أعلنه عبّاس هي فكرة الانتخابات نفسها. فعمليات الاقتراع لا تزال غير مؤكدة في الموعد الذي أعلنه الرئيس الفلسطيني في 24 كانون الثاني المقبل، ولا سيما أنها مرتبطة بملف المصالحة الداخلية وتطوراتها. الملف، وإن كان مجمّداً حاليّاً، إلا أنه لا يزال في طيّ التشاور، وأي جديد سيطرأ عليه، على غرار ما أعلنه القيادي في «حماس» خليل الحية عن «انفتاح على المصالحة»، سيقذف بالانتخابات إلى حزيران المقبل في حد أدنى. كذلك، إن فكرة تنظيم الانتخابات من جانب واحد لا تزال غير مقبولة عربياً، وبالتالي لا تحظى بالغطاء الشرعي اللازم. ولا شك في أن عبّاس يدرك ذلك جيداً، وبالتالي هو يناور بورقة صوريّة اسمها الانتخابات.
النقطة الأخيرة التي تجعل من عبّاس المرشّح الوحيد لمنظمة التحرير وحركة «فتح» للرئاسة، هو انعدام الخيارات الأخرى، والأسماء التي تطلق من هنا أو هناك، سواء من الولايات المتحدة أو أي طرف عربي، ليس لها ـــــ على الأقل في هذه المرحلة ـــــ أي فرص من المرور، وخصوصاً أن بديل عبّاس ستكون «حماس».
سلام فيّاض ومحمد دحلان هما الاسمان المتداولان بديلاً. ولأسباب مختلف، فإن الشخصين غير حاضرين لتولي منصب الرئاسة. بالنسبة إلى فياض، مشكلته الأساس أنه من خارج الإطار التنظيمي الفلسطيني، فلا هو عضو في أحد فصائل المنظمة، ولا هو مرضيّ عنه من حركة «فتح». أُسقط بالمظلة في وزارة المال ثم رئاسة الحكومة برغبة أميركية، ومن حينها والاعتراضات عليه من «فتح» لا تتوقف، وخصوصاً أنه لم يُدخل أياً من أطرافها في الحكومة. وهي لا تنفك تكيل له الاتهامات بمحاولة مصادرة رئاسة السلطة.
أما محمد دحلان، وإن كان المرشّح الأوفر حظاً بالنسبة إلى واشنطن والقاهرة، فإنّ توليه رئاسة السلطة دونه عقبات في المرحلة الحالية التي تمرّ بها حركة «فتح»، وخصوصاً أن تيارات لا تزال تتنازع داخل الحركة، وبعضها لم يكن راغباً في عودة دحلان إلى مركز قيادي بعد ما حدث في قطاع غزّة، الذي يتحمّل مسؤوليته دحلان شخصيّاً. وبالتالي فالرجل العائد إلى منصب قيادي (مفوض الإعلام في «فتح»)، بعد طول انقطاع، لا يزال في طور الصعود الجديد إلى رأس الهرم، وهو بحاجة إلى إزاحة مجموعة من الأسماء من دربه. وأي دفعة أميركية لدحلان في هذا الوقت، ستكون بمثابة القشة التي ستقصم
«فتح».
من هنا قد يأتي تمسّك «فتح» بترشيح عبّاس، باعتباره الشخص الوحيد الذي تجمع عليها تياراتها المتناقضة.

تظاهرات في الضفة

ولهذا (غزة ــ قيس صفدي)، خرج أنصار حركة «فتح»، بعد صلاة الجمعة أمس، في مسيرات في عدد من مدن الضفة الغربية وسط هتافات تطالب عباس بالتراجع عن قراره وخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وقال المتحدث باسم «فتح» أحمد عساف في مسيرة في مدينة رام الله مقر إقامة عباس: «إن الحركة ترفض قرار الرئيس عدم خوض الانتخابات». وأكد «أنه (عباس) لا يزال مرشح الحركة الوحيد وبإجماع وطني لأنه يمثل عنوان التمسك بالثوابت الوطنية رغم الضغوط والمماطلة الأميركية والإسرائيلية».
وقال عساف إن «التحركات الشعبية الفتحاوية ستستمر في كل المناطق في الضفة الغربية»، مشيراً إلى «عدم قدرة أنصار الحركة على الخروج في مسيرات داعمة للرئيس عباس في مناطق قطاع غزة بسبب منع حركة حماس».
وفي غزة، ناشد النائب عن حركة «فتح» فيصل أبو شهلا عباس العدول عن قراره، مشيراً إلى أن «الغالبية العظمى من الشعب، وخصوصاً في قطاع غزة تريده في الرئاسة دورة أخرى».
ودعا «حركة حماس إلى الإسراع في التوقيع على ورقة المصالحة المصرية وعدم خلق الأعذار لأن الوقت لا يلعب في صالح الشعب الفلسطيني».
وفي السياق، قال رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض إن «الظروف السياسية» التي دفعت عباس لإعلان عدم ترشّحه للانتخابات الرئاسية «يتعيّن أن تتغيّر». وأضاف، أثناء ماراثون في مدينة نابلس بالضفة الغربية، إنه «يتعيّن على المجتمع الدولي أن يتحمل المسؤولية عن فشل عملية السلام».
واستقبل عباس مساء أمس رئيس لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية حنا ناصر وأمينها العام رامي الحمد الله، ودعاهما إلى اتخاذ كل الإجراءات لتنظيم الانتخابات في الرابع والعشرين من كانون الثاني المقبل «حسب الأصول في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس».
وذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية «وفا» أن أبو مازن «أطلع ضيفيه، على الوضع السياسي العام، والاستحقاق الدستوري المتمثل بإجراء الانتخابات العامة في موعدها الدستوري».

«رسالة لأميركا»

ورأى رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل، في كلمة ألقاها في مخيم اليرموك في دمشق في الذكرى الثانية والعشرين لانطلاق حركة الجهاد الإسلامي، أنّ «الإشارة إلى الاستقالة أو عدم الترشح (التي أطلقها عباس) ليس فيها إحراج للأطراف الإقليمية والدولية، فلا مشاعر لهم لكي يحرجوا». وأكد أن «الشجاعة توجب علينا نحن قيادات الشعب الفلسطيني أن نصارح شعبنا في حقيقة التسوية».
دحلان لا يزال في طور الصعود الجديد إلى رأس الهرم، وهو بحاجة إلى إزاحة مجموعة من الأسماء من دربه
وطالب مشعل بتجميد مشروع التسوية بين إسرائيل والفلسطينيين وتبنّي خيار المقاومة، داعياً إلى «إعلان تجميد مشروع التسوية الراهن وتعليقه فترة من الزمن وتحميل إسرائيل والإدارة الأميركية و(اللجنة) الرباعية الدولية مسؤولية ذلك». كذلك دعا إلى «تبنّي خيارات بديلة عبر الجهاد والمقاومة وحرية العمل الشعبي بكل أصنافه».
بدوره، أكد المتحدث باسم حكومة «حماس» طاهر النونو أن تلويح عباس بعدم خوض الانتخابات إنما هو «رسالة موجهة إلى أميركا والكيان الصهيوني، مفادها أنه إذا أردتم بقائي في منصبي فعليكم تقديم شيء لي كي أنجح في هذه الانتخابات». ولمّح إلى أن عباس يناور من خلال خطابه لكسب تعاطف الجماهير معه واستجداء الولايات المتحدة لمنحه ما يسوقه بعد فشل خياره التفاوضي.
ووصفت حركة «حماس»، على لسان المتحدث باسمها فوزي برهوم، خطاب عباس بأنه «خطاب المفلس المقر بفشل مشروعه العبثي للتسوية والهابط في تهجمه على حركة «حماس»، مشدداًً على أن عدم ترشح عباس لن يغير مواقف «حماس» من الانتخابات.
أما الأمين العام للجهاد الإسلامي رمضان شلح فرأى من جهته «أن الانتخابات ليست حلاً ولا مخرجاً، فهي ليست حلاً يمكن أن يخرج الحالة الفلسطينية من مأزقها الراهن، بل ستكرس الانقسام».
وأضاف أن «إعلان أبو مازن لا يمثّل مخرجاً، وإن كان ما قاله له دلالات كثيرة، أهمها اعتراف صريح بأن التسوية وصلت إلى طريق مسدود ولن توصل إلى دولة فلسطينية».
وطالب شلح رئيس السلطة الفلسطينية بأن «يلقي بمشروع التسوية في وجه أميركا وإسرائيل»، مؤكداً أنه «ليس المهم أن ينجو المرء بنفسه، لكن المهم أن يوفر لشعبه ولقضيته سبل النجاح، وسبيل النجاح لقضيتنا هو الاعتراف الواضح بفشل خيار التسوية ووصوله إلى طريق مسدود».
بدوره، وصف المتحدث باسم حركة الجهاد الإسلامي، داود شهاب، خطاب عباس بـ«الخطاب الاستجدائي العاجز». وقال: إن «عباس لم يطرح أي بدائل قوية وحقيقية بعد فشل مشروع التسوية، وما طرحه هو أنه استبدل التفاوض العبثي بآخر عقيم، كمن يستجير من الرمضاء بالنار».
ورأى أن قرار عباس عدم الترشح للرئاسة «لن يحقق له شيئاً، وأنّ الأميركيين والصهاينة لن يتعاطفوا معه».

كوشنير وجيل أبو مازن

دعا وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير أمس عباس إلى «مواصلة مسيرته نحو السلام».
وأعلن، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي أحمد داوود أوغلو، أنه سيزور إسرائيل والأراضي الفلسطينية «في الأيام المقبلة».
وقال كوشنير: «سأصرّ على محمود عباس حتى يواصل مسيرته بمثابرة نحو السلام. أي قيام دولة فلسطينية. وأظن أنه لا بد لذلك أن يتوقف الاستيطان، أو على الأقل أن تستأنف المفاوضات السياسية في كل المواضيع»، مشيراً إلى «أن جيل أبو مازن هو القادر على صنع السلام». وأوضح أنه لا يمكن القول إن نتيجة عدم ترشح عباس ستكون فورية «لأنه ليس هناك انتخابات في الوقت الراهن».

ميليباند والدور الحاسم

الموقف وليد لحظة انهزام شعر بها أبو مازن، أطلقه ليلتقط تأثيراته وتداعياته
أما وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند فأشاد بعباس لـ«دوره الحاسم» في جهود السلام في الشرق الأوسط. وقال، خلال زيارة إلى سراييفو، إن «الرئيس عباس قد أدى دوراً في غاية الأهمية، دوراً رئيسياً، دوراً ثابتاً في التوصل إلى مسيرة سلمية للشعب الفلسطيني». وأضاف: «أعتقد أن من المهم جداً أن نقول بوضوح من وجهة نظرنا، إنه ليس فقط لديه إنجازات في رصيده الشخصي، لكن لديه أيضاً دور رئيسي في المستقبل».
وأكد ميليباند أن الرئيس الفلسطيني يتمتع «باحترام كبير في جميع أنحاء العالم»، رافضاً الحكم المسبق على «القرارات الصعبة التي تنتظر» عباس.
وفي سياقٍ متصل، أكدت مصادر دبلوماسية رفيعة رغبة الوزير البريطاني في التحدث مع عباس شخصياً.
من جهته، حثّ الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الرئيس الفلسطيني على العودة عن قراره عدم الترشح إلى الانتخابات الرئاسية الفلسطينية، وفقاً لما ذكرته وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية.
وقالت الوكالة إن موسى أكد في محادثة هاتفية مع عباس أول من أمس دعمه له وطلب منه العودة عن قراره.
وفي الرباط، أعلن مصدر رسمي أن المغرب دعا عباس إلى «متابعة نضاله المشروع من أجل القضية الفلسطينية». وقالت وزارة الخارجية المغربية إن على عباس «الاستمرار ... في ممارسة زعامته الأكيدة وفي المطالبة باستئناف فعلي للمفاوضات الفلسطينية ـــــ الإسرائيلية على أساس متين وعادل وقابل للتقدير، حسب الثوابت والمعايير المرجعية المعروفة التي تريدها المجموعة الدولية». وذكرت الوزارة أن الهدف هو «إنشاء دولة فلسطينية مستقلة تتمتع بالسيادة في داخل حدود الأراضي المحتلة في 1967... على أن تكون عاصمتها القدس الشريف».


تل أبيب حائرة: مناورة... لا ليست حيلة

علي حيدر
حظي إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعزوفه عن الترشح للرئاسة الفلسطينية في انتخابات كانون الثاني المقبل، باهتمام بارز لدى القيادة السياسية والمؤسسة الإعلامية الإسرائيلية، التي خلصت بداية إلى أن هذه الخطوة ما هي إلا مناورة سياسية تهدف إلى الضغط على الأميركيين لانتزاع تنازلات سياسية، قبل أن ينسف وزير الدفاع إيهود باراك هذه النظرية، قائلاً «لا أعتقد أن قرار عباس حيلة».
وامتنع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن التعليق علناً على قرار الرئيس الفلسطيني «انطلاقاً من التقدير بأن هذه الخطوة تكتيكية تستهدف أساساً الآذان الأميركية من جهة، والداخل الفلسطيني من جهة أخرى». إلا أن مصادر سياسية نقلت عنه في محادثات مغلقة «تقديره لأبو مازن، واعتقاده أن من الممكن الذهاب معه إلى اتفاق سياسي. لكن أحتاج إلى أن يكون هو قوياً وشجاعاً». ورأى نتنياهو أن أبو مازن «أهون الشرور من بين القيادة الفلسطينية. فمن سيأتي بعده، سيكون أكثر تطرفاً».
أما باراك فقد أعرب عن أمله «ألّا يمس قرار عباس بالجهود للبدء بالمفاوضات والتوصل إلى اتفاق سلام ضروري لأمن إسرائيل ومستقبل المنطقة»، مشيراً إلى أنه لا يعتقد أن قرار أبو مازن «حيلة».
أما الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، فبدا قلقاً. وذكرت «هآرتس» أن «بيريز اتصل بعباس هاتفياً قبل يوم من إعلانه قرار عدم ترشيح نفسه، في محاولة لإقناعه بالعدول عن ذلك». ونقلت الصحيفة عنه قوله «إذا غادرت منصبك فإن الفلسطينيين سيخسرون فرصة الحصول على دولة مستقلة. الوضع في المنطقة سيتدهور».
ورأى نائب وزير الخارجية داني أيالون أن قرار عباس «شأن داخلي فلسطيني»، مضيفاً «من الواضح أن إسرائيل والولايات المتحدة يهمهما وجود قيادة فلسطينية مسؤولة وبراغماتية». ووصف الادّعاء بأن عباس اتخذ قراره بعد إحراجه في موضوع تقرير غولدستون، بأنه «حجة وليس سبباً».
أما المؤسسة الأمنية، فقد أعربت عن شكوك مشوبة بالقلق إزاء تصريحات عباس، مقلّلة في الوقت نفسه من أهمية قراره. وقالت إن أبو مازن «أعلن عزوفه عن ترشيح نفسه في انتخابات لن تجرى في كل الأحوال»، معتبرة أن «ما جرى ليس سوى مناورة هدفها الأساسي دفع الإدارة الأميركية للضغط على إسرائيل».
وحجز قرار عباس حيزاً مهماً في وسائل الإعلام العبرية. وعنونت صحيفة «معاريف» صدر صفحتها الأولى: «التهديد الاستعراضي لأبو مازن»، مشيرة إلى أن «القشة التي قصمت ظهر عباس كانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، حين تبنت موقف نتنياهو من الاستيطان والمفاوضات مع الفلسطينيين».
من جهتها، رأت «يديعوت أحرونوت» أن «تهديد عباس هو خطوة تكتيكية تستهدف أساساً الأميركيين». ونقلت عن محافل سياسية قولها إن «إسرائيل نجحت في الوصول إلى تفاهمات مع الإدارة الأميركية، ويتعيّن الآن أن تجلس بصمت».
أما صحيفة «هآرتس»، فرأت أن السبب المركزي لقرار عباس «ليس إسرائيل، لأن توقعات أبو مازن من حكومة نتنياهو قليلة، لكنه أراد توجيه رسالة إلى الأميركيين». وذكرت أن الرئيس باراك أوباما «سيتعهد للقيادة الفلسطينية بأنه لم يطرأ أي تغيير في موقف الولايات المتحدة بهدف حل أزمة الثقة مع الرئيس الفلسطيني ودفعه إلى التراجع عن تهديده باعتزال الحياة السياسية». وأشارت إلى أن «الرئيس الأميركي عازم، مع موافقة أبو مازن على استئناف المفاوضات، على دعوة الطرفين إلى البيت الأبيض ليعلن بدء المفاوضات، على أن يعقد بعد ذلك فوراً مؤتمر دولي في موسكو وفق صيغة مؤتمر مدريد، بمشاركة زعماء أوروبا وروسيا والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ودول عربية، ويعلن أن المفاوضات ترمي إلى انهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ في عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية في غضون سنة ونصف حتى سنتين».


فلسطينيو لبنان: بكرا بيرجع بيترشح

قاسم س. قاسم
يجلس أبو محمود وسط محلّه في مخيم برج البراجنة، مراقباًً خبراً عاجلاً على فضائية «فلسطين»، يفيد بأنّ «سيادة الرئيس محمود عباس سيتوجه بخطاب هام للشعب الفلسطيني». يصمت الرجل ثم يقول: «والله طلعت مزبوطة الخبرية».
إذاً، تأكدت الشائعات التي دارت في اليومين الماضيين في أزقة المخيم بأنّ «أبو مازن بدّو يستقيل». داخل الدكان جلس الحضور بانتظار الخطاب. صمتوا عند بدء كلمة عباس. وما إن يصل إلى مقطع عدم رغبته في الترشّح، حتى ترتسم ابتسامة «شماتة». ينتهي الخطاب، فيلتفت أبو محمود نحو الحضور، هامساً: «لم يستقل، بل أعلن عدم رغبته بالترشح». ويضيف: «ترك الباب مفتوحاً يعني هادا كلّوا جسّ نبض للأميركان».
يعلّق أحدهم قائلاً: «ربما أراد اعتزال الحياة السياسية بطريقة مشرّفة»، ليضيف آخر: «بس إيش الخطوات اللاحقة يلي حكي عنها؟ معقول يصير أبو عمار تاني؟»، في إشارة إلى آخر أيام الراحل ياسر عرفات في حصار رام الله.
الفرحة التي اعتاد أبناء المخيم التعبير عنها بإطلاق الرصاص، لم تفلح هذه المرة، إذ إن معظم الفرحين بهذا القرار عرفوا أن إطلاقهم لرصاص «الابتهاج» سيسبب أزمة داخل المخيم، وأن «جماعة فتح ستستفز وستزداد نسبة التوتر في المخيم، فبلاش مشاكل».
هكذا، تلقّى الفلسطينيون في مخيم البرج خبر اعتكاف محمود عباس. البعض كان واثقاً من أن ما يجري مجرد «دلع على الأمريكان»، حسبما قال أحدهم. أما البعض الآخر فرأى أن عباس «يريد وضع نهاية مشرّفة لحياته السياسية»، وخصوصاً أن «تقرير غولدستون وتخلي الأميركيين عنه، أثبتا أن الخيار الذي يتبعه لن يكون مجدياً» حسبما يحلّل شخص آخر.
لكن الفرحة لم تكن عامرة في الديار، فـ«فتحاويو» المخيم كان لهم رأي آخر في ذلك. هنا يجلس أحدهم تحت صورة كبيرة لياسر عرفات وأخرى تحت صورة أمين سر الحركة في لبنان، سلطان أبو العينين، «بايعنا عباس في مؤتمر فتح الأخير، ما في بديل عن أبو مازن». أما عن رأيه بوصفه فتحاوياً، فيقول: «ما بيجي حدا مكان أبو مازن، مين أبو ماهر غنيم؟ محمد دحلان؟ أو سلام فياض؟ ما فيش يا أخي، ما في غير أبو مازن بيركب».
الخبر كان متوقعاً، فبعض المسؤولين الفتحاويين في المخيم كانوا على علم بهذا الأمر، لكن «أن ينسحب الرئيس من المشهد السياسي، صعبة شوي»، حسبما يقول مسؤول في منظمة التحرير رفض الكشف عن اسمه. يضيف الرجل أن «الارتباطات بين محمود عباس والإدارة الأميركية أو إسرائيل، ليس من السهل تسليمها إلى شخص آخر». لكن لن تكون التداعيات السياسية لبالون الاختبار الذي أطلقه أبو مازن مهمة بالنسبة إلى أبو محمود الذي علّق باستهزاء: «بكرا بينزل عند رغبة الجماهير وبيرجع بيترشح».