تنتشر في أزقّة المخيم مقاهي لعب الورق. أما روّادها فلا يقتصرون على الشباب، إذ إنّ “للختايرة” أماكنهم، و“للغُربيّة”، أي الأغراب عن المخيم، حصّتهم من السهر
قاسم س. قاسم
يقف محمد تحت منزله في برج البراجنة منتظراً صديقه “يلا يا حاتم الشباب ناطرين”. يدخل الشابّان المخيم، يسيران في أزقّته باتجاه مكان يعرفانه جيداً، ولو لم تكن عليه لافتة: “مقهى محمد” في جورة التراشحة. الشابّان “غربيّة ومن برّا”، برّا لا تعني أنهما سائحان أجنبيّان، بل تعني أنهما من خارج المخيم، وتحديداً من منطقة المنشيّة، في برج البراجنة. وهذه المنطقة لا تخلو من المقاهي، لكن “لعب الورق في المخيم ألذّ”، يقول محمد، “فهنا نتحدى الشباب بلعبة الليخة”. أصبح لمحمد العديد من الأصدقاء، جرّاء دخوله المتكرر إلى المخيم، “صرنا نلتقي كل ليلة على الورق، أحياناً بشوفهم أكتر من أهلي” يعلّق. يدخل الشابان المقهى، حيث طاولة الورق محجوزة لهما، ومنافساهما حاضران. داخل المحل السهرة “عمرانة”، و“سنبقى حتى الصباح، وخصوصاً الليلة السبت”، يقول حاتم. يجلسون، تقدّم الأراكيل والقهوة “والراس المعسّل التاني جاهز”، يقول محمد، صاحب المقهى هذه المرة. يسأل حاتم “شو اليوم؟ اللبنانيّة ضد الفلسطينيّة”؟ يبدأ التحدي، ويحمى اللعب مع ارتفاع منسوب “التزريك”، ليعلو الصراخ، وتعلو الشتائم على “ورقة ما كنش لازم تلعبها”، كما يُفهم من صراخ أحمد، في وجه شريكه ابن المخيم. يعلّق حاتم ساخراً، كمن يصب الزيت على النار، “فاتوا الفلسطينييّة ببعض”. يعلّق محمد بسخرية، “ما هنّي فايتين ببعض أصلاً شو وقفت عليهم”. لكن رغم أن السهرة للتسلية فقط، فإن كل شيء في المخيم مرتبط بالسياسة، حتى لعبة الليخة “اليهودية”. فبإمكانك أن تسمع أحياناً شتيمة لـ“محمود عباس تبعك”، بالإشارة إلى انتماء الطرف الآخر السياسي أو حتّى لـ“هنيّة”.
أما “السهّيرة” فلا تقتصر أعمارهم على الشباب في المخيم فقط، بل هناك بعض المقاهي المتخصّصة باستقبال كبار السن، الذين إمّا يأتون للعب الورق أو للتحدث في السياسة، وخصوصاً “في هذه الفترة التي تمر بها القضية”، كما يقول أحدهم. لكن وسائل الترفيه في المخيم تتغيّر بحسب “هبّات” فصول السنة.
ففي الصيف ومع كل “هبّة سخنة”، تضيق الأزقّة بأبناء المخيم، الذين إمّا يسهرون حتى الصباح على “راس الزاروب”، حيث بعض الهواء المنعش بعيداً عن تكدّس المباني، أو يسهرون للغرض ذاته على سطوح بيوتهم. وبالطبع، لا تخلو هذه السهرات أيضاً من مشاكل مع أصحاب المنازل الملاصقة، أو أصحاب المنزل أنفسهم. أما مع اقتراب “الهبّة الباردة”، وتساقط الأمطار، فتتغير أساليب السهر والترفيه، لينزوي البعض داخل المحال، أو تحت شرفات البيوت. لكن بما أن فتح مقهى “مصلحة” لا تتطلب رأسمالاً كبيراً، فإنّك تُفاجأ دائماً بمقاهٍ جديدة “فرّخت” لاستقبال السهّيرة. انتشار هذه المحال كثر لدرجة وجود مقهيَين متقابلين في الزقاق ذاته، أما رزق أصحابهما فـ“على الله”. وبما أن الحاجة أم الاختراع فإن بعض محال الإنترنت، ولاستقطاب المزيد من الزبائن، تسمح بإدخال الأراكيل إلى المحل، حتّى إنّه في بعض الأحيان تصل الأمور إلى حدّ أن يقدّم صاحب المحل الأركيلة إلى زبونه المستغرق في “التشاتينغ”. لكن ليست جميع أماكن الترفيه في المخيم مقاهي فقط. فهناك محال “البيبي فوت” والبلياردو. لكنّ عددها لا يتجاوز عدد أصابع اليدين، لأن هذا النوع من المحال يتطلّب رأسمالاً كبيراً. أمّا روّادها، فهم من الأطفال المتسرّبين من المدارس، أو أولئك الذين أنهوا دوامهم الدراسي.


مقاهٍ أم غرف عمليات؟

تتحوّل المقاهي ومحالّ الترفيه في المخيم عند كل حادث يقع في فلسطين إلى غرفة عمليات، ورصد للمحطّات العالمية. فعندما وقعت حرب غزة، كانت هذه المحال عبارة عن نقطة تجمّع لانطلاق التظاهرات التي ستجوب المخيم، أو مركزاً لاستراحة المحارب بعد انتهاء التحركات والاعتصامات. هكذا، حوّلت الأحداث التي تقع أماكن اللهو والترفيه في المخيم إلى أماكن يتابع الجميع فيها أخبار الداخل الفلسطيني. آخرها كان مشاهدتهم مع نفَس أركيلة خطاب محمود عباس، الذي أعلن عدم رغبته في خوض الانتخابات.