والله؟ ما مبيّن عليكي فلسطينيّة!
«يي؟ رنا! ما معقول إنك فلسطينية»! عبارة ترددت على مسامعي منذ ارتيادي الجامعة وبعد الانتهاء منها. عباره قد يرددها بعض اللبنانيين بعفوية وبغير قصد، وأحياناً عن قصد.
ولكن عبارة: «ما مبينة إنك فلسطينية» كانت وما زالت تهز كياني كلما سمعتها. إنها تولّد شعوراً بفقدان الهوية واحتقار الذات. فلماذا يردد بعض الناس هذه العبارة؟ هل لأن الفلسطيني بنظرهم كائن فضائي لا يفقه من الحياة سوى رسمها؟ فهذه دانا تسألني: «رنا أنت من وين؟»، ففلسطينيّتي أصابتها بالصاعقة أو باللغة «العامية» (شوك، أي صدمة بالفرنسية)، لكونها تكره الأرض التي يمشي عليها الفلسطيني.
كل هذا الحقد هو نتاج الحرب الأهليه. فما هو ذنبي؟ هل يجب أن أدفع ثمن أخطاء الآخرين؟ أم هو قدر الفلسطيني أن يبقى من المغضوب عليهم إلى أجل غير مسمّى؟ يجب التنويه بأن هذه النظرة المتعالية ليست خاصة باللبنانيين، فأشقاؤنا «العرب» لديهم نظرة مشابهة. فعند زيارتي لإحدى الدول العربية، ظن أحدهم أنني فتاة لبنانية فبادرني إلى السؤال: «عفواً آنسة، حضرتك من بيروت؟ فكانت إجابتي بالنفي: «أنا فلسطينية»، فقال: «لأ، مو معقول، مو مبيّن عليكي بنوب لأنو ببلدنا دغري الفلسطينية بينعرفوا»!
صيدا - رنا رباح

سؤال يجرّ سؤالاً

عادة، يكون السؤال الموجّه إليّ «معقول إيمان إنك مش فلسطينية؟»، كانت الإجابة يا عزيزتي رنا كالآتي: «كل طفل يُولد من أب أو أم فلسطينية عربية هو فلسطيني!». يجب أن تكوني فخورة بفلسطينيتك، فلو كان لي أن أحمل لافتة تقول: «سجّل أنا فلسطيني» لحملتها وجُبت بها شوارع بيروت كلها.
أذكر يوماً كنت مع أحد الأصدقاء في الأشرفية، وكلانا يومها كان يرتدي كوفيته، عندها استوقفنا رجلٌ يعمل في مقهى صغير للقول «حضرتكن من المخيم؟»، فنظرت إليه وقلت «حضرته من شاتيلا وحضرتي من الجنوب»، فسألني ما إذا كانت هذه الكوفية هي ذاتها الكوفية التي يلبسها (الشّيعة على حسب قوله) في عاشوراء.
رجلٌ يتجاوز الخمسين من عمره يختصر الفلسطينيين بكوفية، ويختصر عاشوراء بمجلس العزاء الذي يقام سنوياً في ملعب الراية في الضاحية الجنوبية! لا أدري، ربما رؤية فتاة جنوبية تتسكّع مع شاب فلسطيني في الأشرفية، وهما يرتديان الكوفية بكل فخر وثقة «عِمل شوك لعمّو»، فقلت له «لأ عموّ بس متل منّك شايف هاي موضة، شو ما شفت راغب علامة لابس متلها بالفيديو كليب؟».
كثيرة هي الأحداث التي تستوقفني بما يخص فلسطينيتي، أحدها عندما كنت أرتدي الكوفية إلى الجامعة. مرة طلب مني الدكتور خلعها في المحاضرة، فقلت: «لا دكتور، بشرفك برد كتير والكوفية بتدفيني»، حينها دبّت في الدكتور المحترم حزبيّته وأمرني بخلع الكوفية أثناء المحاضرة، فلم أجادل بل تركت الصف، ما حمّلني عبء المادة ذاتها مدة ثلاث سنوات حتى فرجها الله عليّ بالتخرج!
كذلك الأمر عندما قررت دراسة الراب العربي كمشروع نهائي للتخرج، وبعد البحث والرصد، خرجت بنتيجة أن الراب العربي قد وُلد في اللد، وأن أول فرقة راب كانت فلسطينية تغني عن الحقوق المدنية للعرب داخل ما يسميه الناس اليوم «دولة إسرائيل» باللغتين العربية والعبرية. حينها قال لي أحد المشرفين على مشاريع التخرج: «ليه كل شي لازم يكون متعلّق بفلسطين؟ بكرا بتقولولنا «الشعلة الزرقاء» تبع جبران خليل جبران، هو نتاج أدبي فلسطيني!»، وكردة فعل يا رنا قلت له بسخرية «يعني مش عارفة صراحة كيف بدي خبرك الحقيقة يا دكتور، بس مي زيادة، الأديبة عارفها؟ كانت لاجئة فلسطينية في لبنان!».
ومرة، كنا في اعتصام أمام السفارة المصرية أثناء العدوان على غزة، يومها حدث إشكال بسيط بين المعتصمين، فما كان من أحد الرفاق إلا أن وقف وقال: «هولي مش نحنا، هولي الفلسطينية من المخيم يلّي عملوا المشكل!». مواقف كهذه مما هو مضحك، بحيث سألني أحد الناشطين في العمل مع الفلسطينيين عن موقع مخيم شاتيلا، وحين أجبته رد باستغراب شديد: «أنا دايماً بمرق من هون، بس ما كنت عارف إنو هون في مخيم!». فلا تستغربي يا عزيزتي.
إيمان بشير