الاتصالات في منتدى «ITU»: الجميع مع التحرير ولكن كيف؟حسن شقراني
تجلّى الحوار بين القطاعين العام والخاص بأبهى حلله في فندق «حبتور» أمس! فالمنتدى العالمي التاسع لروّاد صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (GILF)، أمّن قناة لتبادل وجهات النظر المتضاربة في لبنان حول كيفيّة التعاطي مع هذا القطاع، لجهة إدارته أو لجهة كيفيّة خصخصته.
وكان مقدّراً للمنتدى أن يكون له هذا التأثير، فهو «قياسي بمختلف المؤشّرات هذا العام» بحسب مدير مكتب تنمية الاتصالات في الاتحاد الدولي للاتصالات سامي المرشد، الذي أشار إلى أن عدد المشاركين فاق 750 شخصاً، ما يمثّل إنجازاً للاتحاد الذي أنشئ في عام 1865، والذي يمثّل «الهيئة الحكوميّة الوحيدة في العالم التي يعمل فيها القطاع العام إلى جانب القطاع الخاص».
النقاش بين وجهات النظر المختلفة بالنسبة إلى قطاع الاتصالات في لبنان لم يتخذ الطابع المباشر. بل مُرّر بين السطور في كلمات المعنيّين، التي غلب عليها جوّ عام أرخته الهيئة المنظّمة للاتصالات بحكم علاقتها الرسميّة المباشرة بالتنظيم.
بداية، لماذا قطاع الاتصالات مهمّ إلى هذا الحدّ؟

رافعة... نسبيّة

لم يختلف المشاركون في المنتدى (والندوة العالميّة لمنظّمي الاتصالات التي ستليه حتّى 12 من الشهر الجاري)، في شأن محوريّة قطاع الاتصالات باعتباره رافعة أساسيّة للتنمية في البلدان الناشئة.
فبحسب دراسة نشرها معهد الموارد الدوليّة (World Resources Institute) أخيراً، كلّما نمت المداخيل في البلدان النامية ارتفع إنفاق العائلات على الهاتف الخلوي بنمط أسرع مما هو عليه في الإنفاق على الطاقة أو المياه أو أي شيء آخر!
وللأرقام دلالة أكبر: نمت حصّة البلدان النامية من خطوط الهاتف الخلوي عالمياً من 25% في عام 2000 إلى 75% في عام 2009. وفي لبنان تحديداً، نما اختراق الخلوي إلى ضعفيه خلال العام الماضي، فيما نما اختراق الإنترنت 3 أضعاف، مع تراجع كلفة بعض الخدمات بنسبة 40%. وشرحت إيزابيل مورو من «GSM Int» هذه الفكرة بالقول إنّ الإنفاق على هذا القطاع سيبلغ 800 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة. استثمار سينتج منه نموّ في الناتج الاقتصادي الكوني بنسبة تقارب 4%. هذا النموّ يُفترض أن يُترجم في مجالات كثيرة. ولكن هناك نقاط استفهام في هذا الإطار أيضاً، فما تكتنزه اقتصادات الحجم الكبير (Economies of Scale)، كالصين مثلاً، مختلف عن مقدرات بلد مثل لبنان. والتقديرات في هذا الإطار تشير إلى فارق في الأكلاف بنسبة 40% تقريباً.
ولذا، لا بدّ من مقاربة حذرة لحالة كلّ بلد يطمح إلى تطوير قطاع الاتصالات الخاص به. وهنا تبرز حالة لبنان الهجينة: من بين 153 بلداً منتمياً إلى اتحاد الاتصالات العالمي، هناك لبنان و3 بلدان أخرى لا يزال قطاع الاتصالات الخلويّة فيها بإدارة الدولة، لكن في المقابل، هناك ضرورة لصياغة استراتيجيّة شاملة لحماية حقّ المواطن والدولة قبل الإبحار في عالم القطاع الخاص.
النقاش هنا اتخذ طابعاً أكثر حدّة!
عندما بدأت فورة الاتصالات كانت الشبكات «ثابتة» وإلى تزايد والزبائن نقّالين، أمّا الآن فالعكس صحيح
لدى سؤاله عن رؤيته لكيفيّة تطوير قطاع الاتصالات في لبنان، يقول رئيس مجلس إدارة «GILF»، المدير التنفيذي لمجموعة «زين» الكويتيّة، سعد البرّاك، لـ«الأخبار»، «إذا كنت تبحث عن أفضل زبون للاتصالات في العالم فلن تجد أفضل من اللبناني. اللبنانيّون لديهم طاقات مبدعة ومتواصلة بكثرة. لذلك هم أفضل من يستخدم وسائل الاتصالات عموماً».
ولأنه يمثّل القطاع الخاص، شدّد البرّاك أكثر من مرّة خلال افتتاح المنتدى، أمس، على فكرة أنّ «القطاع العام في البلدان العربيّة لا يزال يكبّل الاقتصاد بدعوى الحفاظ على المصلحة العامّة».
وتنبّه الحضور في المؤتمر الصحافي لحساسيّة التوجّهات المطروحة، وهي التي شكّلت روح جلسة الافتتاح والمؤتمر الصحافي الذي تلاها. تلك التوجّهات لخّصها البراك في حديثه إلى «الأخبار» بالقول، عن لبنان تحديداً، «وسيلة التطوير هي ما مشي عليه العالم: تحرير القطاع بالكامل وخصخصته بالكامل. هذه الوسيلة الأعظم والأكثر فاعليّة والأجدى للبنان. اليوم السوق سوق دولية وعالمية وعلى لبنان أن يفكّر بهذه الطريقة».

باسيل وشحادة

أن يفكّر لبنان من هذا المنظور مسألة محقّقة بالمطلق عند أطراف لبنانيّة عديدة. ولكن هناك اختلافات كثيرة في وجهات النظر بشأن الآليّات والأساليب وخصوصاً في ظلّ تداخل المسؤوليّات والواجبات بين الإدارات التي تعنى بقطاع الاتصالات. كيف؟
«المهمّ هو تحرير القطاع وتطويره لكي تصل الخدمة إلى الجميع، وليس تحرير القطاع من اللبنانيّين». كانت عبارة وزير الاتصالات جبران باسيل كافية لإيضاح وجهة نظر «الطرف الآخر» في ملعب السياسة ـــــ الاقتصاد في لبنان من الإشكاليّة المطروحة. ولهذا التحرير أسس وتفاصيل وإحداثيّات كثيرة تتضمّنها ورقة عمل (Policy Paper) أعدّتها إدارة باسيل، وشدّد عليها هو في كلمته. وتنبع تفاصيل هذه الورقة من التراتبيّة الآتية: «واضع السياسة (الوزارة) هو من يحدّد خطوط العمل العامّة. المنفّذ يطبّق طبعاً الخطط الموضوعة، والجهة المنظّمة تراقب التنفيذ. وفي حال حصول نزاع واختلاف في تحديد الحقوق يتمّ اللجوء إلى القضاء».
هذه هي رؤية باسيل، غير أنّها بنظر رئيس مجلس الإدارة، المدير العام للهيئة الناظمة للاتصالات، كمال شحادة، «مخالفة للقانون»، وتحديداً القانون 2002/431 الخاص بقطاع الاتصالات.
ويشير شحادة إلى وجود «إيجابيّات كثيرة لا شكّ» في ورقة باسيل، غير أنّها لم تُعرض بعد على مجلس الوزراء. ولكن الآن هناك مرحلة جديدة، «فالمنتدى نذير خير» بحسب باسيل لأنّه يتزامن مع تأليف الحكومة، وبحسب هذا الافتراض فإنّ وزير الاتصالات المرتقب هو شربل نحّاس. وهناك آمال كثيرة معلّقة عليه، لكي «نصبح في مصاف الدول المتطوّرة»... تلك كانت العبارة الختاميّة لجبران باسيل.
المهمّ إذاً عدم التذبذب في تحديد الخيارات. الخلوي والحزمة العريضة مواضيع يجب صياغة السياسات الخاصّة بها جدياً. فعندما بدأت فورة الاتصالات «كانت الشبكات ثابتة والزبائن نقّالين، أمّا الآن فالعكس صحيح»، وفقاً لممثّل شركة «CISCO» في المنتدى.


26 %

هو معدّل مستخدمي الإنترنت عالمياً بنهاية عام 2009، بحسب توقّعات (ITU). وستصل النسبة في استخدام الحزمة العريضة المتنقّلة والثابتة إلى 9.5% و7.1% على التوالي، ما يشير إلى القدرات الهائلة التي لا يزال يكتنزها هذا القطاع وتمثّل حافزاً للتنمية في كل القطاعات الأخرى


المرحلة الذهبيّة والبقرة الحلوب