بغداد ــ زيد الزبيديمعروف للجميع أن الانتخابات المقبلة في العراق بحاجة إلى تشريع قانون جديد، أو تعديل القانون السابق. ومعروف أيضاً أن للانتخابات موعداً محدداً، عدّه البعض «مقدساً». ومعروف أكثر أن تشريع قانون للانتخابات، أو تعديل القانون السابق، لا بد أن يصطدم بعقبات كبرى، لأن الكتل المهيمنة على البرلمان الحالي وعلى الحكومة، لا تريد أن تفقد شيئاً مما حققته من مكاسب من خلال البرلمان الذي انتُخب بموجب القانون السابق، الذي عدّته كلّ الكتل، في العلن على الأقل، قانوناً رديئاً، وأنجب برلماناً رديئاً أيضاً.
ولاحظ مراقبون، قبل مدة غير قصيرة، أن التعمّد من جهة ما، أو جهات عديدة، لتأخير مناقشة هذا الموضوع، وحشر البرلمان في زاوية وقتية ضيّقة جداً، لإنجاز هذا القانون المهم، أجبر البرلمان على إمراره بالشكل الذي لا يحقق أدنى الطموحات، ومن بينها معرفة مصادر تمويل الأحزاب والكتل السياسية، وارتباطها بجهات أجنبية. كذلك دفع رئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، فرج الحيدري، إلى الإعلان أمس عن تأجيل موعد الانتخابات التشريعية إلى الـ21 من كانون الثاني 2010، بعد أن كان في الـ16 من الشهر ذاته، نظراً إلى التأخر الذي حصل على مستوى إقرار القانون.
وسواء كانت الكتل البرلمانية تعمّدت أو لم تتعمّّد، فإنها سارت في الاتجاه المطلوب، وتكرّست كل النقاشات والمنازعات بشأن «الانتخابات في كركوك».
«المفوضية العليا»: تأجيل موعد الانتخابات التشريعية إلى 21 كانون الثاني 2010
ويعتقد المراقبون السياسيون أن التركيز في مناقشات قانون الانتخابات على موضوع كركوك، لا يبتعد كثيراً عن المخطط الرامي إلى استبدال الصراع الطائفي، الذي أوجده الاحتلال، بالصراع القومي، وإشعار العراقيين بأنهم بحاجة دائماً إلى الوجود الأميركي ووسطائه، لحل الإشكالات الداخلية.
وما يؤكد ذلك أن الكتل السياسية التي تخوض الانتخابات أصبحت تركز على شعارات شكلية، مثل الابتعاد عن الطائفية، والمحاصصة، والولاء للوطن ولدولة القانون، من دون أي مشروع للتطبيق الفعلي. ولا يمكن عاقلاً ألّا يدرك أن الموضوع الوطني الأهم والأكثر حساسية والتصاقاً بالشعب، هو الاحتلال.
ويرى البعض أن هناك طروحات تتحدث عن «خروج القوات الأجنبية»، أو «الاستقلال الكامل»، لكن من دون الإشارة إلى وجود الاحتلال. وبحسب رئيس الوزراء نوري المالكي، فإن أي عمليات مسلحة تعني بقاء القوات الأجنبية مدة أطول، من دون أي إشارة إلى ما فعلته هذه القوات، التي جاءت إلى العراق، حسب رأيه، لمحاربة «الإرهاب».
والملاحظ أن الجهة التي عارضت معاهدة الانتداب في البرلمان، وهي الكتلة الصدرية إلى جانب بعض الشخصيات، نسيت هي الأخرى موضوع الاحتلال، الذي لا يدخل في برنامجها الانتخابي. كذلك فإنها تخوض الانتخابات في ائتلاف مع عرّاب الاحتلال أحمد الجلبي، وغيره.
وينطبق الشيء نفسه على تكتّل العرب السنّة «جبهة التوافق»، التي ما زالت تعدّ الوجود الأميركي المعادل المطلوب في الوضع العراقي، وهنا قاسم مشترك بينها وبين الائتلاف الشيعي، أو الائتلافات الشيعية، مع اختلافات طفيفة في المواقف من طموحات القيادات الكردية، رغم سعي الطرفين لاسترضائها، من أجل الحصول على نصاب محتمل لتأليف الحكومة المقبلة، وهذا ما لوحظ في مناقشات قانون الانتخابات، حيث كان التيار القومي، العربي والتركماني، هو المقابل للطرف الكردي.
ولا يتحدث المراقبون السياسيون عن موقف القيادات الكردية من الاحتلال، الذي تعدّ نفسها جزءاً منه. ومن بين الكتل الكبيرة الأخرى، يبرز التيار الليبرالي، الذي يركز على طرح الكثير من الثوابت الوطنية، لكنّ هذا التيار يحاول قدر الإمكان الابتعاد عن أي طروحات تتعلق بالاحتلال، أو التخلّص منه، وعن الاتفاقية الأمنية التي أعطته الشرعية، بل إن أبرز قادته، رئيس الوزراء السابق أياد علّاوي، لا يحاول إنكار علاقاته السابقة والحالية بالأميركيين.
وفي الوضع السياسي العراقي الحالي، من ليس مع العملية السياسية «الاحتلال»، فهو «بعثي صدّامي تكفيري»، بينما استقطبت كل الكتل السياسية الحالية عشرات الآلاف من البعثيين، الذين أصبحوا «وطنيين» لا يعادون الاحتلال!
وفي كل الحالات، يبقى الاحتلال هو الحاضر الأكبر في الانتخابات المقبلة، والغائب الأكبر في الانتقادات والاتهامات التي تتبادلها الكتل السياسية التي تخوض تلك العملية.
ميدانياً، أعلن الجيش الأميركي، فجر أمس، مقتل طيارين أميركيين في حادث هبوط اضطراري لمروحية في محافظة صلاح الدين، لكنه لم يذكر سبب ذلك الهبوط، إضافة إلى مقتل عنصر من المارينز في حادث غير قتالي، في الأنبار غرب بغداد. وأضاف البيان أن الحادثين هما الآن رهن التحقيق.