ديوان المحاسبة: سرقات في «السكك الحديد» و«النقل المشترك»محمد وهبة
الفساد مستشرٍ في مصلحة السكك الحديد والنقل المشترك. هذا ما يمكن استنتاجه من تقرير النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة، الذي حقّق في ثلاث شكاوى ثم أحال النتيجة على النيابة العامة التمييزية، إذ تشير هذه الشكاوى إلى مخالفات ذات طابع جزائي. المقلق في النتائج التي كشفها التقرير أن «المخالفات الكبيرة والمتمادية» لا تتصل مباشرة بموضوع الشكاوى فقط، بل اكتُشفت في سياق التحقيقات. فقد تبيّن وجود عدد كبير من المخالفات المتصلة بالشكاوى الثلاث، لكن التقرير أضاف إليها 8 مخالفات متعلقة بسرقة المال العام أيضاً. منذ نحو أسبوعين ادّعى النائب العام المالي القاضي فوزي أدهم على أربعة موظفين في مصلحة السكك الحديد والنقل المشترك، بجرم الإهمال في القيام بالوظيفة والغش في إدارة أموال هذه المنشأة، وذلك بعد إجراء التحقيق اللازم في الملف المحال من النيابة العامة لدى الديوان، إذ حقّقت في ثلاث شكاوى عن سوء إدارة مخازن سكك الحديد والنقل المشترك، ونقل موظفين وتجميد رواتبهم، وعدم وجود محاسب في المصلحة وشراء بطاريات واستعمالها خلافاً للأصول، فضلاً عن اتهامات ذات طابع جزائي بحق عدد من المسؤولين والمستخدمين مثل دفع رشى وتعويضات غير مستحقة وتلزيم محاصيل الأراضي من دون إيداع ريعها في صندوق المصلحة والتعدي على الأملاك العامة...

دمج المخازن

هذه الشكاوى بدأت تظهر مع محاولة رئيس مجلس الإدارة ـــــ المدير العام للمصلحة (ر. ب. د) دمج مخازن السكة الحديد إلى النقل المشترك في تموز 2003، «خلافاً لنظام المخازن والمحاسبة المعمول به»، بحسب ما يفيد تقرير النيابة العامة لدى الديوان. وبعد تقاعد القيّم على مخزن السكة الحديد أنطوان طوق في 10 آب 2003، حاول تكليف (ف. ب) رئاسة المخازن على نحو مخالف للقانون أيضاً، فتصدى له رئيس مصلحة المحاسبة (ك. م) ومساعد القيّم على المخزن (ب. م) رافضَين تسليم المفاتيح قبل إجراء جردة المخزن وإعطائهما براءة ذمة. إلا أنه كرّر محاولاته بشتى الطرق، فنقلهما وجمّد راتبيهما... حتى بلغت الشكاوى ديوان المحاسبة في أيلول وكانون الأول 2005.
حينها، كان (ر. ب. د) يحاول تسويق فكرة تفيد بأن المخزن يتضمن «خردة»، وأنه يجب تسليم مفتاح المخزن لإجراء الجردة. لكن الوقائع تؤكد أن قيمة «هذه الخردة» تتجاوز 10 مليارات ليرة، إذ أظهر الكشف الذي أُجري عليها في آب 2005 وجود «قطع تبديل استهلاكية للقاطرات البولونية وجنرال موتورز ليس لها قطع تبديل في بلاد المنشأ، وخرضوات مختلفة للاستعمال لمصلحة اللوازم والجر والخطوط السككية، وقرطاسية، ومواد مختلفة». وتردّد أن من اشترى مقطورات القطار التي بيع 90 منها من محطة شكا، كان بحاجة إلى قطع التشغيل والغيار والصيانة غير المتوافرة لأنها قديمة.

المخالفات بالجملة

تحرّكت النيابة العامة المالية لدى الديوان، وأصدرت تقريرها في 30 أيار 2006 مبنياً على تقريرين شاملين مفصلين للمدقق الأول للحسابات يوسف حاج علي، والمراقب جوزيف رزق الله، فتبيّن لها الآتي:
ـــــ المصلحة لا تعدّ حساباً استثمارياً يظهر نتيجة أعمالها السنوية من ربح وخسارة، ولم تنظم ميزانية سنوية تتضمن موجودات المصلحة ومطلوباتها.
ـــــ وجود اختلاف بين الأرقام الواردة على لوائح الجرد لبعض الأصناف والأرقام الواردة على بطاقات الخزن العائدة لها. فعلى سبيل المثال هناك 115 متراً من صنف كابل كهربائي أربع خطوط 18 ملم، فيما ورد في بطاقة الخزن لهذا الصنف وجود 68 متراً فقط... في المجمل هناك فوضى وخفّة في إدارة شؤون المصلحة والإهمال وانعدام الرقابة الداخلية.
ـــــ تبيّن أن رصيد كميات بعض بطاقات الخزن هو سلبي، أي إن الكمية المصروفة من البطاقة تزيد على الرصيد المدوّن عليها من الصنف نفسه.
ـــــ مخالفة قانون تأليف لجان الجرد، ما سبّب هدراً في الأموال العامة.

المصلحة لا تعدّ حساباً استثمارياً يظهر نتيجة أعمالها السنوية من ربح وخسارة
ـــــ تبين أن أعضاء لجان جرد المخازن غير مؤهلين إدارياً وتقنياً ولا يتمتعون بالكفاءة العلمية المطلوبة وليس لدهم الخبرة. فعلى سبيل المثال، امتنع أحد أعضاء اللجنة عن توقيع جردة عام 2002 لأنه «لا يتقن الكتابة جيداً ولا يملك خبرة في أعمال الجرد والمحاسبة».
ـــــ بسبب نقل الموظفين «لم يتمكن (ف. ن. د) من إنجاز جردة المخازن لعام 2002»، ولم يوقع فادي بعيني على الجردة «لعدم معرفته بصحتها».
ـــــ أُعفي (ك. م) بلا مقتضى قانوني أو موافقة ديوان محاسبة، وكُلَِّف (ح. س) وبات مركزه يجمع بين إعداد الرواتب وصرفها، ما يغيّب الرقابة، وقد أصدر «رئيس مصلحة الحركة» بالتكليف ريمون فلفلي قراراً بنقل بيار مطر على نحو مخالف للقانون.
ـــــ تجميد راتبي كابريال مناسا وبيار مطر هو مخالفة إدارية يتحمل عبئها المدير العام للمصلحة (ر. ب. د)، ويجب دفع ما يترتب لهما.
ـــــ تبين أن بيع 90 مقطورة من محطة شكا، حصل من دون أن يجري وزنها وفقاً لدفتر الشروط «وهذا يدلّ على تساهل مع ممتلكات المصلحة».
وخلال تحقيق النيابة العامة في الشكاوى، وردت إليها بعض المعلومات والوقائع التي تثبت وجود مخالفات كبيرة ومتمادية منها:
ـــــ الحصول على منافع مالية لقاء السكوت عن استعمال أراضٍ عائدة للمصلحة وتشييد الأبنية عليها.
ـــــ وجود تعديات على أملاك المصلحة في جميع الأراضي اللبنانية.
ـــــ بيع منشآت مبنية على أرض المصلحة بموجب خرائط وهمية.
ـــــ دفع تعويض سيارة مرسيدس مدنية تملكها سيدة، جراء اصطدامها بقطار الحديد على مقطع طبرجا، يفوق الأضرار اللاحقة بالسيارة.
ـــــ تلزيم ثمار الزيتون والصنوبر والتين بأسعار بخسة جداً.
ـــــ تأجير أراضٍ تملكها المصلحة في منطقة صفير من دون أن تعود بدلاتها إلى المصلحة.
ـــــ بيع القصب الذي تنتجه أراضي المصلحة في مختلف المناطق من دون أن يعود الثمن إلى صندوق المصلحة.
ـــــ بيع عوارض السكة الحديدية والعوارض الخشبية لشركات خاصة بعد صهرها وتذويبها وتحويلها إلى أغطية حديدية للصرف الصحي.
«... وسواها من المخالفات»!


54 مخالفة

وردت في كتاب شامل أعدّه جودت الأيوبي وسجّله في قلم النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة في 8 كانون الأول 2005 تحت الرقم 2984، لكن تتوقع مصادر متابعة أن تكرّ سبحة الشكاوى إلى ديوان المحاسبة «في الوقت المناسب»


... إلى النيابة العامة