الناصريّون يحذّرون من صوملة سياسيّة وجغرافيّة وزلزال يضرب المنطقةمعمر عطوي
يبدو أن صورة الحرب الأهلية اليمنية، التي دارت في شمال البلاد بين عامي 1962 و1970، باتت تتكرر اليوم؛ عاد الصراع بين أطراف خارجيين بأسماء أخرى، على الساحة اليمنية، فيما كان في السابق بين الموالين للمملكة ‏المتوكّلية الزيدية المدعومة من السعودية، والفصائل الموالية للجمهوريّة العربية اليمنية، المدعومة من مصر ـــــ عبد الناصر، ومن خلفه الاتحاد السوفياتي السابق.
الأمر الأكثر أهميّة في الحرب المستعرة حالياً، هو التدخّل السعودي، الذي بلغ درجة كبيرة من السفور، بعدما كانت الرياض تقف خلف السلطة اليمنية من وراء الكواليس، لمحاربة الزيديين، القاطنين على الحدود الجنوبية للمملكة الوهابية؛ فالسعودية كانت دائماً لاعباً أساسياً في المعادلة اليمنية، بما يخدم مصالحها وأهدافها الجيو استراتيجة. ولعلها في نظر شريحة كبيرة من اليمنيين، دولة محتلة لأربع محافظات كبيرة وخصبة، هي عسير ونجران وجازان و“ظهران الجنوب”.
أمّا ذريعة التهريب من اليمن إلى المملكة، فهو سبب غير مبرّر لتدخّل الرياض في شؤون جارتها، على أساس مذهبي أحياناً، وآيديولوجي أحياناً أخرى.
ففي هذا البلد ذي الموقع الاستراتيجي، المفتوح على المحيط الهندي والبحر الأحمر، الذي يمثّل صلة الوصل بين العالم العربي والقرن الأفريقي، نسيج متنوّع من المذاهب والتوجّهات السياسية، التي تسمح باستغلالها من قوى خارجية طامعة بثروات دفينة هناك، أو مدافعة عن مصالح لا حد لها.
في البداية، استفاد نظام الرئيس علي عبد الله صالح، في حربه مع فصائل الجنوب الاشتراكية، عام 1994، من دعم سعودي غير منظور، وخصوصاً بعناصر “الجهاديين” والأفغان العرب، الذين جنّدتهم الاستخبارات السعودية لقتال “النظام الشيوعي المُلحد” في جنوب اليمن.
وسط الجلبة الخارجية، النظام في صنعاء مهموم بتوريث السلطة
من هنا كان دور السعودية في اليمن “خطيراً ومدمّراً”، حسبما يرى القيادي في التنظيم الناصري الوحدوي اليمني، محمد يحيى الصبري، الذي يلقي على الرياض بالمسؤولية عن الكثير مما حدث لبلاده من مشاكل.
ويحدّد القيادي اليمني عام 1996 عاماً للتحول الاستراتيجي في اليمن، “إذ إن التحالف المدعوم سعودياً، بين حزب المؤتمر بزعامة الرئيس صالح مع الإسلاميين (التجمّع اليمني للإصلاح)، انفرط عقده. وبرز اللقاء المشترك للمعارضة، الذي ضم الإسلاميين والقوميين (ناصريين وبعثيين) واليساريين (الحزب الاشتراكي)”.
ويبدو أن صالح “شغوف باللعب على التناقضات المذهبية”، بحسب رأي الصبري، الذي يوضح أن الرئيس اليمني، بعد خلافه مع الإسلاميين السُنّة، “حاربهم بالزيدية، فأفسح المجال لأقطاب هذا المذهب لبناء المزيد من المدارس الدينية والمساجد، وغضّ النظر عن دعم جهات خارجية لهم”.
بيد أن دخول الأميركيّين على خط الأزمة اليمنية تحت شعار محاربة الإرهاب، دفع بالزيديين، ممثَّلين بتنظيم حسين الحوثي، إلى الخروج عن التحالف مع السلطة. ففي عام 2003، تظاهر الحوثيون أمام السفارة الأميركية في صنعاء، فواجهتهم الشرطة، وقتلت منهم 15 شخصاً. وهنا كانت بداية الأزمة بين الطرفين، التي رفدتها عوامل عديدة، منها الصراع السعودي ـــــ الإيراني، ومنها الوضع الاقتصادي والتنموي لمناطق صعدة، معقل الحوثيين. تطورٌ أفضى إلى عودة العلاقة الحميمة بين صالح والرياض، فكان ذلك مكسباً للحركات السلفية، التي نشطت بقوة في اليمن.
من هنا، كان العامل الخارجي دائماً متأهباً لاستغلال ما يحدث في الداخل، “فخلال 8 سنوات ماضية، كان هناك حديث يدور في 3 عواصم: واشنطن والرياض والقاهرة، عن تحديد الشكل المطلوب لليمن. مصر يهمّها كثيراً ما يجري هناك استراتيجياً وأمنياً واقتصادياً. والرياض تعدّ اليمن حديقة خلفية لأمن المملكة. أما أميركا، فتعدّه أهم موقع استراتيجي في الشرق الأوسط قد يتحوّل إلى مشكلة لأمن الخليج”.
وسط هذه الجلبة الخارجية، كان النظام في صنعاء “مهموماً بتوريث السلطة”، بحسب تعبير الصبري، الذي رأى أن “النظام تسلّح بذريعة أن أي تغيير سياسي في البلاد قد يؤدي إلى خراب اليمن”. لهذا، رفعت المعارضة مطلب التغيير، ورفض التوريث، وبدا تحالفها مخيفاً للسلطة.
وفي ما يتعلق بوثيقة الإنقاذ الوطني، يوضح الصبري، وهو المتحدث باسم الأمانة العامة لهيئة الحوار الوطني في اليمن، أن هناك عوائق تقف أمام تحقيق مضمون هذه الوثيقة، منها “رفض السلطة العمل السلمي والتدخلات الخارجية”، محذّراً في نهاية الحديث من “الصوملة السياسية والجغرافية” لليمن، الذي إن انفرط عقده “فسيؤدي إلى زلزال سيضرب الجزيرة العربية والبحر الأحمر والمنطقة”.
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه في خضم هذه المعمعة، إلى أي مدى تستطيع الرياض أن تتحمل نتائج تدخّلها في اليمن فيما لو تمادت لعبة الأمم لجعل هذا البلد منطلقاً لتغيير خريطة المنطقة؟