Strong>نماذج عن جرائم ماليّة تحصل في هذه الأيامقرصنة بطاقات مصرفية، اختلاسات عبر حسابات وهمية، سرقة من حسابات زبائن مباشرة، أو بطريقة النصب والاحتيال... ومديرون في مصرف لبنان مشتبه في ضلوعهم بأعمال جرمية... ما الذي يحصل؟ ألا تستدعي هذه الأخبار تحرّكاً منسّقاً من الأجهزة المعنيّة لحماية النظام المصرفي من هذه الظواهر الخطيرة

محمد وهبة
في الأيام الأخيرة، برزت ظاهرة قرصنة بطاقات سحب مصرفية، جرى التعاطي مع هذه الظاهرة بخفّة واستسهال حرصاً على ما يسمّى سمعة القطاع المصرفي وآليات الحماية والأمان التي يُشرف عليها مصرف لبنان، وقيل إن لبنان «مجهّز» لمثل هذه الحالات. إلا أن الواقع يفيد بأن هناك سرقات واختلاسات لمبالغ تمّت أخيراً بشتى أنواع الطرق، والأكثر استغراباً هو أن هذه السرقات والاختلاسات والقرصنة لم تقتصر على المصارف التجارية الخاصة فقط، بل طالت مديرين في مصرف لبنان!

القرصنة

* المشهد الأول: في أحد أيام السبت من الشهر الجاري، وخلال 3 ساعات أو أربع، تمكّن عدد من «القراصنة»، غير محدد بعد، من سحب مبالغ من المصارف اللبنانية تصل إلى مليون دولار. الأمر قام به «محترفون»، إذ نسخوا المعلومات الموجودة على البطاقات الممغنطة الخاصة بسحب الأموال من حسابات محليّة، ووضعوها على بطاقات ممغنطة جاهزة استُعملت خارج لبنان. لا يزال التحقيق جارياً بشأن كيفية الحصول على المعلومات الموجودة على البطاقات: من لبنان أو من الخارج؟ إلا أن المعلومات تفيد بأن القراصنة توزّعوا على أكثر من بلد في العالم (تركيا، رومانيا، أميركا اللاتينية، إيطاليا...) وبدأوا يسحبون الأموال من آلات الصرافة... المصارف جميعها مجهّزة بخدمة الرسالة القصيرة بعد كل عملية سحب، وبدأت الرسائل تصل إلى الهواتف الخلوية لأصحاب الحسابات لافتة إلى وجود سحوبات من حساباتهم الشخصية، فاستفسروا من المصرف عن كيفية حصول عمليات السحب من دون موافقتهم، فتم كشف الموضوع بسرعة وأُلغيت كل العمليات التي تُجرى من البطاقات المزورة. وأبلغ أصحاب الحسابات بأن البطاقات التي يحملونها لم تعد صالحة للاستعمال وأن عليهم التوجه إلى الفروع المصرفية التي يتعاملون معها للحصول على بطاقات صالحة.

حسابات وهمية

مدير في مصرف لبنان هرب إلى البرازيل بسبب احتيال، والثاني مدعوّ إلى الاستقالة
* المشهد الثاني: سجّلت في الاشهر الأخيرة عمليات اختلاس في مصرفين محليين، استخدَمَ فيها المختلسون، وهم موظفون، الأدوات نفسها المستخدمة في علميات القرصنة الأخيرة، أي البطاقات الممغنطة. وبحسب مصادر مطّلعة، قُبض على الموظفين المتورطين في بعض هذه العمليات، وتشير التحقيقات إلى أن قيمة المبالغ المسحوبة لافتة جداً، إذ بلغت 5 ملايين دولار في مصرف واحد، ما يشير إلى عدد الحسابات ونوع من «الاحتراف».
وقد بيّنت التحقيقات أن هناك عدداً من الحسابات المكشوفة على مبالغ كبيرة من دون أن يكون للمصارف أي اتصال بالزبون، وهذه تعدّ ظاهرة تثير الشكوك. وظهر أن هناك موظفين يفتحان حسابات بأسماء وهمية، ويتم إصدار بطاقات ائتمان مصرفية على هذه الأسماء، ثم تبدأ عمليات سحب الأموال عبرها من دون أن يسدّد أحدٌ قيمة السحوبات، وتكررت السحوبات والحسابات الوهمية... إلى أن قبض على مدير إصدار البطاقات ومدير ثانٍ في المصرف رقم 28 على لائحة المصارف.

الفساد أيضاً وأيضاً

* المشهد الثالث: أروقة مصرف لبنان تضجّ بأخبار المدير الرئيسي الهارب. م. د. وابنته في البرازيل بسبب الاشتباه في اختلاسه ملياري ليرة، «حتى الآن!». الاختلاس لم يطل خزنة مصرف لبنان، إذ إن م.د. كان يستغل مركزه كمدير رئيسي في مديرية العمليات الجارية في مصرف لبنان، ليقول للناس، على طريقة صلاح عز الدين، إن لديه القدرة على توظيف أموالهم بعائد كبير يفوق ما يحصلون عليه لدى المصارف. أحدهم أعطاه 240 مليون ليرة، مقابل مليوني ليرة شهرياً. حصيلة ما ظهر حتى الآن، بلغ ملياري ليرة. منذ نحو أسبوعين اختفى، وبدأ أصحاب الأموال يشتكون من عدم تمكنهم من صرف الشيكات التي أعطاهم إياها.
مدير آخر في مصرف لبنان، تردّد أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة طلب منه تقديم استقالته قبل أيام. يرأس مديرية إدارية تعنى بالمراقبة. القصة لا تزال قيد التحقيق، إلا أن ما تكشّف منها له علاقة بكفالة مصرفية قدمها المدير إلى أخيه في أحد المصارف بعد نكسة مالية تعرّض لها. هو المدير نفسه الذي أُقصي عن لجنة الرقابة على المصارف بسبب «تحقيق في عمل قام به»، فإذا هو مدير في «المركزي».
* المشهد الرابع: هو مشهد متفرقات سُجّلت في بعض المصارف، إذ تبيّن أن هناك حالات اختلاس عديدة من بعض حسابات الزبائن في أكثر من مصرف، يقوم بها موظفون. زبائن يكتشفون أنهم يقومون بزيارة فرع مصرفهم ويسحبون مبالغ كبيرة أثناء سفرهم!

التحقيق مستمر

تعليقاً على عمليات القرصنة التي جرت أخيراً، أوضح عضو لجنة الرقابة على المصارف أمين عواد لـ«الأخبار»، أن قرصنة بطاقات السحب الإلكترونية «أُحبطت بعد ثلاث أو أربع ساعات على بدء تنفيذ عمليات السحب فهي لم تدم طويلاً، فيما كل الإجراءات الاحترازية لمثل هذا الأمر مأخوذة مسبقاً». ويؤكد أن التحقيق بالموضوع لا يزال مستمراً، ولا سيما بالنسبة إلى الكشف عن كيفية سرقة المعلومات الالكترونية الموجودة على البطاقة.
ويعتقد أنه كان يمكن أن تكون هذه العمليات كبيرة وواسعة، إلا أن التدابير الاحترازية أبطلتها، على الرغم من أن الكل «معرّض للقرصنة، والمعروف عالمياً أنه لا يمكن تدارك القرصنة بالكامل، بل إبطالها بأسرع وقت ممكن خلال فترة الاستعمال»، مشيراً إلى أن القرصنة تتم بأشكال عديدة، إلا أنه لم تجر عمليات من هذا النوع في القطاع المصرفي في الأشهر الستة الأخيرة.
والعملية الأخيرة، بحسب عواد، طالت بطاقات السحب فقط (Debit Card)، وليس (Credit Card)، أي البطاقات التي تحتاج إلى وضع مبالغ في الحساب لاستعمالها، ولا يمكن الاستدانة على أساسها، وبالتالي لم يكن بإمكان القراصنة استعمالها في غير عمليات السحب من آلات «ATM»، أي لا يمكن تسديد فواتير عبرها.


623.6 مليون ليرة

هي قيمة السحوبات عبر آلات الصيرفة في المصارف ومراكز البيع خارج لبنان وداخله، وذلك في شهر أيلول وحده. وقد بلغ عدد بطاقات السحب المصدرة من مؤسسات مالية لبنانية، في أيلول أيضاً، 1047694 بطاقة



المصارف لا تخسر