ساركوزي لا يزال يراهن على إبعاد دمشق عن طهران
باريس ــ بسّام الطيارة
بدأ الرئيس السوري بشار الأسد أمس زيارة عمل لباريس تستمر ٣ أيام، بعد ٢٤ ساعة على مغادرة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الإليزيه حيث “سلّم الرئيس الفرنسي ساركوزي رسالة لدمشق”، بحسب أكثر من مصدر. إلّا أن هذا يجب ألّا يخفي شق “العلاقات الثنائية”، الذي يأخذ وزناً متزايداً في المسارات السياسية التي تتشابك بين سوريا وفرنسا. وعلى الرغم من أهمية الدور الذي تؤديه دمشق في المنطقة، والذي لا تتردد المصادر الدبلوماسية الفرنسية في الإشادة بـ“قدرة دمشق على التأثير في عدد متزايد من الملفات” الإقليمية، فإنه لا يغيب عن نظر المراقب أن العاصمة الفرنسية تحوّلت وتتحوّل خلال أسبوعين إلى “عاصمة تقاطع زيارات الزعماء العرب” ومشاكل المنطقة.
والواقع أن هذا “التوسع الدبلوماسي الفرنسي”، وإن كان لا يعني دوراً محورياً في تقرير مصير المنطقة، إلّا أنه “يتطابق مع شخصية ساركوزي، الذي يكره أن يكون خارج إطار الصورة”، كما قال دبلوماسي عربي مقيم في باريس؛ فقد “التقط فرصة عودة نتنياهو” من واشنطن، بعد زيارة أسالت الكثير من الحبر، واستحضرت كمّاً من التعليقات المتناقضة، ليستقبله على أسفل درج الإليزيه، وليغوص معه في مشاورات “تسرّب منها القليل ليوحي بالكثير”، حسب قول أكثر من خبير.
إلا أن معظم المراقبين لاحظوا أن ساركوزي “ضرب عصفورين بحجر واحد”، فقد “ترك” من جهة وزير خارجيته برنار كوشنير ينتقد بشدة نادرة “سياسة إسرائيل، وغياب أفق السلام في تصرفات زعمائها” مع مقارنة ملحوظة سلبية لتصرفات الحكومة الحالية مع الحكومات السابقة، بينما ترك انطباعاً في أجواء الإليزيه بأن “التيار يمر بينه وبين صديقه بيبي”، وأنه يوجد “توافق كامل” في ما يتعلق بمعظم الملفات، بعدما “أذابت” مصادر مقربة من الإليزيه في تصريحات ملتوية “التباين بشأن المستوطنات”، وشدّدت فقط على “النيات الحسنة المتبادلة”.
حتى بالنسبة إلى الدور الذي “يودّ ساركوزي أن تؤديه فرنسا في المنطقة”، يقول بعض الدبلوماسيين العرب “إنه الدور المزدوج الذي يريد لسوريا وتركيا أن تؤدّياه” في المنطقة. ذلك أن “هدف إبعاد سوريا عن إيران” لا يزال “الأمر اليومي للدبلوماسية الفرنسية” لا “فقط كرمى لعيون اللبنانيين كما يحلو للبعض الظن”، فالهدف اليوم ليس فقط إضعاف إيران عن طريق “قطع حبل السرّة الذي تمثّله سوريا بين طهران وحزب الله”، حسب وصف مصدر مقرب من الملف، بل أيضاً “مساعدة السعودية” في توجّهها نحو إعادة بناء “علاقة مؤَثِّرَة مع عاصمة الأمويّين”.
ومن هنا يرى عدد من المراقبين أن أوراق ساركوزي مع سوريا تتوزّع في وجهات عديدة: إسرائيل التي تطالب بمفاوضات مباشرة لإحلال سلام ثنائي في الجولان، وواشنطن وبشكل أقلّ مصر، والسعودية، التي بدأت تحس بثقل الأعباء على “أطراف حدودها في الجهات الأربع”.
وقد يفسّر هذا “تحول باريس إلى ميدان تدافع” للزعماء العرب، إذ بعد الأسد بيومين يقوم الرئيس العراقي جلال الطالباني بزيارة دولة لفرنسا. وتعقب هذه الرحلة في ٢ كانون الأول المقبل زيارة للرئيس المصري حسني مبارك إلى باريس، قبل أن يستقبل ساركوزي الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف للتباحث بأمور كثيرة، ومن ضمنها “مؤتمر أنابوليس ٢” كما ذكر مصدر مطّلع.
إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه لدى “مراقبي التقارب السوري ـــــ الفرنسي المتسارع” يدور حول الأثمان التي يمكن أن يدفعها “الشريكان الجديدان في اللعبة الشرق أوسطية”، فإذا رأى البعض أن سوريا رابحة من جراء “الانفتاح الاقتصادي” الذي تعد نفسها به من باريس، فإن أكثر من مصدر فرنسي يقول إن “الأمور ليست بهذه السهولة”، إذ إن سوريا لا تزال “عصيّة على المستثمرين الفرنسين عموماً» لأسباب عديدة، منها ثقل البيروقراطية، وعدم حسم الخطط التنموية. وبالتالي فإن “قاطرة الاندفاع الاقتصادي هي الوزن الجيوسياسي لسوريا” في المنطقة.
إلا أن الملفات المكدّسة تنتظر “حلولاً” كثيرة. وفي مقدمة الحلول المطلوبة “حسم إشكالية الشراكة الأوروبية السورية”، التي حشرها كوشنير في خانة حقوق الإنسان ووضعها تحت ضغط عدّاد الوقت. وكذلك يطالب السوريون بـ“حل لملف إيرباص”، الذي لا يملك الفرنسيون حلاً له بغياب موافقة أميركية. كما أن ساركوزي، من حيث المبدأ، لا يستطيع إعطاء جواب شافٍ عن مسألة معملي الإسمنت في حلب ودمشق، المرتبطة بشركة “لافارج” العملاقة، حيث الأعمال تتقدم ببطء شديد، إلّا أن أوراق الضغط في هذا المجال يمكن أن تكون كـ“سلاح ذو حدّين”، حسب أكثر من خبير. وكذلك هو الأمر بالنسبة إلى المفاوضات مع شركة “توتال” بشأن حقول غاز تشرين المتواضع في دير الزور، إضافةً إلى مشروع تأهيل خط أنابيب كركوك بانياس، الذي تشارك فيه روسيا. كما أن ملف ألستوم سوف يكون حاضراً بقوة. رغم الجدل الذي يحوم حول بناء “ألستوم” لترام القدس مثار الانتقاد في الصحافة السورية. وبالطبع، لن تكون الملفات حاضرة خلال لقاء الأسد ورؤساء مجالس إدارات الشركات الفرنسية المهتمة بالاستثمار في سوريا، بل يمكن وضعها ضمن إطار “الاقتصاد السياسي”، التي يحددها فقط لقاء الرئيسين ساركوزي والأسد، لما فيها من وزن على مستقبل علاقات البلدين، وتأثيرها في ملفات المنطقة كاملة.
رغم كل هذا الترابط “المصلحي”، الذي لا يتردد مصدر دبلوماسي في وصفه بأنه “مهم للبلدين رغم طبيعة النظام السوري”، فإن الناطق الرسمي لوزارة الخارجية برنار فاليرو لم يتردّد في وصف العلاقات السورية ـــــ الفرنسية بأنها “تمثّل عنواناً من عناوين السلام الثلاثة في الشرق الأوسط”، وأن فرنسا تشدد على “ضرورة إعادة إحياء العملية السلمية” لأنها من شروط الاستقرار في المنطقة. وهو ما يقرأه البعض “إعادة العلاقات الاقتصادية إلى موقعها محرّكاً للعملية السياسية» بكل جوانبها.