IMF: مشاكل تمويل وقروض وانكشاف على دين الدولةنشر صندوق النقد الدولي نص تقريره الأخير عن نتائج برنامج «EPCA» في لبنان الذي انتهت مفاعيله في نهاية حزيران الماضي، وخلص التقرير الى أن لبنان «يواجه هشاشة بعيدة المدى وخطيرة» وخصوصاً في القطاع المصرفي. ويرى أنّ معايير الإصلاح المفترضة لم يُحترم منها سوى المتعلّق بمصرف لبنان
منذ عام 2006، تراجع معدّل الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي بواقع 27 نقطة مئويّة. معطى إيجابي جداً بحسب التقرير الأخير لبرنامج ما بعد الحروب والصراعات في لبنان (EPCA) الذي أداره صندوق النقد الدولي، بعد اجتماع باريس 3 في عام 2007.
وهذا المعيار إلى جانب معيار ارتفاع احتياطي العملات الأجنبيّة لدى مصرف لبنان إلى أكثر من 25 مليار دولار، «احترما بوضوح، ما وفّر ثقة ونشاطاً اقتصادياًَ رغم البيئة الاقتصاديّة الصعبة عالمياً والتأخّر في تأليف حكومة»، ولكن ...
الثقة التي يعرب عنها الصندوق غير كاملة، ويقول التقرير في هذا الصدد إنّ «لبنان يستمرّ بمواجهة هشاشة خطيرة طويلة الأمد». ويفنّد معطيات تلك الهشاشة بالقول إنّ «معدّل الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي لا يزال يفوق 150%، وهو مرتفع جداً»، كما أنّ «متطلّبات التمويل الكثيرة تفترض انكشافاً خطيراً على أوضاع السوق».
من جهة أخرى، يتعرّض التقرير للقطاع المصرفي الذي كثر الحديث عن صلابته في الفترة الأخيرة. يقول: «القطاع المصرفي الكبير، الذي تمثّل أصوله 300% من الناتج المحلّي الإجمالي، منكشف بقوّة على الدين السيادي (أي دين الدولة)، بنسبة 56% من الأصول». ويضيف أنّ النظام «يواجه وضعاً خطيراً متعلّقاً بعدم تطابق آجال الاستحقاق، حيث تموّل ودائع الأجل القصير قروضاً طويلة المدى للدولة وللقطاع الخاص غير المصرفي».
كذلك يشير التقرير في هذا الإطار إلى أنّ «الحكومة والقطاع الخاص غير المصرفي يواجهان بدورهما فروقاً نقديّة هائلة، نظراً إلى كبر حجم الدين المعقود بالدولار». وهذه التحذيرات التي يطلقها الصندوق، تأتي لتضيء على مشكلة تكتمها حركة السيولة الهائلة التي غذّت الاقتصاد خلال الأشهر الـ12 الماضية، وكانت قناتها الأساسيّة القطاع المصرفي.
فرغم انتقاده لهذا التركّز الشديد في توظيفات القطاع المصرفي، يبقى الصندوق مصرّاً على أنّ «المؤشّرات الماليّة تشير إلى استمرار قوّة هذا القطاع». وفي هذا السياق يذكّر بأنّ «الودائع لدى المصارف التجاريّة تنمو بنسبة 20% على أساس سنوي، كما تراجع معدّل دولرة الودائع، وساعد في ذلك استمرار الثقة ومعدّلات فائدة محليّة جذّابة».
ويعزو التقرير «عدم تأثّر القطاع المصرفي بالأزمة الماليّة العالميّة» إلى «الرقابة الحذرة جزئياً»، ويشير أيضاً إلى أنّ ذلك النظام لم يتأثّر مادياً من قضيّة فساد مالي هائل تمّت في القطاع غير المصرفي». وفي ذلك إشارة إلى قضيّة المستثمر صلاح عزّ الدين. وعن التطوّرات المسجّلة والتوقّعات المطروحة، يرى التقرير أنّ «المؤشّرات الدوريّة المرصودة أخيراً، توضح استمرار قوّة النشاط الاقتصادي». ويلفت إلى أنّ «البيانات المحدودة المتوافرة لا تفترض تراجعاً حاداً في تحويلات المغتربين».
وكنتيجة لهذه المعطيات، يشدّد الصندوق على توقّعاته السابقة القائلة بأنّ «الناتج المحلّي الإجمالي سينمو بنسبة 7% خلال العام الجاري».
وعلى صعيد آخر، يتحدّث التقرير عن «بقاء التطوّرات في ميزان المدفوعات مقبولاً إلى حدّ كبير». ويشير إلى أنّه على الرغم من «ثبات الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة، فإنّ التدفّق القوي لودائع غير المقيمين يفترض أن يمكّن مصرف لبنان من الاستمرار في مراكمة الاحتياطات الأجنبيّة بنمط مريح حتّى في ظلّ غياب تمويل (احتياجات) الحكومة من الخارج».
ويشرح التقرير هذه النقطة أكثر بالقول إنّ «دعم المانحين انتعش مؤقّتاً خلال الربع الثاني من عام 2009، غير أنّه من غير المتوقّع أن يكون مستداماً إلّا إذا تمّ تأليف حكومة قريباً»، فصياغة التقرير تمّت قبل التاسع من تشرين الثاني الجاري موعد الإعلان عن الحكومة الجديدة.

الأداء ضمن البرنامج كان مستحسناً... لم تُحترم سوى الإجراءات المتعلّقة بمصرف لبنان!

ومن خلال التركيز على تدفّق الودائع إلى الجهاز المصرفي وربطها بتمويل الحاجات الحكوميّة، يكون التقرير قد أكّد أنّه في حال ضعف تمويل الدولة من السوق الخارجيّة فإنّ المصارف تستطيع تغطية الفرق، ليرتفع بالتالي مستوى هشاشتها وانكشافها على الدين السيادي.
أمّا في ما يتعلّق بالتقويم عل أساس معايير برنامج «EPCA»، فقد رأى التقرير أنّ «الأداء كان إلى حدّ بعيد مستحسناً، رغم بعض الانزلاقات»، وتحدّث عن تجاوز الاحتياطات الأجنبيّة لدى مصرف لبنان المستوى المحدّد كهدف بنهاية حزيران الماضي، كما أشار إلى احترام هدف الفائض الأوّلي الذي تأمّن بفضل «رسوم المحروقات الداعمة للعائدات الضريبيّة»، فهذا الدعم «عوّض تراجع عائدات الاتصالات وارتفاع التحويلات إلى الهيئة العليا للإغاثة ومؤسّسة كهرباء لبنان».
ولكن، رغم هذه الإيجابيّات ذكّر الصندوق بأنّ مصرف لبنان خالف سقف إقراضه للدولة بنسبة 44% (2.6 تريليون ليرة) عبر إصداره شهادات الإيداع. وهو سلوك انتقده صندوق النقد الدولي بقسوة قبل أن يتوقّف في تمّوز الماضي.
«تطوّر محدود» آخر لحظه التقرير في ما يتعلّق «بإجراءات الإصلاح الهيكلي» التي يفرضها برنامج «EPCA». فرغم «تبنّي مصرف لبنان سياسة رسميّة لاختيار وتعيين وتدوير مدقّقي حسابات خارجيّين للمصرف»، غير أنّ «تقدير مشروع حساب موحّد للخزينة تمّ تأجيله لأنّ المجلس النيابي لم يقرّ التشريع اللازم».
ويمضي التقرير بالحديث عن «التقدّم الضعيف في مراجعة تعرفة الطاقة وقانون الضريبة الموحّدة على الدخل، وذلك بسبب صعوبة الأوضاع السياسيّة خلال التحضير للانتخابات النيابيّة».
هدف آخر لم تتمّ ملاقاته طبقاً لـ«EPCA»، هو «خصخصة الهاتف الخلوي» وهي عمليّة تتطلّب الآن «تجديد القرار السياسي من جانب الحكومة الجديدة».
ويختم صندوق النقد تقريره بالإشارة إلى السياسات الاقتصاديّة والماليّة وآفاقها، ويقول إنّ «النموّ الثابت يؤمّن فرصة للمضيّ قدماً باتجاه تدعيم النظام المالي»، كما أنّه مع استمرار هذا التدعيم «ستستطيع الحكومة تمويل احتياجاتها من السوق خلال الفترة الباقية من العام الجاري». ويطالب التقرير الحكومة الجديدة «باتخاذ إجراء حاسم لتحقيق الفائض الأوّلي المطلوب لخفض الدين العام الذي لا يزال مرتفعاً، بما أنّه قد يتّضح أنّ استدامة النموّ المرتفع في الناتج المحلّي الإجمالي المسجّل أخيراً صعبة».
(الأخبار)


82 %

هي نسبة دولرة قروض المصارف للقطاع الخاص، وهي تراجعت تراجعاً طفيفاً في الفترة الأخيرة. وهنا يؤكّد الصندوق ضرورة خفض معدّلات الفائدة على الليرة لجعل العملة الوطنيّة جذّابة للائتمان


يجب خفض أسعار الفوائد