جمانة فرحاترغم تعدد التصاريح التي تؤكد رغبة الحركة الشعبية لتحرير السودان في تحقيق الانفصال عن شمال البلاد، والإشارات التي تدلّ على أنها تمهد الطريق لفك الارتباط عبر خطوات عملانية، يبدو مسؤولو الشمال مطمئنين إلى صعوبة تحقيق هذا الخيار، من دون أن يمنعهم ذلك من الإقرار بمخاطره.
وبانتظار أن يتبيّن الخيط الأبيض من الأسود من خلال الاستفتاء المقرر في عام 2011، ترجح مصادر دبلوماسية سودانية عدم حدوث الانفصال، مستندة إلى مجموعة من العوامل، في مقدمها التداخل السكاني بين مناطق الشمال والجنوب، إضافة إلى افتقار الأخير للخبرات والموارد التي تؤهله لإدارة دولة منفصلة.
وتتشكّك المصادر في قدرة الحركة الشعبية، التي تدير الجنوب منذ عام 2005، على إدارة دولة منفصلة لعدم توافر البنى التحتية التي تؤمن استمرارية أي دولة مستقلة. يضاف إلى ذلك، عجز الحركة، التي تعاني انتشار الفساد في مؤسساتها، عن تقديم الخدمات الأساسية لسكان الجنوب بفعل استنزاف مواردها من العائدات النفطية والمساعدات الدولية على الجيش كرواتب لضباطه وجنوده.
كما أن مسألة التداخل السكاني بين الشمال والجنوب تعدّ من المعوقات الأساسية في وجه تحقيق الانفصال. وتشير المصادر السودانية نفسها إلى وجود ما يقارب من 4 ملايين جنوبي في الشمال، وبالتالي في حال حدوث انفصال لا بد من إنجاز ترتيبات جديدة مرتبطة بمصيرهم. ترتيبات تبدأ باحتمالات ترحيلهم باعتبار أنهم سيصبحون مواطني دولة ثانية، مع ما يثيره ذلك من ضرورة إعادة تعريف المواطن السوداني لتصنيفه بين شمالي وجنوبي.
كذلك تطرح مسألة النفط وعمليات تصديره. وترى المصادر أن الجنوب في حالة انفصاله سيكون دولة مغلقة، ولن يمتلك موانئ بحرية تمكنه من تصدير النفط. وبالتالي، فإنه للاستغناء عن الشمال كممر للتصدير، لا بد أن تكون كينيا هي البديل. ولكن المصادر تتشكك في احتمال نجاح هذا الطرح، وخصوصاً أن بناء شبكة جديدة من الأنابيب عبر كينيا يتطلب سنوات من أجل تجهيزه. كما تلفت إلى أن توقف تصدير النفط إلى حين اكتمال إنشاء خط الأنابيب الجديد سيعرّض حكومة الجنوب لأزمة مالية حادة، وخصوصاً أنها تعتمد في ميزانيتها أساساً على عائدات النفط.
التداخل السكاني وضعف الإدارة الجنوبيّة ومخاطر الانشقاقات تبعد الانفصال
إلا أن هذا الخيار يبقى قائماً، وخصوصاً بعدما كشفت صحيفة «الفايننشال تايمز» البريطانية أن الصين وكينيا تتفاوضان منذ الشهر الماضي لإقامة ممر لتصدير النفط السوداني، بالإضافة الى بناء طرق وسكك حديدية تصل الى جنوب السودان وأثيوبيا، لتشكل طريقاً بديلة لتصدير نفط جنوب السودان.
هذه المخططات تبقي مخاوف الشمال من الانفضال قائمة. وتبدي المصادر السودانية خشيتها من التأثيرات السلبية لعدم استقرار الجنوب في حال انفصاله، وترجح تفتته إلى دويلات لن يكون الشمال بطبيعة الحال بعيداً عن تداعياتها.
وتؤكد المصادر أن طبيعة المنطقة الجنوبية، التي تتضمن مزيجاً من الاختلافات العرقية والثقافية واللغوية والدينية (تجمع بينها اللغتان العربية والإنكليزية)، تحول دون استمرار تعايش مكوناتها في إطار دولة جنوبية، وزوال «العدو المشترك» الذي يوحّدها والمتمثل في الشمال.
كذلك يخشى شمال السودان على حصته من مياه النيل. إذ إن انفصال الجنوب سيؤدي إلى إعادة توزيع حصص مياه النيل، بحيث ستنخفض حصة كل من الخرطوم والقاهرة، ناهيك عن أن الجنوب يؤدي دوراً أساسياً في زيادة موارد نهر النيل لامتلاكه ما يقارب 25 بحيرة.
وبالإضافة إلى كل ما سبق، يخشى الشمال أن يغذي الانفصال في الجنوب المطامع الانفصالية في عدد من مناطق الشمال، وتحديداً في إقليم دارفور، الذي يشهد منذ عام 2003 حرباً أهلية لم تستطع الوساطات وضع حد لها.
وفي السياق، تلفت المصادر السودانية إلى دور مشبوه تقوم به بعض الدول في عرقلة التوصل إلى اتفاق. وتشير بأصابع الاتهام أساساً إلى كلّ من إسرائيل، التي «تبيع سنوياً أسلحة إلى الحركات المتمردة في القارة السمراء تفوق قيمتها مليار دولار». كذلك تؤكّد وجود دور سلبي للولايات المتحدة، متهمة إياها بالعمل على إبقاء مشكلة مخيمات النازحين قائمة من خلال صرف الأموال الطائلة لإعالة سكانها. ولكنها في الوقت نفسه أقرّت بإدراك واشنطن أهمية بقاء السودان موحداً، وبمخاطر تحوّل تقسيمه إلى مشكلة في أفريقيا. لذلك يبقى دور واشنطن محركاً أساسياً، وغير محدد في ظل إقرار المبعوث الأميركي الخاص للسودان، سكوت غريشان، بوجود جزء مخفيّ من الاستراتيجية الأميركية لا يمكن إطلاع الجمهور عليه خلال لقاء جمعه مع عدد من المنظمات المعنية بالأزمة في إقليم دارفور، وفي مقدمها «انقذوا دارفور» و«ستاند».
كذلك يخشى السودان على أمنه القومي من التهديدات الإسرائيلية. وكشفت المصادر عن إشارات تفيد بتغلغل الإسرائيلي في جنوب السودان، وتحديداً من خلال إدارة القطاع الفندقي.