دعوات إلى الحشد العشائري لتسوية قضايا المحكومين بالإعدام أو الهاربينبغداد ــ زيد الزبيدي
«أولياء الدم»، مصطلح قديم جديد تزامن إحياؤه مع الموجة العشائرية التي أحيتها حكومة نوري المالكي. ويعود هذا المصطلح بقوة مع الدعوات المطالبة بإطلاق سراح المئات من المحكومين بالإعدام، وإلغاء مذكّرات إلقاء القبض على المتهمين الهاربين أو المحكومين غيابياً، وإسقاط التهم الموجهة إليهم، باعتبار أنّ هذه الأحكام والتهم «سياسية».
ويرى العديد من السياسيّين أن هذه المطالبات مشروعة، لأن المطلوب العفو عنهم «سياسيون» و«مقاومون للاحتلال». وتستثني هذه المطالبات «الإرهابيين»، والمقصود بهم «المقاومين من العرب السنّة»، وكذلك مَن مارس «الإرهاب» من الأطراف الأخرى.
إلّا أن هؤلاء المطالبين اختلطت لديهم المصطلحات، لكثرتها وتزاحمها، وبدأوا ينادون بإرضاء «أولياء الدم»، ويدعون إلى الحشد العشائري لجمع الأموال والتوسّط «بالإقناع أو بالإكراه»، لإسكات ذوي المجني عليهم لكي يتنازلوا عن «الحق الشخصي»، وطلب إعادة محاكمة المحكومين والعفو عنهم.
وبحسب رئيس منظمة حقوق الإنسان والديموقراطية، المحامي حسن شعبان، الذي يرفض عقوبة الإعدام، فإن هذه القضية لها أوجه وأبعاد عديدة، لأن إرضاء «أولياء الدم»، أو تنازلهم عن حقهم، غير منصوص عليه في القانون الذي يضع في الاعتبار «الحقّ العام». إلّا أن هذا التنازل يمكن أن يخفف العقوبة لو جرى قبل المحاكمة.
ويوضح شعبان أنه رغم ضعف الثقة بصحة الأحكام المقصودة، لكون القضاء غير مستقل في أحيان كثيرة، ولأن الاعترافات تُنتزع بالقوة، فإنّ القول بإرضاء «أولياء الدم» يتنافى مع الادعاء بمقاومة المحتل، فليس من المعقول جمع «الدية»، وتقديمها إلى الأميركيين أو البريطانيين ليتنازلوا عن حقهم في قتلاهم، إضافةً إلى أن من يدفع «الدية» للاحتلال، إنما يكون راضياً عنه، لا مقاوماً له.
يقوم على دفع دية لأهالي القتلى في مقابل تنازلهم عن الثأر وعن إحقاق العدالة
ثم إن الدعوة إلى الحشد العشائري لتسوية قضايا المحكومين بالإعدام، أو المتهمين الهاربين، تعني أن «أولياء الدم» ليسوا من الحكومة وعناصرها الأمنيين، بل من أبناء العشائر. وقد يكون الجاني والمجني عليه من عشيرة واحدة، وهناك حالات كثيرة من هذا النوع، ما يتطلب إجراء «الفصل» أو «الدية» من بيت إلى بيت.
ويشير شعبان إلى أن الموجة العشائرية التي أطلقتها حكومة المالكي سترهقها، وترهق الحكومات المقبلة، لأن مخلفات مسلسل الدم كثيرة وعميقة، ولا تندمل بسهولة، «وإذا ما اتّبعت الحكومة سياسة أولياء الدم، وهذا ما ينطبق عليها وعلى القوات الأجنبية، فإن موازنة الدولة كلها لن تكفي لإرضاء أولياء الدم».
ووفق وكالة «نينا» للأنباء، هناك من يرفض مبدأ «الفصل العشائري»، ويعدّه من صور التخلّف المتوارثة التي تناقض مبادئ حقوق الإنسان، لأنها تفرض عقوبات جماعية على فعل قام به فرد واحد ينتمي إلى عشيرة ما، ربما لا يعرف من أفرادها سوى بعض أقاربه، أو من جمعته بهم الصدفة.
ويرفض عدنان، وهو سائق شاحنة من محافظة بغداد، دفع مليوناً ونصف مليون دينار (1300 دولار)، للإسهام في الفصل العشائري، الذي وقع على عشيرته في منطقة «النباعي»، شمال بغداد، في مقابل قيام أحد أفراد العشيرة، المنتمين سابقاً إلى الجماعات المسلحة، بقتل رجل من عشيرة أخرى. ويعيل عدنان أسرة تتكون من 23 فرداً، ولا يملك سوى شاحنته التي بالكاد تسد مواردها معيشتهم اليومية.
أما لطيف، وهو مواطن يسكن منطقة الكرمة في محافظة الأنبار، فيبرّر رفضه لهذا المبدأ، بضرورة نبذ التخلف، وألّا يؤخذ الجمع بجريرة شخص واحد.
في المقابل، ينظر إبراهيم، من سكان الفلوجة، إلى هذا الموضوع من زاوية أخرى، لأن المشاركة في الفصل العشائري «ضرورية لكل أبناء العشائر، ما دامت تهدف إلى حماية الأبرياء، في حالة سلوك أهالي المغدورين على سبيل الثأر والاقتصاص من أقارب المسلحين».
تجدر الإشارة إلى فرض مبالغ باهظة جداً في الفصول العشائرية الجديدة، تراوح قيمتها حالياً ما بين 60 إلى 100 مليون دينار (87 ألف دولار)، وهي مبالغ مرهقة لأبناء العشيرة، ولا سيما أن عملية الفصل العشائري متواصلة حالياً بكثرة، وقد تضطر بعض العشائر إلى دفع فصول عديدة في وقت واحد، بعدما عاد الأمن النسبي إلى المناطق الساخنة، واطمأن أهالي المقتولين، فباتوا يطالبون بدماء قتلة أبنائهم، أو بفدية مالية.
وفي الوقت الذي تنتشر فيه ظاهرة الفصل العشائري لضحايا الجماعات المسلّحة، ترفض بعض الأمهات والأرامل تسلّم مبالغ مالية في مقابل دماء أحبّائهن، ويطالبن بالثأر من القتلة. وقد فقدت المعلّمة سناء، زوجها، على أيدي المسلّحين بعد عودته إلى وظيفته في الجيش، وهي ترفض «الاتجار بدمه» لأن ذلك «تنازل كبير للقتلة» الذين تعرفهم جيداً، وتنتظر خروجهم من المعتقلات لتقتصّ منهم، إن لم يكن بيد ولدها المراهق، فبواسطة أشقاء زوجها أو أبناء أشقائه.