البعض يفكّر ببيع الاحتكار الرسمي إلى الاحتكار الخاص... هذا لن يحصلوصف وزير الاتصالات شربل نحّاس الحكومة الحالية بأنها حكومة تأسيسية، آملاً أن تكون كذلك فعلاً. وقال إن التوصل إليها لم يكن سهلاً، ولا سيما أنها جاءت بعد مرحلة طويلة كانت ترسو فيها الأوضاع على صيغة معينة، يتمسّك بها اللبنانيون على علّاتها، بسبب خوفهم من أن يكون البديل أسوأ، فصارت الدولة كأنها دولاب مربّع لا دائري، وهذا ما يُعطي معنى محدداً للكلام عن تدوير الزوايا، ويفرض على العاملين في الشأن العام أن يقدّروا تغيير الظروف ويطوّروا مواقفهم، لا أن يغيّروا مبادئهم... فالسياسة ليست إطلاقاً موقفاً موفّقاً في وقت معين، بل هي مجموعة من السياسات الإجرائية، لأن الكلام بطريقة موفّقة، حسب الظرف، قد يكون ضرورياً، وهو ضروري، لكن ليس هو ما يسمح بالاستمرارية وبأن تكون العجلة مستديرة لتدور وتتقدم.
كلام نحّاس جاء خلال حفل التسليم والتسلّم في وزارة الاتصالات بينه وبين الوزير جبران باسيل، وقال إن «الاتصالات هي قطاع اقتصادي ينتج خدمات نهائية، استهلاكية ومدْخلات وسيطة، كذلك يدخل في إنتاج عدد كبير جداً من الخدمات والسلع الأخرى... إلا أنه أضيف إلى هذ القطاع شق ضريبي، ويجدر أن يُناقش هذا الشق بوصفه ضريبياً، لا إنتاجياً، وبالتالي تجدر دراسة وقع هذا الشق الضريبي على الاستهلاك النهائي وعلى المُدْخلات الوسيطة، باعتباره يقلّل القدرات الإنتاجية في قطاعات أخرى، وهذا الوضع غير سليم، ولذلك يجب توضيح هذا الأمر من البداية، وهذا سيكون همّاً أساسياً حتى لا يكون هناك أيّ خلط، لأن هذا الخلط يشوّش الصورة ويؤدي إلى نتائج نحن مسؤولين عن منع حصولها. فعندما نتحدث عن قيمة القطاع، يجب أن يتركّز الجهد على رفع قيمته بوصفه قطاعاً إنتاجياً، ونخفض القيمة المتأتّية إلى هذا القطاع من ممارسة عمليات ضريبية مستترة خلف ممارسة احتكار الدولة، فكيف إذا كان البعض يفكر في بيع هذا الاحتكار الرسمي إلى احتكار خاص؟ هذا لن يحصل».
وشبّه نحاس الوضع القائم في قطاع الاتصالات بوضع الدولة، إذ تتراكم الصيغ المتتالية والمتنافرة، كلّها أو غالبها أتى على أساس أنه حلّ انتقالي وظرفي، فباتت هي التي تضع القواعد الفعلية للعمل، وأصبحت القاعدة هي استمرار المؤقت وتراكم الصيغ الانتقالية المتضاربة.
وحدّد نحّاس مهمّته، بحسب قانون الاتصالات، بوضع القواعد الناظمة لهذا القطاع، معتبراً أن مهمّته سترتكز على 3 أولويات:
ـــــ أولاً، تأمين التشغيل، أداءً وصيانة واستثماراً وتحسيناً، باستمرار دون أي اعتبار لأي نظرية أخرى، أي عدم ترك القطاع على وضعه الحالي ليتراجع.
ـــــ ثانياً، فكفكة كل ما تراكم من تشابك في الصلاحيات، وخلف الصلاحيات هناك مصالح. وهذا يتخطّى المسائل مع الأشخاص.
ـــــ ثالثاً، انطلاقاً من الصورة التي تتحدد فيها المصالح بما يسمح بتواؤمها لا بتضاربها، عندها ننتقل إلى إعادة التركيب وإرساء الصيغة المناسبة بطريقة لا تُبطل الجهود وتهدر الطاقات والفرص، ولا تفتح الأبواب لممارسات ليست في مصلحة الاقتصاد اللبناني والدولة اللبنانية.
وختم نحّاس بالدعوة إلى إقامة التوازن بين المُلحّ والمهم. وهذا عنوان إدارة الوقت، وبالتالي يجب ألا يدفعنا الملحّ إلى صيغ انتقالية تلغي الغاية النهائية، وألا نقوم بشيء بحجة أن الغاية نبيلة، فتتراجع الأوضاع... ويجب أيضاً أن نميّز بين الغايات والوسائل. فغاية قطاع الاتصالات هي غاية اقتصادية خدماتية، وكل الصيغ ليست أكثر من وسائل.
وكان الوزير جبران باسيل قد قدّم عرضاً للإنجازات التي تحققت في ظلّ إدارته للوزارة، فأشار إلى أن معدل كلفة فاتورة الخلوي في آب 2008 كان يبلغ 75 دولاراً، وهو الأعلى في العالم، فانخفض إلى ما دون 50 دولاراً، علماً بأن الهدف في السنة 2010 هو أن ينخفض إلى ما بين 30 و35 دولاراً... وقال إنّ هذا الخفض تحقق نتيجة إجراءات عدة، منها خفض سعر بطاقات الخط الثابت والبطاقات المسبقة الدفع، وخفض سعر دقيقة التخابر في بطاقات التشريج بنسبة 37%، وخفض في كلفة الرسائل القصيرة بنسبة 50%، إضافة إلى خفض أكلاف خدمات كثيرة كالـ بلاكبيري والـMMS وغيرهما. كذلك أعيدت الضمانات المصرفية العائدة إلى خدمة التجوال والاتصال الدولي إلى قسم كبير من المشتركين. ومُدّدت صلاحية البطاقات المسبقة الدفع، وباتت تتراوح بين 10 و30 و60 و90 يوماً.
كذلك أشار باسيل إلى أن درجة الاختراق في سوق الخلوي (نسبة المشتركين إلى عدد المقيمين) ارتفعت من 32% إلى 55%. فقد زاد عدد المشتركين من 1.2 مليون مشترك إلى 2.2 مليون مشترك، وزادت السعة من مليون مشترك في صيف 2008 إلى 2.5 مليون مشترك، والهدف في الـ2010 زيادة السعة إلى 3.5 ملايين مشترك، وزيادة عدد المشتركين إلى 3 ملايين مشترك، كي نصل إلى درجة اختراق تفوق 75%.
وقدّر باسيل قيمة هذه الخفوضات بنحو 275 مليون دولار سنوياً (وفراً على المشتركين)، يضاف إليها كلفة الاستثمارات في الشبكة التي تخطّت 150 مليون دولار. إلا أن مردود قطاع الخلوي غير الصافي ارتفع بقيمة 139 مليون دولار في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، وزاد المدخول الصافي بقيمة 39 مليون دولار. وقال إن الهدف لم يكن تحقيق مردود إضافي من قطاع الخلوي، لأن أكثرية هذا المردود عبارة عن ضريبة، إلا أن أهمية هذا المؤشّر تكمن في دحضه للمقولة الرائجة أن تطوير الشبكة يعني زيادة الأكلاف وأن خفض الأسعار يعني خفض المردود، فالمردود ارتفع على الرغم من إجراءات توسعة الشبكة وخفض الأسعار، وهذه الحقيقة تسمح بخفض إضافي لمصلحة اللبنانيين، علماً بأن هذه الإجراءات أتاحت فرصة استخدام خدمات الهاتف الخلوي لنحو مليون لبناني كانوا محرومين منها.
وتحدّث باسيل عن تحسين نوعية الخدمة، فقد سجّل مؤشر انقطاع الخطوط تحسّناً بنسبة 40% في الوقت الذي ازداد فيه التخابر بنسبة 44%، ومن أصل نحو 900 محطة، جرى تحديث 760 محطّة وتكبيرها، على أن يصل عدد المحطات المحدّثة إلى 1440 محطة في نهاية هذا العام.
وتناول باسيل في كلمته مشروع شبكة الألياف الضوئية ومشروع الـFTTH) Fiber To The Home)، مشيراً إلى أن درجة الاختراق في سوق الهاتف الثابت لا تزال منخفضة، على الرغم من زيادة عدد المشتركين من 690 ألفاً إلى 800 ألف.
وجدد دعوته لتبنّي سياسة محددة لتحرير القطاع من كل القيود التي تعوق تطويره، وصولاً إلى الخصخصة حيث تجب. وقال نحن نملك مفاهيم للخصخصة تؤمن مصلحة لبنان واقتصاده، إذ من الضروري إعطاء فرصة لليبان تلكوم كي تنطلق بمساحة مخصصة لها في السوق، لا أن يأتي ذلك بعد الخصخصة، ويجب إعطاء الأولوية في الخصخصة للبنانيين، وهذا حق لهم، فهم لا تنقصهم الخبرات ولا الأموال، كذلك يجب إزالة الغبن الذي لحق باللبنانيين من جرّاء دفعهم رسم الـ500 دولار لقاء شرائهم خطوطاً خلوية.
(الأخبار)