4 تجار يسيطرون على سوق الإنتاج والتصريف في البقاعالبقاع ــ رامح حمية
لم يجد مزارعو البصل في البقاع مفرّاً من تكديس مواسم البصل في المخازن والمستودعات، وهم يعلمون أنها ستتعرض للتلف، لأن أجواء سوق التصريف، كما يقولون، غير مبشّرة، لا داخلياً ولا خارجياً. فقد تعرّضت السوق اللبنانية والأردنية (أكبر مستورد يعوّل عليه المزارعون) لعملية إغراق بالبصل من قبل المزارعين البقاعيين الكبار، ما أدى إلى شلل كامل في عملية تصريف المزارعين لإنتاجهم من البصل لهذا العام، وبذلك يكون المزارع البقاعي قد تعرّض من جديد لخسارة فادحة، بسبب الاحتكار الذي يسيطر على السوق الزراعية في البقاع، إضافة إلى غياب الدولة عن شؤون المزارعين وشجونهم، سواء في الاطلاع على مشاكلهم أو دعم زراعاتهم، أو مراقبة تطبيق حماية إنتاج البصل المحلي من قبل الروزنامة الزراعية، أو حمايتهم من الممارسات غير المشروعة التي ينتهجها كبار المزارعين... ويجمع غالبية المزارعين وعدد من التجار في البقاع على أن ثمة «مافيا» من المزارعين الكبار في البقاع باتت تتحكم بكل مسارب القطاع الزراعي، بدءاً من البذار والأسمدة مروراً بالكيماويات والأدوية، وصولاً إلى الإنتاج والتصريف، وذلك بالنظر إلى توافر القدرات المالية لديهم، ما يسمح لهم بولوج سائر هذه المجالات، عكس المزارع الصغير.

أسعار متدنّية... وكساد

المزارع حسن زعيتر الذي حصد إنتاجه من البصل وأنجز توضيبه تمهيداً لتخزينه، أكد أن أسعار البصل متدنية جداً. فكيلو غرام البصل وصل إلى 150 ليرة، فيما كلفته تتعدى 230 ليرة، مشيراً إلى أن السوق متوقفة كلياً «والتجار الذين نتعامل معهم لا يقدمون على شراء محصول البصل حتى لا يتحملوا الخسائر»، مشدداً على أن السبب في كل الكساد الحاصل داخلياً وخارجياً، يعود إلى وجود «مافيا من المزارعين الكبار، يحتكرون السوق اللبنانية والخارجية لمصلحتهم، وأن أسماء هؤلاء لم تعد خافية على أحد، وهم أربعة مزارعين بينهم مزارع يمتلك أكبر براد لحفظ المنتجات في البقاع، ويتسع لأكثر من 20 ألف طن، وهؤلاء جميعهم من المتموّلين الذين يملكون القدرة المالية التي تمكّنهم من ولوج كل القطاعات الزراعية، بدءاً من بيع البذار والأدوية والأسمدة الزراعية وصولاً إلى الزراعة والإنتاج واحتكار التصريف في السوق اللبنانية والخارجية، فيما يبقى المزارعون الصغار عرضة للخسائر المتتالية والمتلاحقة. ويرى زعيتر أن ما يعزز رصيد هؤلاء هو «عدم وجود دولة تراقب وتحاسب وتنظّم»، كذلك فإنه لا أحد يراقب إن كان إنتاج البصل محمياً فعلاً بالروزنامة الزراعية، فيما ليس هناك رقابة على الأسعار ولا حتى على نوعية الأدوية والكيماويات والنترات التي يحتاج إليها المزارعون، متسائلاً عن سبب ارتفاع أسعار الأدوية، ولافتاً إلى أن «طن الكيماوي الرقم 17 (ألماني) بلغ سعره 720 دولاراً، فيما كان سعره في العام الماضي 375 دولاراً». وأوضح أن التجار يبررون هذا الارتفاع بتذبذب أسعار اليورو... ويشير إلى أن الحجة نفسها تنسحب على أسعار أكياس النايلون، وهي من بقايا مشتقات النفط، كما لفت إلى أن طن بذار البصل من نوع «كونستانزا ـــــ بخعازي» اشتُري من التجار بسعر 300 دولار فيما كان سعره 105 دولارات، ويقول «الذريعة دائماً اليورو»!.

خسائر ضخمة!

من جهته، يؤكد المزارع محمد حيدر أن خسارته بلغت 19600 دولار بعدما حصد إنتاجه من البصل ولم يجد من يشتريه، الأمر الذي دفعه حالياً إلى عرض بعض الدونمات من أرضه للبيع بغية سداد الديون المترتبة في ذمته، والناتجة من شرائه الأدوية والكيماويات، إضافة إلى أجرة العمال. ويرى حيدر أن «الدولة غير موجودة حتى يناشدها، وليس هناك وزارة تعنى بحل مشاكل المزارعين»، مشدداً على ضرورة أن تُكفّ أيدي المزارعين الكبار عن احتكار الأسواق، وذلك لإنقاذ مواسم البصل من الكساد وبقائها رهينة المخازن والتلف.

أسماء هؤلاء لم تعد خافية على أحد بينهم مزارع يمتلك أكبر براد لحفظ المنتجات يتسع لأكثر من 20 ألف طن

أما التاجر جورج نبهان فلم ينف ما أورده المزارعون من ناحية وجود «مافيا من المزارعين الكبار»، بل أكد لـ«الأخبار» وجود عدد من المزارعين البقاعيين الذين يسيطرون على السوق حالياً، فيما غيرهم من المزارعين، وحتى التجار، لا يجدون سبيلاً لتصريف إنتاجهم، لا في السوق اللبنانية ولا الأردنية، موضحاً أن سوق البصل متوقفة كلياً، ولا يمكن تسلّم إنتاج المزارعين وشراؤه لأن السوق اللبنانية والأردنية قد أغرقتها بالبصل مجموعة من المزارعين الكبار الذين يحتكرون السوق اللبنانية والخارجية، مشيراً إلى أن أحد المزارعين والتجار الكبار أدخل إلى الأردن 10 شاحنات محمّلة بالبصل، وهي تعدّ فعلياً فائضاً يمكن الأردن الاعتماد عليها فيما لو احتاجت السوق إلى البصل، الأمر الذي «يبدّد أي فكرة في تصدير البصل إلى الأردن، في ظل وجود منافسة هناك أيضاً من البصل السعودي». ورأى نبهان أن لا فائدة من تخزين المزارعين لإنتاجهم من البصل لأن السوق اللبنانية حالياً ممتلئة وبعد شهرين سيدخل البصل المصري إلى لبنان، وخاصة أنه لا روزنامة زراعية تنظم الاستيراد. وحتى سوق العراق، فقد فتحت مدة أربعة أيام فقط لتعاود الإقفال. وخلص إلى القول: «كل من زرع بصلاً، ومنهم أنا، يخبزوا بالأفراح»، في إشارة إلى أن خسارة هذا الموسم فادحة وقد وقعت ولا مفرّ منها! علماً بأنه في أيلول الماضي قضت العاصفة على بعض المواسم الزراعية في البقاع الغربي وراشيا. وقد فوجئ أصحاب المشاريع الزراعية بالكارثة التي حلت بموسم البصل، حيث اهترأت كميات كبيرة منه وتلفت، وقد ضربت أراضي واسعة مزروعة بالبصل في البقاع الغربي وراشيا. ويشير المزارعون إلى أن مدخول غالبية الأسر في البقاع يعتمد على القطاع الزراعي، وأن تواصل الكوارث التي تضرب قطاع البصل أصبحت ينذر بمشكلات اجتماعية واقتصادية في المنطقة، لا بل ستحدث أزمة حقيقية على أبواب موسم الشتاء الذي يتطلّب الكثير من المصاريف لتوفير مؤن الأسر ووسائل التدفئة وغيرها. ويرى المزارعون أن تمادي الدولة في إهمال القطاع الزراعي عموماً وزراعة البصل خصوصاً، سهلت على المحتكرين سيطرتهم على السوق البقاعية، وجعلت استمرارية هذا القطاع على المحك.


%5

من المزارعين في لبنان يحتكرون 47% من الأراضي الزراعية، فيما يملك 50% من المزارعين حوالى 8 في المئة من الأراضي الزراعية، وتنسحب هذه السمة الاحتكارية على جميع القطاعات الزراعية بما فيها البصل


قطاع أساسي... وأكلاف مرتفعة!