الأمطار المبكرة في أيلول أدّت إلى تعفّن المحاصيل... والسبب غياب الإرشاد


البقاع ــ نقولا أبورجيلي
ارتفعت أصوات أصحاب كروم العنب في البقاع مطالبةً بإنقاذ آلاف الأطنان من العناقيد التي لا تزال على الدوالي، بعدما أدّت الأمطار المبكرة في أيلول إلى تشقق وتعفّن القسم الأكبر من حباتها، أما الأسوأ فهو صعوبة تصريف باقي الكميات المكدّسة في أسواق الجملة. إذ إن غياب الإرشاد الزارعي أدّى إلى عدم تنبّه معظم أصحاب الكروم إلى ضرورة رشّ أدوية علاجية تساعد على حماية العناقيد من خطورة العفن بعد «شتوة» أيلول المفاجئة، وعلى وجه الخصوص العنب الحلواني، الذي أثبت أن طبيعة نموّ عناقيده وتلاصق حباته يسهمان إلى حد كبير في تخزين مياه الأمطار المبكرة، ما يسبّب العفن، لكون هذه الأمطار تحوي على رواسب تحملها معها من الجو الملوّث بعد فترة الصيف... ويجمع أصحاب كروم العنب في البقاع، على أن الكميات التي تعرضت للتشقق والعفن، والتي تبلغ حوالى 20% من محصول العنب البقاعي، ستقطف وترمى أرضاً في حال تمنّع أصحاب معامل تصنيع السبيرتو والكحول عن شرائها ولو بأسعار متدنية. لا بل إن جولة قامت بها «الأخبار» في سوق الخضر والفواكه في الفرزل، التي تعدّ المركز الرئيسي لتصريف منتجات العنب من البقاع إلى جميع المناطق اللبنانية، بيّنت أن كميات من العنب تتكدّس في أقفاصها لأيام معدودة، لتذهب قي نهاية المطاف إلى مكب النفايات!

صعوبة في تصريف الإنتاج

إذ إن ارتفاع كلفة الإنتاج، وعدم إيجاد أسواق خارجية لتصريف إنتاج العنب وبالأخص «الحلواني» منه، أدى إلى تكرار الأزمات في السنوات العشر الأخيرة، وهذا ما دفع عدداً من المزارعين إلى اقتلاع دوالي كرومهم وبيعها حطباً للتدفئة، ومن ثم إعادة غرس قسم من هذه الأراضي بنصوب الأصناف الجديدة المستوردة من الخارج أو ما يسمّى العنب «الأميركاني» الذي يلقى رواجاً في الأسواق المحلية والخارجية، فيما فضّل الكثيرون غرس أراضيهم بالأشجار المثمرة المتنوعة.
صُدِّر 21 ألف طن من العنب خلال عام 2008 ومن المتوقع أن ينخفض حجم الصادرات الى 19 ألف طن هذا العام
ويرى المزارع يوسف مساعد أن ما حصل هذا العام كان كارثة «ولا يشبه ما كنا قد تعرضنا له من خسائر في السنوات الأخيرة، فقد أكلنا الضرب ولا أحد يهتم لأمرنا»، ويصف مساعد ما يعانيه الكثيرون من أصحاب كروم العنب في البقاع هذا العام، فمساعد الذي يملك عدة قطع أرض غرسها جميعها بدوالي العنب، تقع في سهل بلدة الفرزل (قضاء زحلة)، لم يتمكّن من جني كامل محصول كرومه من عنب «البيتموني»، الذي تعرّض القسم الأكبر من حباته للتشقق، نتيجة تخزّن مياه الأمطار المبكرة في باطن العناقيد، ما أدى إلى إصابتها بالعفن، قبل أن يتمكن من تغطية أوراق دواليها بأكياس النايلون كما كان يفعل كل عام، وذلك بهدف حمايتها من برد الخريف، ليضيف أن هذه العملية تحافظ على سلامة العناقيد لمدة أطول قد تمتد أحياناً الى أوائل شهر كانون الأول، بحيث نستفيد من ارتفاع الأسعار، «إلا أن حساب الحقل لم يأت على حساب البيدر»، ولفت مساعد الى أن ما زاد الطين بلة، هو رفض المصدّرين وتجار سوق «الحسبة» شراء واستقبال هذه الكميات «المضروبة»، نظراً لصعوبة تصريفها، واستدرك بالقول إنه حتى «الخمارات» ترفض شراء العنب، موضحاً أن ذلك أثر سلباً على أسعار العنب عموماً وحتى الأصناف الجيدة منه.

مبالغة في تقدير المشكلة؟

من جهته، رأى المزارع نزيه ناصر من بلدة تمنين الفوقا (قضاء بعلبك)، أن الأمور ليست سيئة إلى هذه الدرجة، موضحاً أنه استطاع تصريف نحو 90 طناً من إنتاج عنبه «الحلواني» و«البيتموني»، بأسعار تراوحت بين 700 ليرة للصنف الجيد و500 ليرة للحجم المتوسط، أما الثلث الباقي أو الباب الثالث كما هو متعارف عليه، فقد وضّبه في أقفاص بلاستيكية أو ما يسمى «الشرحات» وباعه في أسواق الحسبة بسعر 2000 ليرة للشرحة الواحدة، سعة 10 كلغ، أي بمعدل 250 ليرة للكلغ الواحد. ولفت ناصر الى أن بعض الأصناف التي تتمييز بجودتها العالية، بيعت في الأسواق بأسعار وصلت الى 1200 ليرة للكلغ الواحد. وعن مصير الكميات التي تعرضت للتشقق والعفن، يقول إن ما بقي من مجمل الإنتاج في البقاع يتراوح بين 15 و20%، سيذهب بمعظمه الى معامل تصنيع السبيرتو والمشروبات الروحية.
رئيس لجنة الاقتصاد في غرفة الصناعة والتجارة في زحلة، طوني طعمة، لفت الى أن الصورة ليست بهذه الضبابية، وأن هناك مبالغة في وصف الأمر بالكارثة، محملاً وزارة الزراعة مسؤولية عدم مبادرتها الى إصدار نشرات إرشادية لتوعية أصحاب الكروم بضرورة رشّ الأدوية العلاجية لحماية منتجاتهم من خطر التعفّن، وبالتالي إرسال فرق فنيّة متخصصة لدرس إمكان توزيع هذه الأدوية، إما مجاناً، أو تسليمها الى المزارعين بسعر الكلفة، وفي كلتا الحالتين كان يجب مراعاة الظروف المادية لمعظم أصحاب هذه الكروم، ولا سيما صغار المزارعين منهم، مؤكداً أن اضطلاع الوزارة بمسؤولياتها، كان سيسهم بالتخفيف من حجم الخسائر. وبصفته أحد كبار التجّار المصدرين، أشار طعمة الى أنه وضّب هذا العام وخزّن 270 ألف شرحة (سعة 4 كلغ)، بأسعار تراوحت بين 600 و650 ليرة للكلغ الواحد، وأنه باشر بتصدير قسم من هذه الكميات تباعاً الى دول الخليج، وهي تباع هناك بأسعار مقبولة بالمقارنة مع الأعوام السابقة.
ورأى طعمة أن تأخر التقديمات التي تدفعها مؤسسة إيدال لدعم الصادرات الزراعية، وخفضها تدريجاً في السنوات الأخيرة لتصل هذا العام الى 48 ليرة لبنانية عن كل كلغ، بعدما كانت 120 ليرة في عام 2002، أثّر سلباً على حركة التصدير والمزارعين على حد سواء، متوقعاً توقفها نهائياً على ضوء الإنذرات التي وجهت الى أصحاب الشأن، بإلغاء برنامج «اكسبورت بلاس» خلال خمس سنوات تنتهي في عام 2010، وذلك تماشياً مع شروط اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي برفع الدعم عن المنتجات الزراعية، وتنفيذاً لمقررات باريس «3». وطالب طعمة بتفعيل الرقابة على جودة ونوعية وأسعار الأدوية والمبيدات المستوردة من الخارج، وتقديم المساعدات العينية من أسمدة كيماوية الى صغار مزارعي العنب، محذراً من أن استمرار الوضع على هذا المنوال سيؤدي الى تقلّص المساحات المزروعة بكروم العنب.