يشهد صندوق القدس في واشنطن حملة استقالات احتجاجيّة على إدارته، التي حوّلته إلى «دكانة سياسيّة» وأبعدته عن الغاية التي أقيم من أجلها
واشنطن ــ محمد سعد
قدم ثلاثة من أعضاء مجلس إدارة صندوق القدس للثقافة والتنمية الاجتماعية، والمركز الفلسطيني التابع له، استقالاتهم أخيراً على خلفية اتهامهم لرئيس مجلس الإدارة، صبحي علي، بالتفرد باتخاذ القرارات الخاصة بتسيير شؤون الصندوق والمركز، وخصوصاً في أعقاب قراره تعيين يوسف منيّر مديراً تنفيذيّاً للصندوق والمركز، وهو ما أثار احتجاجات واسعة في أوساط الجالية العربية والفلسطينية بسبب بعض كتابات منير في الصحافة الأميركية، التي دعا فيها إلى البناء العمودي في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية لاستيعاب ما يسمى «النمو الطبيعي».
والمستقيلون الثلاثة هم الأكاديمي الدكتور نصير عاروري، والباحث الدكتور منذر سليمان (الصورة)، والدكتور عبد الله صبيح. وكان قد سبقهم في الاستقالة عضوا مجلس إدارة الصندوق الطبيب نبيل خوري، وخبيرة شؤون الاستثمار غادة حديد.
وقال عاروري إن رئيس مجلس إدارة صندوق القدس قبِل استقالته بعد أسبوع من تقديمها. ولم يُراجَع في أمرها خلافاً لما حصل عندما قدم استقالته للمرة الأولى قبل أشهر احتجاجاً على الطريقة التي يدير بها صبحي علي الصندوق. وأضاف أنه حينها تعرض لضغوط أرغمته على سحب الاستقالة والبقاء في منصبه على أمل إصلاح وضع الصندوق والمركز، لكنه اكتشف استحالة ذلك، ما أوصله إلى اقتناع بأن النهج السائد قد أدى إلى تحويل الصندوق والمركز إلى «دكان سياسي» بدلاً من أن يكون مؤسسة بحثية وفكرية. وأكد أن استقالته لم تكن بسبب تعيين منيّر، بل بسبب تجاهل معايير التعيين المهنية المفروض اتباعها. وبالكاد قد جرى نقاش في ذلك، أو أي تمحيص لسجل المرشح.
المؤسسة وجدت لخدمة القضية الفلسطينية ولا تتمتع بأي حضور في المشهد الأميركي
وكان نبيل خوري قد استقال احتجاجاً على إصرار صبحي علي، وهو طبيب جراح، على أن يتألف مجلس الإدارة من أعضاء أطباء ممن تربطه بهم علاقة قوية. ورأى خوري أن «من غير المعقول أن يكون مجلس إدارة من أطباء، كأنّ صندوق القدس نقابة أو جمعية طبية». وقد استُبدل بغادة حديد، التي قدمت اقتراحاً لكيفية استثمار أموال الصندوق في سوق الأسهم والسندات لتحقيق عائد ربحي يعين الصندوق والمركز على تغطية نفقاته، ودعت إلى ضرورة التخلص من مجموعة من الأسهم الخاسرة واستبدالها بمحافظ استثمارية أفضل. غير أن صبحي علي رفض الأخذ باقتراحها، الذي لم يقدمه إلى مجلس الإدارة، مدعياً أنه أكثر خبرة منها في شؤون الاستثمار، ما سبّب خسارة كبيرة للصندوق.
ويذكر أن أموال الصندوق تعود ملكيتها في الأصل إلى الشعب الفلسطيني، إذ إنها تستند إلى المنحة التي قدمها في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، القيادي في حركة «فتح» خليل الوزير (أبو جهاد) لكي تستخدم لتقديم مساعدات ثقافية وتعليمية واجتماعية إلى الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية عام 1948. وأسس صندوق القدس في عام 1977 الأكاديمي الفلسطيني الأميركي المعروف هشام شرابي الذي توفي عام 2005.
أما سليمان، فقد عزا استقالته إلى تعيين منيّر. وقال، في كتاب استقالته: «لقد لاقى اختياركم الأخير لمدير تنفيذي للمركز معارضة شديدة من عدد من أعضاء اللجنة نظراً لما نشره من كتابات عن مواضيع أساسية عن مسيرة الشعب الفسطيني لتحقيق حريته». وأضاف: «لقد شعرت بحاجة أن تقدّم اللجنة والسيد منيّر أيضاً تفسيراً عقلانياً مقنعاً، أو اتخاذ الخطوة المناسبة لتصحيح هذا الوضع».
وأكد سليمان لـ«الأخبار» رفضه أن يتحول صندوق القدس إلى «منبر لحملات من أجل مصالح خاصة شبيهة بما تقوم به (لجان العمل السياسي) في الولايات المتحدة». وأشار إلى أن مشكلة صندوق القدس والمركز الفلسطيني الحقيقية هي «غياب أي مرجعية أو آلية للمحاسبة أو الرقابة، والمفارقة أن هذه المؤسسة وجدت كوقفية لخدمة القضية الفلسطينية ولا تتمتع بأي حضور فعلي في الحراك الفكري والسياسي في المشهد الأميركي قياساً بمؤسسات صهيونية الهوى تتحرك بصورة مهيمنة على الخطاب والسجال السياسي المتعلق بالقضية الفلسطينية».
وقال سليمان إن «القيّمين على هذه المؤسسة يتصرفون بوصفها منبراً للوجاهة وقطاعاً خاصاً لإدارة استثمار مالي. ويحرصون على سقف سياسي ينعكس في برنامج نشاطات يغلب عليه الحياد أو إرضاء السلطات الرسمية».
ولم يتسنّ الحصول على تعليق من رئيس مجلس إدارة صندوق القدس على الاستقالة، إذ لم يرد على طلب بهذا الشأن سواء عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني.