مهدي السيدالمعادلة بسيطة: لأن بقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) على رأس السلطة الفلسطينية ضرورة إسرائيلية وأميركية، ولأن إنقاذه يحتاج إلى خطوة إسرائيلية قابلة للتسويق أميركياً وفلسطينياً، كان لا بد من دفع ثمن وهمي ما بـ «عملة الاستيطان»، يُرضي الأميركيين ويُحرج الفلسطينيين، فكانت مناورة التجميد المؤقت للاستيطان؛ هذه هي الخلاصة التي توصل اليها المراقبون الإسرائيليون في تعليقهم على قرار المجلس الوزاري المصغر للحكومة العبرية للشؤون الأمنية والسياسية بتجميد بناء المستوطنات لعشرة أشهر.
فقد تكوّن لدى الغالبية العظمى من هؤلاء المراقبين انطباعاً مفاده أن الاعتبار الرئيسي لهذا القرار، والذي أجمله رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالحفاظ على المصالح الإسرائيلية، كان إنقاذ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من السقوط، مُحدثين بذلك علاقة وثيقة بين الحفاظ عليه وبين الحفاظ على مصالح الدولة العبرية، دون أن تكون هذه العلاقة منطلقة بالضرورة من تقدير أو محبة إسرائيلية لشخص عباس، بقدر ما هي منطلقة من الدور المرغوب منه أميركياً وإسرائيلياً في هذه المرحلة بالذات.
من هنا تقاطعت التعليقات الإسرائيلية، في تفسيرها لخلفيات قرار التجميد المؤقت للاستيطان، عند محاولة إنقاذ عباس، إلى جانب اعتبارات أُخرى تصب في خانة رفع الضغوط الأميركية عن الحكومة الإسرائيلية، وتحسين صورتها في العالم، وإنقاذ حزب «العمل» من الانهيار، فضلاً عن اعتبارات استراتيجية أُخرى، أهمها توفير أرضية هادئة ومستقرة لقرارات مصيرية تجاه المشروع النووي الإيراني.
في هذا السياق، اعتبر المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت» أليكس فيشمان، أن تجميد البناء في المستوطنات هو «أنبوبة أوكسجين» أخرى في الطريق لإحياء «الأفق السياسي» الذي بدونه ستتفتت السلطة الفلسطينية. وأضاف أن الأمر لا ينبع من الشفقة على أبو مازن، ولا هو نتاج قصة حب مفاجئة بين حكومة اسرائيل والمسيرة السياسية، لافتاً إلى أنه حتى «الأيديولوجيين» المتشددين داخل المجلس الوزاري، أدركوا بأنه لا مفر، وينبغي بذل كل جهد للحفاظ على الاستقرار في المنطقة، حتى ولو كان لزمن محدود، وأنه محظور أن تنهار السلطة الفلسطينية.
ورأى فيشمان أن أبو مازن أصبح لاعباً أساسياً، وأن استقرار حكمه معناه الحفاظ على الهدوء وعلى الاستقرار اللذين يحتاجهما الجميع الى أن تتضح الأمور على الساحة الإيرانية، وأنه «حتى أولئك الذين يعارضون التنازلات السياسية للفلسطينيين يفهمون بأننا ملزمون بأن نشتري زمناً. وشراء الزمن معناه صيانة المسيرة السياسية مع الفلسطينيين».
وتحدث فيشمان عن مخاطر سقوط أبو مازن، فأشار إلى أنه حتى قبل الحديث عن صفقة الجندي الاسرائيلي الأسير لدى «حماس» جلعاد شاليط، كان التقدير في اسرائيل أن السلطة الفلسطينية لن تبقى على قيد الحياة دون أفق سياسي. وأضاف أن أبو مازن سيرفع يديه في نهاية المطاف ويعتزل. وهنا يبدأ التفتت الذي من شأنه أن يتدهور الى فوضى وانتفاضة ثالثة قد تنتهي بالنار. وتساءل فيشمان: من يحتاج الى النار عشية قرارات مصيرية في المسألة الايرانية؟.
من جهته، رأى المحلل السياسي في صحيفة «هآرتس»، عكيفا ألدار، أن الخطوة التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية، لا بأس بها، وأنها ترمي، حسب نتنياهو، الى اعادة الفلسطينيين الى الملعب السياسي. وأضاف « اذا كانت هذه هي بالفعل نيته، فقد نجح نتنياهو في أن ينقل بشكل مؤقت، الكرة الساخنة الى أبو مازن، لكنها لن تؤدي إلى استئناف عملية السلام».
ورأى ألدار أن تجميد المستوطنات في الضفة، ولو بشكل مؤقت، أصبح شرطاً ضرورياً لإنقاذ حل الدولتين والمعسكر الفلسطيني الداعم لها. وهو ضروري، ولكن بالتأكيد غير كاف.
وفي «معاريف»، أشار المحلل السياسي بن كاسبيت، إلى أنه ثمة سبب آخر لأن يكون نتنياهو راضياً، فهو وجد مرة أخرى نقطة الارتكاز بين اليسار واليمين، بين الطلب الأميركي والاستعداد الاسرائيلي، بين الإجماع والهوامش المتطرفة.
ورأى كسبيت أن نتنياهو، دحرج الكرة الى ملعب أبو مازن، وأنه يعتقد الآن بأنه سيحصل على مهلة زمنية. ويبقى على الأميركيين أن يجلبوا اأو مازن الى المفاوضات، وعندها سيتبين فعلاً إذا كان ثمة شريك فلسطيني للمفاوضات.
من جهته، اعتبر المحلل السياسي في صحيفة «اسرائيل اليوم»، دان مرغليت، أن «الخلاصة الأولية لما بعد البيان الدراماتيكي لبنيامين نتنياهو عن تجميد البناء في المستوطنات لعشرة أشهر، تقول إن المعارضة الفاترة من جانب الولايات المتحدة للاستعداد الاسرائيلي المعين لتجميد البناء في معظم المستوطنات، تشكل انجازاً اسرائيلياً جزئياً، ينقل المسؤولية عن الجمود السياسي الى عاتق الفلسطينيين، ولكن بثمن مواجهة جوهرية بين الغالبية في «الليكود» وبين اليمين الواضح».
وأضاف مرغليت أن الكرة انتقلت الان الى السلطة الفلسطينية، وأي رد عليها سيكون أفضل من الوضع الذي ساد قبل بيان نتنياهو الأخير. وتطرق إلى التداعيات الداخلية المحتملة لقرار نتنياهو، فأشار إلى أنه على الرغم من الاحتجاج المتوقع من اليمين وأيضاً في صفوف «الليكود»، فقد رسخ نتنياهو مكانته من خلال نجاحه في إقناع الوزيرين بني بيغن وموشيه يعلون (عن حزب الليكود) لتأييد مشروع قراره، بينما سمح القرار لوزير الدفاع إيهود باراك (زعيم العمل)، الذي كان عنصراً مركزياً في السعي الى قرار المجلس الوزراي، في كم أفواه خصومه في حزب «العمل» وفي اليسار الذين يقولون إنه لا غاية من انضمامه ومشاركته في الحكومة.