التزامات متقابلة ومواعيد لإقرار الموازنة وزيادة إنتاج الكهرباءمحمد زبيب
يتضمّن مشروع البيان الوزاري للحكومة الجديدة الكثير من العناوين العامّة والتفصيلية، بعضها مكرّر من البيانات الوزارية السابقة، كالبند المتعلّق بالسير في تطبيق سياسة الإصلاح الاقتصادي، التي تقدم بها لبنان إلى مؤتمر باريس III وتطويرها، وتخفيف عبء خدمة الدين العام على الاقتصاد الوطني، وخفض نسبته إلى الناتج المحلي، وإجراء عمليات الخصخصة... وبعضها مستجد، ولا يتماشى مع الأدبيات السائدة، كتوزيع منافع النمو الاقتصادي ليشمل بطريقة متكافئة، كل فئات المجتمع وكل المناطق اللبنانية، ومكافحة الفقر، وتقليص التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين اللبنانيين، وإعادة تكوين الطبقة الوسطى، ومكافحة البطالة الحقيقية والمقنّعة، ووقف هجرة الأدمغة، وتقليص العجز في مبادلات لبنان الخارجية، وتحرير موارد مالية إضافية تمكّن الحكومة من تعزيز مستوى الخدمات العامة وفاعليتها، والسعي إلى إطلاق برامج استثمارية يتطلّبها النمو ويحتاج إليها اللبنانيون...
أكثرية هذه العناوين تبدو «فضفاضة»، ويحتاج تحقيقها إلى تغييرات جوهرية في السياسات والسلوكيات القائمة، كما تحتاج بلورتها إلى وقت طويل قد يتجاوز عمر هذه الحكومة... إلا أن حضورها في البيان يعبّر عن تسويات ومقايضات بين تيّارات مختلفة، وهي تيّارات متنوّعة سياسياً لا تعبّر بالضرورة عن الانقسام الحاصل بين فريقي 8 و14 آذار، أو بين معارضة وموالاة سابقتين، أو بين أكثرية نيابية وأقلية، وبالتالي قد يتحوّل هذا الاختلاف إلى فرصة لاحقة تسمح بايجاد قاعدة تحالف مختلفة تعبّر عن مصالح اجتماعية ظلّت مستبعدة منذ إطلاق برنامج الإعمار في مطلع تسعينيات القرن الماضي، علماً أن بناء مثل هذه القاعدة دونه شروط جمّة لم تتوافر حتى الآن، وهو ما دلّت عليه مناقشات لجنة صوغ البيان، إذ جرى إسقاط طروحات ممكنة كانت تتّسم بالأهمية القصوى، كتبنّي مقرّرات المنتدى الذي نظّمه الاتحاد الأوروبي لممثلي الكتل النيابية والأحزاب والهيئات الأساسية، ولا سيما لجهة اعتماد نظام الحد الأدنى من التغطية الصحّية الشاملة لجميع اللبنانيين المموّل من الموازنة العامّة.
لقد ركّز مشروع البيان على الجوانب الاجتماعية في معظم بنوده غير السياسية، انطلاقاً من شعار يرفعه مفاده «أن أولويات المواطنين ستكون هي أولويات الحكومة»، إلا أن المضمون الفعلي لهذا البيان لم يخرج كثيراً عن السياق الذي يتعامل غالباً مع الأبعاد الاجتماعية بصفتها تابعة أو مكمّلة للبعدين الاقتصادي والمالي، بمعنى أنه لم يصل إلى المقاربة التي تبنّاها ممثلو الكتل النيابية في المنتدى المذكور، والتي تقوم على بناء برامج حكومية «جديدة» تُزاوج بين البعدين الاقتصادي ـــــ المالي والاجتماعي، فتكون الأهداف مترابطة ومتصلة، بحيث لا يتحقق هدف على حساب الآخر، ولا يكون هناك أهداف أساسية وأخرى مكمّلة.
هيكلة قطاع الاتصالات مفصولة عن الاستثمار في التطوير وترشيق الأسعار
هذا الحكم على مضمون البيان لا يقلل أبداً من عدد لا بأس به من المتغيّرات التي أُدخلت عليه بفعل النقاشات التي خاضها بعض الوزراء الجدد، فصحيح أن الصياغة التي تحكم البيان جاءت «تسووية»، إلا أنها نسفت في حالات عدّة الكثير من الأفكار السابقة التي كانت تُطرح كالمسلّمات غير الخاضعة للنقاش، فهذه الصياغة الجديدة لم تمجّد «إنجازات» وهمية كامنة وراء النمو المحقق، بل ردّته إلى استقطاب رساميل وافرة أسهمت أيضاً في خفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي وخفض معدلات الفوائد... كما لم تتحدث عن خفض الدين من الناتج المحلي كأولوية تفوق كل الأولويات الأخرى ولو أدّى ذلك إلى تدمير منهجي لكل وظائف الدولة... كما لم تتعامل مع «الخصخصة» باعتبارها هدفاً لذاته أو باعتبارها وصفة سحرية لكل المشكلات بل باعتبارها وسيلة من جملة الوسائل المتاحة، التي يمكن أن تُستخدم وفقاً للقوانين المرعيّة، والسياسات القطاعية التي تضعها الحكومة، بشرط تشجيع اللبنانيين على المساهمة فيها... والأهم أنه جرى فك الارتباط السابق بين إنجاز الخصخصة والاستثمار في تطوير البنى التحتية ومرافق الخدمات العامّة وصيانتها، ولا سيما في قطاعي الاتصالات والكهرباء، إذ التزمت الحكومة في هذا البيان بوضع برنامج للاستثمار والإنفاق العام على المدى المتوسط، بوصفه إطاراً ناظماً للسياسات القطاعية التي ستنتهجها الحكومة، بدءاً من أعمال الصيانة واستكمال الإنشاءات والتجهيزات اللازمة لتوفير الخدمات العامة، على أن يتلازم هذا البرنامج مع السياسات الاقتصادية العامة على نحو يعزز الاستقرار النقدي والمالي، ويبدو أن وزيري الاتصالات شربل نحّاس والطاقة والمياه جبران باسيل مارسا ضغطاً كبيراً لكي لا يتركا أيّ التباس في تفسير هذا النص، فانتزع الأول إقراراً بوجوب السير في اتجاهين معاً لا يعرقل أحدهما الآخر: هيكلة قطاع الاتصالات بما يتلاءم مع القوانين، ولا سيما القانون 2002/431، وبما يعزز مساهمة هذا القطاع في الإنتاج بعيداً من منطق الريع والضريبة... والسير دون إبطاء في تنمية القطاع وتوفير خدماته للجميع بجودة عالية وأسعار مقبولة... أمّا الوزير باسيل، فقد انتزع التزاماً من الحكومة بزيادة القدرة الإنتاجية بما لا يقل عن 600 ميغاواط في شكل سريع وطارئ، وفي فترة لا تتعدى نهاية 2010، وهذا التحديد الزمني قد يكون من أهم المتغيّرات قي صياغة هذا البيان، إذ نادراً ما كانت البيانات الوزارية تقرن الالتزامات بمواعيد لتنفيذها.
ولا يقتصر الالتزام بالجدول الزمني على زيادة القدرة الإنتاجية لمعامل الكهرباء، بل ينسحب أيضاً على فرض الالتزام بإقرار مشروع الموازنة في مهلة محددة، لكي تُترجم الالتزامات السابقة المذكورة، فقد ورد في البيان، لأول مرّة ربما، تعهّد بالتقدم من مجلس النواب بمشروع موازنة سنة 2010، في مهلة أقصاها نهاية كانون الثاني 2010، إلا أن المشكلة التي تعترض هذا الالتزام أنه اقترن بأسبقية إقرار مشاريع قوانين الموازنة للأعوام السابقة، التي أحالتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في ظل التشكيك في شرعيتها وميثاقيتها، إذ كان الرئيس نبيه بري يرفض تسلّم هذه المشاريع، ثم رفض طرحها على الهيئة العامّة بعد اتفاق الدوحة، مشترطاً إعادة إحالتها من الحكومة مجدداً.
(يتبع)


75 مليون دولار

هي قيمة التمويل (الأميركي) المربوط بإجراء الخصخصة من جملة تمويلات باريس III، بحسب ما كشفت عنه مناقشات لجنة صوغ البيان الوزاري، وهذا يمثّل فضيحة بحدّ ذاتها، إذ كان الادّعاء السابق يشيع بأن إجراء الخصخصة سيحرّر كل التمويلات الباقية!


مصير الزيادات الضريبية