توقّعات بتراجع النسبة إلى 4% في العام المقبل... أقلّ من معدّل المنطقةحسّن صندوق النقد الدولي توقّعاته في شأن أداء الاقتصاد العالمي بعد موجة من التراجع والترجيحات السلبيّة التي نتجت من الأزمة الماليّة العالميّة. الأفق بالنسبة إلى الشرق الأوسط يبدو أكثر متانة، وفي لبنان يتحسّن النشاط الاقتصادي بفضل قطاعي السياحة والخدمات الماليّة، وطبعاً الاستقرارين السياسي والأمني.

تعديلات إيجابيّة

يتحدّث الصندوق في تقريره الجديد «آفاق الاقتصاد العالمي ـــــ تشرين الأوّل 2009: استدامة التعافي»، عن «تحّوّل النموّ الاقتصادي العالمي إلى إيجابي بعدما أدّت مجموعة من التدخّلات الحكوميّة إلى دعم الطلب وخفض مستوى عدم اليقين والمخاطر النظميّة في الأسواق الماليّة».
ونتيجة لذلك، يعدّل الصندوق توقّعاته إيجابياً للنموّ الاقتصادي الكوني من تقلّص بنسبة 1.4% في العام الجاري إلى تقلّص بنسبة 1.1%. فيما سيشهد عام 2010 التحوّل الحقيقي من الأزمة حيث سيُحقَّق نموّ نسبته 3.1%.
وبالنسبة إلى الاقتصادات الكبرى، فالتعديلات كانت متفاوتة: الاقتصاد الأميركي سيتقلّص بنسبة 2.5% خلال العام الجاري، على أن ينمو بنسبة 1.5% في 2010. أمّا اقتصادا منطقة اليورو واليابان فسينموان بنسبة 4.2% و5.4% في عام 2009، وسينموان بنسبة 0.3% و1.7% على التوالي في عام 2010.
الانتعاش النسبي و«عودة الاقتصاد العالمي إلى التوسّع» مصدرهما «الأداء القويّ للاقتصادات الآسيويّة، إضافة إلى استقرار وتعافٍ متواضع في اقتصادات أخرى»، حسبما يقول التقرير.
وفي ما يتعلّق بمنطقة الشرق الأوسط "تحسّنت التوقّعات الاقتصاديّة مع استقرار الاقتصاد العالمي وانتعاش أسعار النفط»، رغم تلقّي الاقتصادات النفطيّة «ضربة قوّية من الركود العالمي، وبالتالي تراجع النموّ فيها تراجعاً حاداً». ففي البلدان الأخرى ذات الاقتصادات الأكثر تنوّعاً، تبدو الأمور أكثر هدوءاً بل في منحى إيجابي، بالمعنى الكمّي بالحدّ الأدنى، وخصوصاً في لبنان.

ثبات لبناني

يقول التقرير إنّ لبنان «يستمرّ بإظهار ثبات قويّ في وجه الأزمة العالميّة نظراً إلى أنّ تحسّن الأوضاع الأمنيّة فيه أدّى إلى انتعاش النشاط الاقتصادي، وخصوصاً في قطاعي السياحة والخدمات الماليّة». ويتوقّع صندوق النقد نموّ الاقتصاد اللبناني بنسبة 7% خلال العام الجاري، محافظاً على الترجيحات السابقة التي قدّمها في تمّوز الماضي. بعدما كان الاقتصاد قد نما بنسبة 8.5% و7.5% خلال عامي 2008 و2007 على التوالي.
أمّا في العام المقبل، فيرى التقرير أنّ معدّل النموّ سيتراجع إلى 4% أي أقلّ من المعدّل الذي سيُسجّل على صعيد منطقة الشرق الأوسط، والذي سيبلغ 4.2%.
وبالتالي يكون لبنان «مخالفاً»، بحسب التقرير، لنمط من النموّ سيُسجّل في المنطقة خلال العام الجاري. فالصندوق لم يعدّل توقّعاته العامّة للنموّ في المنطقة وأبقى النسبة عند 2% في العام الجاري.

معاناة خليجيّة

وبالنسبة إلى مستوردي النفط سيكون معدّل النموّ عند 4.2% أي أكثر بثلاثة أضعاف من المعدّل المسجّل للبلدان النفطيّة. ويعود هذا التراجع الحاد في نشاط مصدّري النفط إلى انخفاض إنتاج النفط وعائداته. ويلفت التقرير في هذا الصدد إلى أنّ ذلك النمط سُجّل «على الرغم من محافظة بعض البلدان النفطيّة على معدّلات النموّ ثابتة في الإنفاق العام لمساعدة القطاعات غير النفطيّة» على الانتعاش. ويوضح أنّ جزءاً من ذلك الإنفاق «تدفّق إلى باقي البلدان غير المصدّرة للنفط في المنطقة، ما أمّن دعماً مهمّاً لاقتصاداتها».
وهذا الدعم المهمّ الذي ظهر وسيظهر حتّى نهاية 2009 في لبنان مثلاً، يقابل بضعف في الاقتصادات الأكبر في الشرق الأوسط.
فاقتصادات السعوديّة والإمارات والكويت ستتقلّص بنسبة 0.9% و0.2% و1.5% خلال العام الجاري، على أن تنتعش بنسبة 4% و2.4% و3.3% خلال العام المقبل.
ولعلّ الاقتصاد الخليجي الوحيد الذي سيسجّل نموّاً مرتفعاً هو الاقتصاد القطري الذي سينمو بنسبة 11.5% و18.5 في 2009 و2010 على التوالي على صعيد آخر، يقول التقرير إنّ الضغوط التضخّمية في منطقة الشرق الأوسط تتراجع مع تراجع وتيرة التوسّع الاقتصادي. فخلال العام الماضي، سجّلت موجات ارتفاع الأسعار من لبنان إلى البحرين مستويات قياسيّة في ظلّ فورة عامّة هدأت مع اندلاع الأزمة الماليّة.
أمّا الآن، وفقاً للتقرير، «سيتراجع معدّل التضخّم في المنطقة من 15% في 2008 إلى 8.3% في 2009، وسيشهد لبنان والأردن الانخفاض الأكثر حدّة (من معدّلات فوق 10% إلى نسب بسيطة)». ويتحقّق ذلك «نتيجة تراجع أسعار واردات السلع الغذائيّة والمحروقات في هذين البلدين المعتمدين على الواردات». وفي المقابل، سيبقى التضخّم فوق 10% في مصر وإيران اللذين سينمو اقتصادهما بنسبة 1.5% و4.7% في عام 2009 و2.2% و4.5% على التوالي في عام 2010. أمّا بالنسبة إلى فائض الحساب الجاري في المنطقة فسيتراجع معدّله إلى ناتج المنطقة الإجمالي إلى 15% بسبب تراجع صادرات النفط تحديداً.
(الأخبار)


«ضربة قويّة» من الخليج في 2010؟

يرسم التقرير صورة مشرقة لاقتصادات الشرق الأوسط خلال العام المقبل، غير أنّه يحذّر من أنّ السيناريو المطروح قد ينعكس «إذا لم يكن التعافي الاقتصادي العالمي مستداماً وتراجعت أسعار النفط تراجعاً حاداً». فحدوث ذلك يؤدّي إلى «تداعيات خطيرة على مصدّري النفط وشركائهم التجاريّين في المنطقة». ويرى التقرير أنّه «بهدف تحفيز الأوضاع الماليّة، قد يحتاج مصدّرو النفط إلى تقليص الإنفاق العام». وعصر النفقات «سيؤثّر بدوره على البلدان غير المصدّرة للنفط من خلال التأثير على عامل تصدير الفوائض إلى المنطقة: تراجع حاد في تحويلات المغتربين». ويُفهم من ذلك أنّه إذا تحقّق هذا السيناريو فستكون الكلفة مرتفعة على لبنان الذي يعتمد بـ60% من تحويلاته على بلدان الخليج العربي. وقد تتحوّل «الضربة القوّية» التي تلقّتها الاقتصادات الخليجيّة في عام 2008، إلى ضربة قويّة يتلقّاها لبنان في 2010، وخصوصاً أنّ دفق التحويلات الماليّة وأموال السياحة قد ينحسر مع تقلّص البترودولارات.