«germ-x»: استيراد وتسويق وإتلاف... والرقابة مغيّبةرشا أبو زكي
دخلت منتجات «germ-x» المصنوعة في إسرائيل إلى السوق اللبنانية، عابرة كل الإجراءات الحدودية... هكذا، بسهولة لافتة، وصلت إلى المستهلك اللبناني، وعندما انكشف أمرها، سحبها المستورد من السوق وأتلفها، لكن من دون إبلاغ الأجهزة المعنية!
«الأخبار» تابعت القضية، فالمستورد ينفي علمه المسبق بأنها من صنع إسرائيلي، ومديرية حماية المستهلك وعدت بملاحقة الموضوع حتى النهاية، ومديرية الجمارك كذلك، لكن السؤال الذي لا يريد أحد أن يجيب عنه، هو كيف تدخل منتَجات إسرائيلية إلى لبنان؟ من يغطّي هذا الخرق الفاضح؟ من يريد أن يفرض التطبيع رغم أنف اللبنانيين؟
إذاً، المنتجات الإسرائيلية تغزو لبنان من دون أي متابعة من الجهات الرسمية، ومن دون أي محاسبة للمتورطين في التعامل التجاري مع إسرائيل. ففي الآونة الأخيرة، كُشف عن سلع ومنتجات إسرائيلية كثيرة تُسوَّق في كل المناطق، لكن لا أحد تحرّك، بل جرى التستّر على المتورطين بهذه التجارة «العميلة».
آخر الاكتشافات، اكتشاف منتجات تحمل العلامة التجارية germ-x، التي دخلت إلى الأسواق المحلية وهي مدموغة بعبارة «صنع في إسرائيل» و«على عينك يا تاجر». وفي التفاصيل، أن مواطنين تنبّهوا إلى نوع من المحارم الورقية الرطبة المضادة للبكتيريا، تحت اسم «germ-x» تباع في فروع احدى الشركات الكبرى في بيروت (الصورة). وهذا المنتَج مؤلف من «كيس» يحوي مغلفات صغيرة من المحارم، كتب على الـ«كيس» من الخارج أنه صُنع في الولايات المتحدة الأميركية، فيما كُتبت على المغلفات الصغيرة داخل الـ«كيس» عبارة «صنع في إسرائيل»! كيف دخل هذا المنتج إلى لبنان؟ كيف بيع للمستهلك؟ ما هو دور الأجهزة الرقابية في مواجهة الغزو الإسرائيلي للسوق اللبنانية؟ الأجوبة كالعادة تقوم على رمي مسؤوليات كل جهاز على الآخر!
فور انتشار الخبر، سارعت الشركة صباح أمس إلى سحب هذا المنتَج من على رفوف فروعها، لكنها لم تبلّغ مكتب مقاطعة إسرائيل ولا الأجهزة المعنية أو الأجهزة الرقابية في وزارة الاقتصاد، بحسب ما يؤكد مدير مديرية حماية المستهلك فؤاد فليفل لـ«الأخبار». ويقول أحد مديري الشركة لـ«الأخبار» إن الشركة لم تكن تعلم أن هذا المنتَج إسرائيلي، وخصوصاً أنه مطبوع على الغلاف الخارجي للمنتَج «صُنع في الولايات المتحدة الأميركية»، وفور تبليغ الشركة بماهية المنتج سُحب من فروعها وأُتلف... موضحاً أن الشركة تستورد عادة بضائع من الولايات المتحدة الأميركية، وقد استوردت هذا المنتج من دون أن تفحصه من الداخل، وبالتالي فهي كانت تجهل أن مصدره إسرائيل.
فليفل: لا يستطيع مراقبو الوزارة الكشف على كل السلع بسبب قلّة عددهم
لكن كيف استطاعت الشركة استيراد هذا المنتج؟ إذ من المعلوم أن المواد الاستهلاكية تخضع (على الأقل نظرياً) للرقابة من جهات متعددة، تبدأ بالجمارك وتمرّ بمديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد لتصل إلى الأجهزة الأمنية المكلفة متابعة المخالفات... لكن الواضح أن هذه الأجهزة ضعيفة جداً أو فيها متورّطون يغطّون هذا النوع من التجارة... إذ تشهد السوق اللبنانية منذ فترة فلتاناً غير مسبوق، وهو ما لاحقته «الأخبار» منذ حزيران من عام 2008 عندما نشرت تحقيقاً عن نوع من السكاكر الإسرائيلية يباع في أسواق طرابلس، ومنذ ذلك الحين لم تسأل أي جهة عن هذا الخرق الاقتصادي الإسرائيلي للسوق اللبنانية، واستمر الخرق بأصناف أخرى كان آخرها سجائر «ونستون» مصنوعة في إسرائيل، فاتساع هذه الظاهرة لم يعد محصوراً بـ«خطأ» أو «تقصير»، بل بات يفتح المجال لأسئلة جدية تتعلق بمدى وجود شبكات تعمد إلى إدخال البضائع الإسرائيلية إلى لبنان بتسهيلات من بعض الأجهزة.
في هذا الإطار، يؤكد مصدر رفيع في المديرية العامة للجمارك أن المديرية تؤدي واجباتها في ما يتعلق بمراقبة الواردات، إلا أن 70 في المئة من البضائع تمرّ عبر البيان الجمركي الأخضر، وهو الذي يسمح لها بالدخول من دون رقابة إلى لبنان، فيما 30 في المئة من البضائع تمرّ عبر البيان الجمركي الأحمر الذي يخضعها للتفتيش والمراقبة. ويشرح المصدر قائلاً إن بعض البضائع توضع على البيان الأحمر إذا أثيرت حولها شكوك محددة، بحيث تُحوَّل إلى دائرة البحث عن التهريب، ويجري التحقق من نوع هذه البضائع عبر دراسات تحليل المخاطر التي تتصف بالدقة في التفتيش. ويشير المصدر إلى أنه «لا يمكن أن يكون أفراد في الجمارك متواطئين مع التجار لإدخال بضائع من دون رقابة مقابل رشوات»! ويلفت إلى أن التجار يحاولون التحايل على القوانين بشتى الطرق لكسب المزيد من الأرباح، بحيث يشترون السلع الأرخص مهما كان بلد المنشأ، حتى لو كان إسرائيل. ويرى المصدر أن الرقابة يجب أن تكون «في الداخل»، أي من أجهزة وزارة الاقتصاد، بحيث تُصادَر البضائع المشكوك بأمرها عند القيام بالدوريات اللازمة على الأسواق.
إلا أن المدير العام لمديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، فؤاد فليفل، يشير إلى أن عملية مراقبة البضائع المستوردة إلى لبنان هي من مهمات الجمارك التي تكشف على الحاويات والبضائع وتعطي الإذن بدخولها إلى لبنان. ويشير فليفل إلى أنّ من المحتمل أن يكون المنتَج الإسرائيلي «germ-x» قد دخل ببيان جمركي أخضر عبر الجمارك وفق نظام «نجم» الذي وُضع لتسريع المعاملات الجمركية، ومن المحتمل كذلك أن يكون قد دخل عبر البيان الأحمر «وفي الحالتين، المسؤولية تقع على الجمارك». لكن في هذه الحالة، ألا تقع المسؤولية على مديرية حماية المستهلك في مراقبة السلع الاستهلاكية بعد دخولها إلى لبنان؟ يجيب فليفل بأنّ المديرية تجري التحقيقات المطلوبة بعد إبلاغها عن خروق محددة، إذ لا يمكن أن تراقب المديرية جميع السلع الواردة إلى لبنان، وخصوصاً أنها لا تضم في ملاكها سوى 107 مراقبين في كل لبنان، فيما فرع واحد في الشركة المعنية يعرض أكثر من 26 ألف سلعة. ويشير فليفل إلى أن المديرية تعلن أنها ستفتح التحقيقات اللازمة وسترسل كل المعطيات إلى النيابة العامة، لمعرفة كيفية دخول هذا المنتَج إلى السوق اللبنانية ومَن يستورده ويوزعه، وأين وُضع هذا المنتَج بعدما سُحب من السوق.


1 موظف

هو عدد الموظفين في مكتب مقاطعة إسرائيل في وزارة الاقتصاد والتجارة في لبنان، بحيث لم يوظّف أي شخص آخر في المكتب منذ فترة طويلة، ومهمة الموظف، وهو هيثم بواب، ليست تنفيذية، بل يمثّل صلة الوصل مع مكتب مقاطعة إسرائيل الرئيسي في دمشق


... إلى مقاطعة إسرائيل!