غزة ــ أسماء شاكروبما أني لا أثق برقة ساعات المنبه، القابلة للكسر، على إيقاظي، أضطر لمكافحة النعاس بمطارَدات البعوض البوليسية وعدّ الصراصير. وقد أحتاج إلى غسلِ وجهي بمعطر الغسيل، لأستوعب أن الساعة تجاوزت توقيت نومي، وأنني في يوم آخر! ثم أبدأ رحلة البحث عن الجوارب والمفاتيح والكريم الواقي من الشمس، إضافة للتأكد من وجود قائمة الحاجات الأساسية في حقيبتي، وخاصة مسكّن الصداع ومضاد الحساسية ودواء المعدة، قبل أن أغادر بلاطات الشارع، معترضة أول سيارة أجرة. لكن السائق «الرواق» يبرر، متأففاً من أزمة الفكة، قطعة البسكويت التي أعطاني إياها بدلاً من النصف شيكل الباقي لي في ذمته، بعدما استثمر حل الأزمة بمعادل دكان صغير للركّاب في سيارته!
وعلى عجل أصل إلى «البلد»، أنتظر «ميكروباص» ليقلني، يحفظ كبير السائقين وجهي، يعلق ضاحكاً وأنا أتفحص الكاراج باحثة عن سيارة ممتلئة ومستعدة للانطلاق: «دايماً مستعجلة». وطبعاً لا يخلو الأمر من انتظارات أخرى في الـ42 كيلومتراً ما بين رفح وغزة، فقد يوقفنا شرطي متأملاً وجوهنا، باحثاً عن وجه إجرامي، يشي بجماعة ما تشبه عصابة «جلجت» أصحاب الإمارة الإسلامية، أو نتوقف للتضامن مع سيارة الشحن التي كانت محملة بصناديق البندورة، قبل أن تسقط على الأرض، لنلقط الحبات الحمراء متأثرين بالحادثة المؤلمة. وغالباً ما يستبد النوم بشاب جواري، فيميل برأسه على كتفي، فأضطر لإيقاظه بعصبية: «يا أخ لو سمحت»، ليغير موضع رأسه.
أصل غزة بعد خضخضة الطريق المليئة بالمطبات والمراجيح، أتجاوز بائعي العلكة الصغار، طابور المطالبين بسندويتشات الفلافل عند مطعم أبو السعيد، مسيرات الاحتجاج، احتفالات الأحزاب العظيمة بذكرى انطلاقاتها، اعتصامات الأسرى والمعتقلين وفاقدي الهوية. أتعثر على درج الجامعة، أُطرد من المحاضرة، يدوس أحدهم على قدمي، تنقطع الكهرباء، أعلق في المصعد، تعتذر موظفة البنك ببلاهة عن تأخر وصول الحوالة المالية، أعتذر عن مقال البارحة. أنتظر «ميكروباص» آخر لأعود إلى الجنوب، أعدّ المخيمات على الطريق، يهتز رأسي بالمطبات، توقظني الفتاة جواري: «يا أخت لو سمحتِ!».