هو استديو للإنتاج الفني والسينمائي، لكن ليس بالمفهوم المتعارف عليه. وربما بسب اختلافه الذي فرضه مولده على هامش المجتمع، يصبح شيئاً فشيئاً متنفساً إبداعياً لحاجات أهل المخيم
علاء العلي
132 شخصاً، شهران من العمل، 20 دولاراً ومعدات مستعارة للصوت والتصوير، والنتيجة فيلم مدته دقيقة واحدة. في الفيلم، لخص أهالي مخيم شاتيلا 60 عاماً من النكبة من خلال تفاصيل حياتهم اليومية. أما الإنتاج؟ فلاستديو المخيمات. الاستديو غير موجود في المفهوم المتعارف عليه. أي إنك إذا قصدت التوجه إلى الاستديو فلن تجد مركزاً ثابتاً أو مقراً أو تركيبة إدارية. فمنعاً لضياع الإبداع في مشاكل بيروقراطية قد تعانيها فيما لو كنت تملك مؤسسة أو شركة، قرر مؤسسو الاستديو عدم إيجاد مركز ثابت لهم. ومع ذلك فإن الاستديو غير الموجود، موجود، وفي المخيمات الفلسطينية كلها. لا بل إنه ساهم حتى الآن في إنتاج أكثر من 20 فيلماً قصيراً خلال السنوات الخمس الماضية، في مختلف المخيمات الفلسطينية. إضافة إلى إصدار ألبومات موسيقى الهيب هوب وتصميم المواقع على الإنترنت. كل مشروع يبدأ من خلال جلسة، يطرح ضمن دائرة ضيقة ثم يناقش لجهة مدى ابتكار فكرته وطريقة التنفيذ. يتوجه بعدها أصحاب الفكرة لتوسيع الدائرة لإشراك أكبر عدد من سكان المخيم المستهدف. فالفيلم سيتحدث عن المجتمع والمساهمة المجتمعية ضرورية، لا بل تعدل التفاصيل وفقاً لملاحظات الأهالي، حتى وصل عدد المشاركين في فيلم «لن أرمش» ومدته 5 دقائق إلى 300 شخص. الفيلم أنتج بداية عام 2006 في مخيم القاسمية، حيث ينحدر السكان هناك من جذور بدوية ويتمسكون بثقافتهم. ولذلك كان الفيلم عبارة عن تطويع للتقنية في خدمة الثقافة المحلية. وهو هدف نريد تعميمه. ويساعد «خبراء» الاستديو بتدريب الراغبين بتطويع التقنية في خدمة الثقافة، والتعايش مع الأوضاع الطارئة. من هنا كان التعايش مع عدوان تموز سهلاً. فلم يتوقف العمل بل تحولت الأولويات. هكذا، ساهم الاستديو بمساعدة النازحين بإعداد تقارير صوتية يومية عن الحرب أرسلت للخارج وبثت في أنحاء العالم عبر الراديو. بنهاية الحرب انطلق العاملون إلى جنوب لبنان حيث عمل مدربون فنيون فلسطينيون على تدريب لبنانيين لإنتاج 6 أفلام خلال أسبوعين. وساهمت حماسة العائدين، إضافة إلى رغبتهم بالحديث عن العدوان وتمسكهم بالمقاومة، في تسريع العمل. والمقاومة هنا لا تعني المقاومة العسكرية من دون ارتباطها بالمقاومة الثقافية والفنية. من هنا، جاءت فكرة الأفلام القصيرة. فبينما تحاول الدعاية التجارية الترويج لسلعة خلال ثوان، بإمكانك أيضاً أن تطرح فكرة في ثوان. والمشروع لا يحمل أي أهداف تجارية، إذ إن الإنتاجات توزع مجاناً، أو تعرض في أماكن عامة حيث أنتجت، إضافة إلى تحميل الإنتاجات عبر شبكة الإنترنت. صحيح أن الأفلام وصلت إلى مهرجانات عالمية، إلا أن هذا ليس هدفاً بحد ذاته. من هنا أيضاً الانتماء إلى الحركة التجريبية التي اتبعت في الاتحاد السوفياتي واليابان وأميركا اللاتينية لتواجه الفن الغربي التجاري ذا الأبعاد العنصرية. هذه الحركة تسعى لطرح الأفكار بطريقة مختلفة. ففيما يمر خبر المساعدات الأجنبية مرور الكرام في الإعلام عادة، رأى العاملون في الاستديو أن هذه المساعدات ليست بريئة. فليس من المعقول لمن يرسل القنابل والصواريخ للعدو أن يرسل المساعدات للضحايا. ولذلك أُنتج فيلم مساعدات للأجنبي (وترجم عنوان الفيلم بالإنكليزية إلى أكاذيب الأجنبي). فلم تعد صورة أطفال مخيم جنين وهم يدوسون على المساعدات الأميركية بعيد تدمير مخيمهم في عام 2002 يتيمة.


الإعتماد على الذات

يستمر عمل مجموعة من الشباب الفلسطيني، إضافة إلى مشاركة لبنانيين من الضواحي، معتمدين على معدات بسيطة صنع بعضها يدوياً. إضافة إلى اعتمادهم على مداخيلهم الشخصية محاولين خلق أسلوب إعلامي جديد في طرح القضايا الاجتماعية والسياسية. وليس من الغريب أن تكون المخيمات الفلسطينية صاحبة هذه المبادرة. فمعظم حركات التغيير الفكرية والثقافية جاءت من الطبقات المعدومة. فهذه الطبقات هي التي تسعى إلى التغيير فيما النخب مرتاحة لاستمرار الوضع القائم.