الاحتلال يهاجم المصلّين ويقمع المعتكفينالقدس المحتلة ــ فراس خطيب
كانت القدس المحتلة أمس على موعدٍ مع الصراع. فالممارسات الإسرائيلية بحقّ المقدسات الإسلامية والمعالم الحضارية تجلّت بشكلها العنيف. فقد شهدت شوارع البلدة القديمة مواجهات واعتقالات لمنع زيارة مرتقبة لبعض المستوطنين لباحة الأقصى.
ومع إطلالة عصر أمس، ساد الهدوء، وسمحت الشرطة بدخول مصلين فوق سنّ الخمسين إلى المسجد وخروجهم، لكنّ الأجواء ظلّت مشحونة وقابلة للاشتعال في أي لحظة. ولم تؤدّ مواجهات أمس إلى اندلاع انتفاضة ثالثة، لكنََّها بالتأكيد تعيد المتأمل للمشهد الفلسطيني إلى بداية الانتفاضة الثانية، حين اقتحم رئيس المعارضة أرييل شارون، ومجموعة من اليمينيين باحة المسجد نهاية أيلول من عام 2000، ما أشعل فتيل المواجهات في كل المدن والقرى الفلسطينية، داخل الخط الأخضر وخارجه.
قصة المواجهات بدأت أول من أمس، حين اعتكف عدد من المصلين الفلسطينيين داخل المسجد لمنع مجموعات استيطانية كانت تنوي دخول باحة المسجد الأقصى تحت حماية الشرطة الإسرائيلية خلال أيام عيد العرش اليهودي، الممتد بين أمس الأحد والخميس المقبل. وبحسب شهود عيان لـ«الأخبار» فإنَ قوات كبيرة من شرطة الاحتلال دهمت المعتكفين في الليلة الفاصلة بين السبت والأحد وطالبتهم عبر مكبرات الصوت والتهديد بمغادرة المسجد «لكنَّ إرادتهم أبقتهم هناك».
في صبيحة أمس، أغلقت الشرطة الإسرائيلية كل الأبواب المؤدية إلى المسجد، ومنعت كافة المصلين من الدخول وطالبت بخروج مَن بداخله ومنعت أيضاً طلاب المدارس من الوصول إلى روضاتهم وصفوفهم الموجودة في باحة المسجد، كذلك منعت العاملين والحرّاس، وحتى الأوقاف، من دخول المسجد. وقال شهود عيان إنَّ «عدداً من المستوطنين كانوا يقفون عند باب المغاربة ينوون الدخول إلى المسجد».
وأدَّى منع المصلين من الوصول إلى الأقصى إلى حالة من الاحتقان، واندلعت المواجهات بين شرطة الاحتلال والمصلين عند باب الأسباط وباب السلسلة وعلى مقربة من بلدة سلوان، أطلقت سلطات الاحتلال خلالها الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع، ما أدّى إلى جرح عددٍِ من الفلسطينيين. كذلك حلقّت مروحيات الشرطة في سماء القدس، وتمترس عدد من القناصة على الأسوار. وصرّح أحد المقدسيين قائلاً: «كنا نريد أن نصلي في الأقصى وسلطات الاحتلال تمنعنا من دخوله وممارسة حقنا الطبيعي»، مضيفاً أن «الإسرائيليين يريدون إبعادنا لفرض إرادتهم وإفساح المجال أمام المستوطنين لدخول الأقصى».
وقالت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث إن شرطة الاحتلال عرقلت أيضاً دخول العديد من الحافلات، التي تنقل المُصلين من قرى الداخل ومدنه. وأوضحت، في بيان، أن شرطة الاحتلال وضعت حواجز في شارع وادي عارة بالقرب من مدينة أم الفحم وقرية برطعة، واحتجزت حافلات تنقل المصلين من منطقة الناصرة وحيفا إلى المسجد الأقصى بنيّة أداء صلاة الفجر. وحاول عدد من المصلين الذين كانوا في داخل الحافلات الوصول إلى القدس مشياً على الأقدام.
ومع نهاية يوم المواجهات، اعتقلت الشرطة أربعة فلسطينيين، بينهم وزير شؤون القدس السابق في السلطة الفلسطينية حاتم عبد القادر، الذي طالبت النيابة العامة الإسرائيلية تمديد اعتقاله. واعتقلت الشرطة نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل، الشيخ كمال خطيب، وحوّلته النيابة العامة إلى المحكمة، مطالبة بإبعاده عن القدس لمدة شهر.
وقال رئيس الهيئة الإسلامية العليا، خطيب المسجد الأقصى، الشيخ عكرمة صبري: «إن الوضع في البلدة القديمة ومحيط المسجد الأقصى مشوب بالحذر والتوتر لانتشار قوات كبيرة من الشرطة الإسرائيلية وحرس الحدود والقوات الخاصة»، مشيراً إلى أن ما يحدث في المسجد الأقصى هو «نتيجة طبيعية لعدم نجدة العرب والمسلمين جميعاً لإخوانهم الفلسطينيين، وبالتالي عدم الحفاظ على المسجد من الاعتداءات الصهيونية»، مطالباً إياهم بـ«تحمّل مسؤولياتهم إزاء ما يجري ويستهدف مسرى الرسول محمد وأولى القبلتين».
كذلك أصدرت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية الفلسطينية بياناً، عبرّت فيه عن استنكارها وتنديدها وعن رفضها القاطع لما جرى أمس من اعتداءات إسرائيلية على المسجد الأقصى. وبينّت اللجنة أن مثل هذه الممارسات «تندرج في سياق مجمل السياسة الإسرائيلية للمسّ بالأقصى وبجميع الشواهد الوطنية والقومية والحضارية والدينية للشعب الفلسطيني، ولا سيما في القدس المحتلة».
وأضاف البيان أن «مثل هذا العدوان المتكرر والمتصاعد على أحد أبرز الشواهد الوطنية الفلسطينية يؤكد أن كل ما هو فلسطيني وعربي من ذاكرة ومعنى وقيمة حضارية وإنسانية في خطر، ما يتطلب منا كما من غيرنا التحذير من مغبة العبث في هذه المساحات».
بدوره، قال رئيس الحركة الإسلامية الشمالية، الشيخ رائد صلاح: «نحن في أجواء مشحونة باعتداء متواصل من قوات الاحتلال الإسرائيلي، ومشحونة بمحاولات متواصلة من سوائب المستوطنين لاقتحام المسجد الأقصى، ونحن في موقف بات فيه المئات منا يرابطون في المسجد الأقصى بنيّة الاعتكاف لأيام وأسابيع متواصلة في الأقصى». ودعا «كل واحد من أهلنا في القدس والداخل الفلسطيني أن يحاولوا فوراً الوصول إلى المسجد الأقصى وأن ينضموا إلى مئات المعتكفين فيه، إلى أن تنجلي الأمور قريباً بإذن الله تعالى».


تحذير من «مجزرة»وأضاف حسين أن المسجد تحول إلى قنبلة موقوتة، وأن الاحتلال يحاول إفراغ المسجد الأقصى من أي مدافع عنه، ليسهّلوا دخول المتطرفين إلى باحاته، لتأدية شعائرهم وطقوسهم فيه.
(وفا)