3.3% من لاجئي العالم لبنانيونيُطلق برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي في بيروت اليوم «تقرير التنمية البشريّة ــ 2009»، الذي يعالج للمرّة الأولى منذ بدء إعداده في عام 1990، الهجرة ودورها التنموي. معالجة تعني لبنان بالدرجة الأولى لاعتماد هذا البلد على الخارج في عيش مواطنيه وتمويل حاجات حكومته!
تراجع لبنان 3 مراتب في دليل «التنمية البشريّة ـــــ 2009»، وحلّ في المرتبة الـ83 بين 183 بلداً. وإذ بقي في مجموعة الدول التي تعدّ ذات «مؤشّر تنمية بشرية مرتفع» (بين 0.8 و0.9)، إلا أنّ وضعه لا يزال هشّاً في هذا الإطار، إذ يبلغ مؤشّره 0.803، وهو البلد الأخير في هذه المجموعة، وقد ينزلق بسهولة إلى مجموعة البلدان ذات مؤشرات التنمية البشرية المتوسّطة (بين 0.7 و0.8).
ولدى إعداد الدليل، جرى الاستناد إلى ثلاثة مؤشّرات: الأوّل هو «الحياة الطويلة والصحّية المقيسة بمعدّل الحياة الصحّية عند الولادة». الثاني هو «إمكان الولوج إلى المعرفة»، ويُحدّد هذا المعيار بحسب مؤشّرات تعليم البالغين والمعدّل الإجمالي لانخراط الطلّاب في المدرسة. أمّا المؤشر الثالث، فهو «مستوى عيش محترم»، ويقوَّم على أساس مؤشّر حصّة الفرد من الناتج المحلّي الإجمالي ومعيار القدرة الشرائيّة (بالدولار).

محور التنقّل

ويحمل التقرير هذا العام عنوان «التغلّب على الحواجز: قابليّة التنقّل البشري والتنمية». فأهميّة هذا الموضوع تزداد مع تكرّس أنماط العولمة والفروق الاقتصاديّة والاجتماعيّة بين الأقاليم المختلفة. حيث يُضطرّ البعض إلى الهجرة لتحسين مستوى معيشتهم.
وفي هذا الصدد، يقول التقرير: «عندما يتحرك الأشخاص، يبدأون في رحلة يصاحبها بريق الأمل وتحفّها ظلمة عدم اليقين، سواء كانت داخل الحدود الدولية أو عبرها»، ويضيف: «إن معظم الناس يتحرّكون سعياً إلى الحصول على فرص أفضل، آملين دمج مواهبهم الشخصية مع الموارد التي يوفرها بلد المقصد، بغية جلب المنفعة لأنفسهم ولأفراد أسرتهم الأقربين الذين غالباً ما يصطحبونهم أو يلحقون بهم. فإذا أبلوا بلاءً حسنًا، فقد تعود مبادرتهم وجهودهم بالنفع على هؤلاء الأفراد».
وتكرّست هذه الظاهرة في لبنان المشهور بمعدّلات هجرته المرتفعة التي أسهمت إلى حدّ كبير في توفير المقوّمات اللازمة لفئة كبيرة من الشعب من خلال التحويلات التي وصلت قيمتها إلى حوالى 6 مليارات دولار في عام 2008 (5.7 مليارات دولار في عام 2007 بحسب التقرير)، وحتّى للدولة التي تعتمد في تمويل احتياجاتها على الودائع في المصارف المحلّية، التي تنتعش بانتعاش أوضاع المغتربين في أصقاع الأرض، وتعتمد كذلك في نظامها الضريبي على ضرائب الاستهلاك الذي بات يرتبط بجزء مهم منه بتحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج.
وعموماً، يبحث تقرير التنمية البشرية لعام 2009 «كيف يمكن سياسات أفضل، موجهة نحو التنقل البشري، أن تعزز التنمية البشرية». ويعرض طروحاته للحل على الحكومات «بغية الحد من القيود التي تعوق التحرك داخل حدود الدول وخارجها، لتوسيع دائرة الاختيارات والحريات البشرية».
كذلك يؤكد، وفقاً لمقدّمته التنفيذيّة، ضرورة «اتخاذ تدابير عملية يمكنها تحسين فرص النجاح عند الوصول إلى بلد المقصد، ما يجلب بدوره منافع عظيمة لمجتمعات المقصد وأماكن المنشأ على حد سواء».
وفي فصل «الحريّة والتحرّك: كيف يمكن للانتقال أن يعزّز التنمية البشريّة»، يستشهد تقرير البرنامج الإنمائي بالتجربة اللبنانيّة على صعيد دور عودة المغتربين، بعد انتهاء الحرب الأهليّة، ويقول: «بعد اتفاق الطائف في عام 1989 أُلِّفت قوى سياسيّة جديدة حيث استخدم المغتربون العائدون ثروتهم التي حصّلوها في الخارج للانخراط في الحياة السياسيّة».
فالتنقّل، وفقاً للتقرير، يستطيع أن «يؤثّر بالحياة الاجتماعيّة والسياسيّة في البلاد الأصليّة بالمعنى الواسع». ويمكن «المهاجرين وأولادهم أن يعودوا إلى بلادهم ويتعاطوا الشؤون السياسيّة أو المدنيّة». في المقابل، إنّ «استثمارات الأعمال والزيارات المكثّفة أو المبادرات الجماعيّة تستطيع التأثير على أنماط المشاركة التي كان الآخرون في الموطن يتمتّعون بها».

أرقام... وإصلاحات

وبالعودة إلى المؤشّرات التي يتميّز تقرير عام 2009 بعرضها، تظهر في لبنان بعض الأرقام المثيرة. فقد ارتفع عدد النازحين والمهاجرين إلى لبنان (بداعي العمل والاستقرار) من 151.4 ألف نسمة في عام 1960 إلى 721.2 ألف نسمة في عام 2005، ممثّلاً 17.7% من عدد السكّان الإجمالي.
ويتوقّع التقرير أن يرتفع الرقم بحلول عام 2010 إلى 758.2 ألف نسمة، ما يعني أن معدّل النموّ سيبلغ خلال 50 عاماً 400%، فيما معدّل النموّ السنوي يبلغ 3.5%.
وعلى صعيد الهجرة من لبنان، لا يقدّم التقرير أرقاماً جديدة، ويكتفي بالإشارة إلى أنّ معدّل هجرة اللبنانيّين بين عامي 2000 و2002 بلغ 12.9% من عدد السكّان.
أمّا بالنسبة إلى توزّع اللبنانيّين في الخارج، فيتّضح، بحسب التقرير، أنّ 31.2% من المهاجرين اللبنانيّين موجودون في أميركا الشماليّة و22.7% في أوروبا. أمّا في أفريقيا وآسيا ومنطقة أميركا اللاتينيّة والكاريبي وأوقيانيا، فتبلغ النسبة 10.3% و18.6% و4.8% و12.5% على التوالي. ويبلغ عدد المهاجرين اللبنانيّين في مجموعة بلدان مجلس التعاون الاقتصادي والتنمية (البلدان الغنيّة) 335.5 ألف نسمة. وتبلغ نسبة الأفراد الذين لم يتخطّوا مرحلة التعليم المتوسّط بينهم 33.8%، فيما تبلغ نسبة الذين أكملوا مرحلة التعليم العالي 30.9%.
وعلى صعيد حركة اللجوء، يرصد التقرير 466.9 ألف لاجئ لبناني ينتشرون حول العالم، ويمثّلون 3.3% من مجمل اللاجئين في العالم. وهو معدّل مرتفع يعكس ارتفاع مستوى «الهجرة التي يحفّزها الصراع أو فقدان الاستقرار». وقد عانى لبنان في هذا الإطار الأمرّين منذ سبعينيّات القرن الماضي.
هذه الأرقام التي يطرحها التقرير (عُرض هنا بعض ما يخصّ لبنان منها) أساسيّة لاتّباع استراتيجيات مستقبليّة للتأثير على مؤشّرات التنمية من خلال تعديل المفاهيم الخاصّة بآليّات الهجرة.
وفي هذا الإطار، يُلقي التقرير الضوء على «ستّة توجيهات رئيسية للإصلاح»، وهي: فتح قنوات الدخول القائمة لكي يستطيع المزيد من العمال الهجرة إلى الخارج، كفالة الحقوق الأساسية للمهاجرين، تقليل حجم التكاليف المقترنة بعملية الهجرة، إيجاد حلول تعود بالنفع على المهاجرين ومجتمعات المقصد التي تستقبلهم على حد سواء، جعل التحرك أيسر على الأشخاص داخل بلدانهم الخاصة، وتعميم الهجرة في استراتيجيات التنمية الوطنية، وهي جميعها أمور تقوم بإسهامات هامة وتكميلية للتنمية البشرية.
(الأخبار)


%70 من التحويلات مصدرها الغرب

يخالف التقرير الاعتقاد السائد القائل إنّ أكثر من 50% من التحويلات إلى لبنان مصدرها منطقة الخليج العربي. ويوضح أنّ 36.7% من التحويلات إلى لبنان مصدرها أميركا الشماليّة و33.1% مصدرها أوروبا. كذلك يشير إلى أنّ معدّل التحويلات إلى المساعدات الرسميّة يبلغ 229% وإلى الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة يبلغ 202%.


200 مليون نسمة

هو عدد المهاجرين الدوليّين في العالم، ويمثّل 3% من سكّان الأرض. وهذه النسبة بقيت ثابتة إجمالاً خلال السنوات الـ50 الماضية.


5 في المئة

هي نسبة اللاجئين السياسيّين في العالم من إجمالي المهاجرين. فقد بلغ هذا العدد 14 مليون لاجئ يعيش معظمهم على مقربة من بلادهم الأصلية.