انتعاش احتياطات مصرف لبنان وتوقّعات بضمور الطلب الاستهلاكي
حطّم سعر الذهب أمس، الرقم القياسي الذي سجّله في الجلسة السابقة، وتجاوز 1048 دولاراً للأونصة في ظلّ تراجع سعر صرف الدولار وخوف المستثمرين من مستقبل العملة الخضراء بوصفها عملة احتياط عالميّة، وتحديداً بعد التقارير عن إمكان الاستغناء عنها في التعاملات النفطيّة.

تأثير ثنائي

ولهذا التطور تأثير ثنائي على لبنان. فمن ناحية، هناك التعاملات التجاريّة التي ستتأثّر جرّاء ارتفاع السعر، حيث يبلغ سعر الغرام الواحد وفق المستوى القياسي الذي سُجّل أمس 37 دولاراً.
وتفيد معظم تحليلات السوق حالياً بأنّ سعر الذهب فوق حاجز 1000 دولار للأونصة، أي 35.3 غراماً، يقوّض طلب المستهلكين الذين يتوقّعون تراجعاً في المستقبل. ويبقى أنّ المستفيدين هم الذين يقرّرون البيع. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ من يتأثّر بهذا السعر القياسي للذهب (من دون حساب معادل التضخّم طبعاً) هم الذين يتعاملون به بالدولار. فعلى سبيل المثال لا تزال أسعار الذهب المقوّم بالين أقلّ بكثير من مستوياتها القياسيّة. كذلك فإنّ الذهب المتعامل به بالدولار الأوسترالي يبقى أقلّ بنسبة 20% عن المستوى المسجّل في آذار الماضي.
وعلى صعيد آخر، هناك التأثير الإيجابي على احتياطات الذهب الرسميّة التي يملكها مصرف لبنان. فحجم تلك الاحتياطات يفوق 260 طنّاً، حيث يملك لبنان 9.2 ملايين أونصة. ووفقاً للمستوى الذي سجّله سعر أونصة الذهب أمس، تكون قيمة الاحتياطات قد ارتفعت إلى 9.64 مليارات دولار، ما يمثّل دعماً لميزانيّة مصرف لبنان وللموجودات بالعملات الأجنبيّة التي أضحت قيمتها تفوق 25 مليار دولار.

معطيات غير مؤكّدة

من المعروف أنّ المتعاملين في السوق يهرعون إلى شراء الذهب لكونه ملجأً آمناً حين تكون المعطيات في السوق غير مؤكّدة. فعلى الرغم من انتعاش تداولات الأسهم منذ بداية العام الجاري وارتفاع أسعار النفط، أدّى ضعف الدولار إلى توالي عمليّات شراء المعدن الثمين.
ففي وسط جلسة التداول في الأسواق أمس، وصل سعر صرف اليورو أمام الدولار إلى 1.4736 ليعود وينخفض نسبياً إلى 1.4674 في وقت لاحق. وأمام الين نزل سعر الدولار إلى 88.23 يناً مقارنة بـ88.82 يناً بنهاية جلسة التداول أوّل من أمس.
وعلى الرغم من أنّ هذا السعر يمثّل حافزاً لشراء البضائع الأميركيّة في بقيّة أنحاء العالم، فإنّه يُحدث ضغوطاً على العملة الخضراء على الصعيد النقدي، ويؤثّر مباشرة على سوق السلع والمواد الأوليّة.
وكانت العملة الأميركيّة قد تلقّت صفعة قويّة أوّل من أمس، إثر تقرير نشرته صحيفة «The Independent» البريطانيّة قالت فيه إنّ البلدان العربيّة الخليجيّة، التي تعدّ قلب منظّمة الدول المصدّرة للنفط «أوبك»، تجري محادثات سرّيّة مع بلدان كبرى مصدّرة ومستوردة للنفط، هي الصين وروسيا واليابان وفرنسا، لبحث إمكان استبدال الدولار في التعاملات النفطيّة، بسلّة من العملات تضمّ اليورو والين والعملة الخليجيّة المرتقبة.
هذه الأخبار الصحافيّة أدّت إلى تراجع سعر الدولار أمام العملات الأخرى. غير أنّ البلدان الخليجيّة، وعلى رأسها السعوديّة والإمارات وقطر والكويت، نفت التقرير، وكذلك فعلت روسيا، ما أدّى إلى عودة التوازن نسبياً إلى السوق.
وبالنسبة إلى سعر الذهب كان التأثير مباشراً مثلما كان الأمر بالنسبة إلى النفط. وعلى أيّ حال كانت الأمور تسير بمنحى صعودي لهاتين السلعتين خلال الفترة الأخيرة. فمنذ بداية العام الجاري ارتفع سعر المعدن الثمين بنسبة 20%.
وعلى الرغم من نفي تقرير الصحيفة البريطانيّة، يبقى التأثير موجوداً بقوّة في السوق، وخصوصاً أنّ البلدان النافذة في العالم النامي، وهي الصين والهند وروسيا والبرازيل، شدّدت في خضمّ الأزمة الماليّة على ضرورة استبدال الدولار بوصفه عملة احتياطات أجنبيّة بسلّة عملات أو حتّى بعملة كونيّة، لأنّ التوازنات العالميّة التقديّة والماليّة يجب ألّا تبقى رهينة التطوّرات الاقتصاديّة في بلد واحد.
(الأخبار)