كان يا ما كان، قبل 14 حزيران 2007، تاريخ سيطرة حركة «حماس» عسكرياً على قطاع غزة الفلسطيني، كان في الإمكان شرب الكحول عموماً، والنبيذ خصوصاً، في بعض مطاعم غزة. أما اليوم، فغابت محال بيع الخمور بفعل سيطرة الحركة الإسلامية وسيادة «قوانينها» التي يرى البعض أنها تهدف إلى فرض الشريعة الإسلامية. لكنّ الغياب العلني لصناعة الخمور وتناولها وبيعها لا يعني أنّ الغزّاويين استسلموا لقرارات المنع. ففلسطين، أسوة بباقي دول المنطقة، تُعرَف بأجود أنواع العنب، المادة الأوّلية الأهم لصناعة عدد من أنواع المشروبات الكحولية، وفي مقدّمها النبيذ. وما أفضل من المنازل لصناعة وتناول ما يحظر صناعته وتناوله في الأماكن العامة؟
هكذا، لا يكترث أبو محمد كثيراً لطبيعة غزة المحافظة وهو يعصر العنب يدوياً داخل غرفة على سطح منزله ليصنع منه النبيذ. ويعترف الرجل الأربعيني بأنّ صناعة النبيذ «خارجة» عن طبيعة مجتمعه المتديّن، لكنه يرى أن «شرب الخمر حرية شخصية».
ويشرح الطريقة التي يتّبعها لإعداد النبيذ، وهو يعصر العنب بيديه العاريتين داخل مصفاة كبيرة، قائلاً «بعد غسل العنب جيداً وفصل الأعواد الصغيرة عنه، أعصره في الوعاء». ويشرح أنه «بهذه الطريقة، تترسّب البذور في القاع ثم أصفّيه جيداً وأضع عليه كمية قليلة من الخميرة أو الجبن الأبيض لتسرّع من تكاثر البكتيريا والتخمّر».
ويضيف، وهو يباشر المرحلة الثانية بسكب العصير في برميل بلاستيكي متصل بغالون يحتوي على الماء حتى نصفه «أغلق البرميل جيداً والغالون أيضاً، وأتركه لمدة أربعين يوماً على الأقل، حتى تخرج الغازات من برميل العنب إلى الغالون».
ويشير الرجل، الموظَّف في مؤسسة تابعة للسلطة الفلسطينية، إلى أنه لجأ إلى صناعة النبيذ يدوياً «بسبب الحصار الإسرائيلي، وخصوصاً بعد سيطرة حماس على غزة». ولا يخفي أبو محمد خشيته من كشف أمره، فيقول «أرتعب حينما يخطر لي أن شرطة حماس يمكن أن تكشف أمري، وخصوصاً أنني موظف سلطة. لذلك، أحرص على إعداد النبيذ وحدي في السر ولا أبيع منه».
بدوره، يعترف حسين (56 عاماً)، «زميل» أبو محمد في صناعة النبيذ يدوياً، بأنه «يخشى أن يكشفني الأمن الداخلي (التابع لحماس) الذي لن يرحمني»، كما يخشى «نظرة الناس في المجتمع» إن كُشف أمره.
في المقابل، يؤكد المدير العام لمكافحة المخدرات في شرطة «حماس» في غزة، جميل الدهشان، أنه «حتى لو علمنا بأمره، فلن نتمكن من اعتقاله، لأن القانون الفلسطيني لا ينص على أي مادة تدين الشخص الذي يشرب الخمر». وعن الإجراء الذي يمكن اتخاذه بحق أمثال أبو محمد وحسين، يلفت الدهشان إلى أنّه «في هذه الحالات، نكتفي بمصادرة المشروب فقط من باب الواجب الاجتماعي».
(أ ف ب)