Strong>«يوم الجوار»: أوروبا تدير نقاشاً غير موضوعيتمحور اليوم الثاني من «أيّام الجوار»، التي نظّمتها بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان، حول الإصلاح الاقتصادي الاجتماعي والسياسات القطاعيّة. تحوّل النقاش إلى مباراة بين ثلاثة تيّارات. الاتحاد الأوروبي لم يكن في الوسط. واتخذ مواقف غير دقيقة عن تطوير دولة تتحوّل نحو العسكرة، بنهج اجتماعي

حسن شقراني
من الصعب جداً تصوّر حلّ لمعضلة الاقتصاد اللبناني. إيجابيّاته وسلبيّاته تخلق نموذجاً هجيناً لا مثيل له. والنقاش العام عن السياسة الأوروبيّة في لبنان في إطار «أيّام الجوار»، لم يكن أكثر من «حديث آخر» عن هذا الواقع. هو مظلم إلى حدّ بعيد تزداد مأساته مع مرور الوقت وعدم استغلال معدّلات النموّ اجتماعياً.
النقاش في الجلسة الأولى التي نظّمت في فندق «Gefinor Rotana»، كان عن الإصلاح الاقتصادي الاجتماعي. تحدّث فيها الخبير الاقتصادي شربل نحّاس، فذهب إلى أبعد من الواقع المذكور، ليشرح خطى تطوّر الدولة اللبنانيّة. قال: «هناك عسكرة للدولة». وهذا التوجّه مناقض تماماً لمبدأ جعل الدولة أكثر اجتماعيّة!
أضاف أنّ التركيبة التي يقوم عليها اقتصاد البلاد تمتزج فيها طبعاً النكهات السياسية «فمن كان له سبيل لكي يحصل على الأموال غير الرسميّة، أي السياسيّة، فعل ذلك، وخفض اعتماده على الدولة التي أساساً لا تؤمّن له الخدمات المطلوبة».
هذا الاقتصاد الهامشي والتركيبة الهجينة تزيد من مستوى تعقيدات الإصلاح في البلاد، وخصوصاً على صعيد الاقتصاد الاجتماعي. فلبنان ينعم خلال العام الجاري بنسبة نموّ تبلغ 7%، متفوّقاً على معظم بلدان محيطه. ويُتوقّع بلوغ الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة في 2009 حوالى 4.3 مليارات دولار. والمعطيات الإيجابيّة كثيرة، غير أنّها تبقى غير موجّهة باتجاه القنوات الاجتماعيّة.
وعلى سبيل المثال، تطرّق نحّاس إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وشدّد على ضرورة الاهتمام بهيكليّة عمله وتجنّب «السحب من صناديق لتغطية صناديق أخرى» مثلما يحدث مع صندوق تعويضات نهاية الخدمة الذي سحب منه الضمان 700 مليار ليرة لتغطية العجز في صناديقه الأخرى.
صورة متشعّبة ومظلمة رسمها شربل نحاس، بعد شرح معمّق من زميله توفيق كاسبار عن واقع قطاع الكهرباء وسوق العمل. «الآن ننعم بتدفّق الأموال من الخارج، ولكن ماذا يحدث في ما بعد؟». لا أحد يعلم. وفي هذا الوقت يمكن الحديث أكثر عن إجراءات التطوير في الماليّة العامّة. محور استفاض في شرحه المدير العام لوزارة المال، آلان بيفاني.
فهناك «تطوّرات عديدة على سكّة الإصلاح، بدءاً من تثبيت الرسوم على المحروقات، إلى الإجراءات الأخرى المتعلّقة لخفض معدّل الدين إلى الناتج المحلّي إلى 152% بنهاية العام الجاري». ولكن المشاكل البنيويّة تبقى موجودة، و«يتمّ التحضير لمعالجتها».
هل بارقة الأمل موجودة في المديين القصير والمتوسّط؟ نعم، يقول بيفاني لأنّ «لبنان في المرحلة الحاليّة كسب زخماً، وهذا الواقع يؤدّي إلى إطلاق مسيرة تطويريّة». وهذا سيتكرّس مع إطلاق حكومة جديدة ببيان وزاري جديد.
وموجبات التطبيق موجودة أيضاً لأنّه «في ورش الاتحاد الأوروبي كان هناك إجماع وطني على تبنّي السياسات الاقتصاديّة والاجتماعيّة». ولكن هل هناك تبلور لتلك الالتزامات؟ حتّى الآن الأمور تبقى راكدة في المستنقع التقليدي اللبناني.
صندوق النقد الدولي كان ممثّلاً أيضاً في النقاش، عبر رئيس مكتبه في لبنان إيريك موتو. ردّد الأخير القول التقليدي: «رغم أنّ لبنان يعدّ من البلدان الهشّة، إلا أنّ العاصفة الماليّة لم تؤثّر فيه».
ونتيجة لهذه الطروحات وتعقيبات الموجودين، حدّدت خلاصة الجلسة بالآتي: يعدّ الاهتمام بالدين والفوائد أساسياً، لكن هناك جوانب بالأهميّة نفسها هي العدالة الاجتماعيّة، فالنظام يجب أن يركز على زيادتها. وأحد الطروحات في هذا السياق كان التركيز على الاقتصاد الحقيقي واللامركزيّة.
القيام بتلك القفزة يتطلّب «خططاً تقوم أساساً على البيانات». إذاً، فحلّ عقدة التفاوتات بين «الاقتصاد البحت» و«البعد الاجتماعي» في دولة تفقد دورها الرعائي وتتجه صوب الخصخصة، يكمن في الإحصاءات. نتيجة مقنعة؟ ليس كثيراً ولكنّها تعدّ مهمّة في نهاية نقاش قصير يجمع ممثّلين عن 3 تيّارات مختلفة. ولكن حتّى لو تمّ الاتفاق على آليّات جمع البيانات في لبنان، ستبقى الأمور على الأرجح رهينة توافقات ريثما يتمّ التوصّل إلى حلول للمشاكل الجذريّة.
وجّهت انتقادات أوروبيّة كثيرة إلى ضعف تطبيق سياسات الإصلاح في قطاع التربية. ووُصف التطوّر فيه بأنّه «خجول». وجاء ردّ وزارة التربية في هذا الصدد من مديرها العام، فادي يرق. رغب «بتذكير الجميع» بأنّ 85% من ميزانيّة وزارته مخصّصة للرواتب و4% أكلاف تشغيليّة.
ولكن، ماذا عن الضّعف في نوعيّة التعليم ووضع الإدارة وكلّ ذلك؟ «لدينا استراتيجيّة» يقول يرق، الذي رغم عرضه أرقاماً مفيدة، تجاهل سؤال «الأخبار» عن جدوى بناء 200 مدرسة جديدة خلال السنوات الـ 15 الماضية. فهل كان هناك نمط منطقي بفوائد اجتماعيّة يحكم تلك الرؤية، وخصوصاً في جنوب لبنان؟
القطاع الاستراتيجيّ الثاني كان الطاقة. انتقد الأوروبيّون موقف وزير الطاقة، آلان طابوريان، عدم توقيعه على «سياسة إصلاح». وهذا يثير الاستغراب لأنّ طابوريان لم يتسلّم هذه «السياسة»، بل هو من طرح خطّة لإصلاح قطاع الكهرباء ولم يرغب رئيس مجلس الوزراء في مناقشتها.
والمسألة الأخرى، التي حملت تناقضاً فاضحاً، هي الطلب الأوروبي بـ«تحرير» القطاع الكهربائي، فيما المنتدى مخصّص لكيفيّة تحفيز السياسات على السكّة الاجتماعية، ومن المعروف أنّه لا فوائد اجتماعيّة لإدارة القطاع الخاص لأي مرفق عام، فكيف بالأحرى إذا كان الأمر يتعلّق بقطاع الطاقة! وتجدر الإشارة إلى أنّ ورشة العمل التي خصّصها الاتحاد الأوروبي في السابق لبحث استراتيجيّات نهوض قطاع الطاقة لم يُتّفق فيها على أي نهج معيّن.
واستُكمل الانتقاد الأوروبي اللاذع أيضاً في قطاع النقل البري والبحري والبيئة والمياه. وتمّ التركيز على غياب التخطيط أو تطبيق الخطط الموجودة مثل القانون 221 لتنظيم قطاع المياه.
خلاصة هذه الجلسة: يمكن التركيز أكثر على المستويات المحلّية لتطوير السياسات القطاعيّة، في ظلّ خلافات واضحة على آليّات الإصلاح، وضعف جوهري في الإدارة العامّة.
النتيجة النهائيّة: كان «يوم الجوار» المخصّص للإصلاح الاقتصادي ـــــ الاجتماعي، يوماً عادياً آخر عرضت فيه خيبات الإدارة والسياسة والتوجيه الماكرو اقتصادي في لبنان.


22%

هي نسبة ارتفاع الإنفاق على الدفاع والأمن بين مشروعي موازنة عام 2009 وعام 2008. فهذا الإنفاق سيبلغ 2202 مليار ليرة في العام الجاري

35%

هي نسبة طلّاب لبنان في المؤسّسات التعليميّة الرسميّة، رغم أنّ 50% من القطاع مسؤولة عنه الدولة بحسب المدير العام لوزارة التربية والتعليم العالي فادي يرق


أين منتدى الموزامبيق؟