بغداد ــ زيد الزبيدييستبق معظم السياسيّين العراقيّين نتائج الانتخابات المقبلة المقرّرة في كانون الثاني المقبل، التي ستبيّن حجم التأييد لهذه الكتلة أو تلك، بتوقّع الفوز المضمون. وبدأ بعضهم ينادي بضرورة الابتعاد عن المحاصصة الطائفية. يريدون نبذ «الديموقراطية التوافقية» ولكن من دون المساس بالجوهر، وهو الابتعاد الكلي عن التفكير الطائفي والعرقي.
وينظر المراقبون السياسيون إلى الانتخابات المقبلة، بالنظرة نفسها التي كانت لديهم تجاه انتخابات عام 2005، لأن الكتل السياسية الرئيسية التي تتحدث الآن عن «الوطنية»، هي ذاتها التي تأسّست على برامج طائفية وعرقية، ولن تكون لها برامج بديلة ما لم تتخلّ عن هويتها التكوينية؛ فلا يمكن أن يكون حزب الدعوة «الشيعي» مثلاً، أو الحزب الإسلامي «السني»، أو الحزب الديموقراطي الكردستاني «الكردي»، وغيرها من التشكيلات، ذا برامج وطنية شاملة، لأنها أحزاب فئوية، يغيب سبب وجودها في حال خروجها عن الإطار الذي أنشئت على أساسه.
من هذا المنطلق، تكثر التساؤلات: هل تريد الأحزاب الدينية السنية والشيعية تطبيق الشريعة الإسلامية في الحكم، كلّ على طريقتها؟ وما هي أهداف الأحزاب الكردية التي بدأت بمطالب عن حقوق ثقافية، وتوسّعت إلى مطالب شبه انفصالية؟
وبينما تدعو العديد من الأطراف إلى فصل الدين عن السياسة وعن إدارة الدولة، كما يشير إلى ذلك رئيس الوزراء نوري المالكي، «داعية دولة القانون»، فإن مثل هذه الدعوة يُفترَض أن تلغي الصفة السياسية عن الأحزاب والكتل الطائفية والعرقية، وتقتصر نشاطاتها على الجوانب الثقافية والاجتماعية وما إلى ذلك.
الأحزاب الحاكمة فئوية يغيب سبب وجودها في حال خروجها عن الإطار الطائفي
إلا أن الأمور تجري بطريقة مغايرة، وغير مفهومة أحياناً، فالمالكي ـــــ مثلاً ـــــ يدعو إلى حكم الأكثرية، والابتعاد عن بدعة «الديموقراطية التوافقية»، وهذا أمر مرحَّب به لدى الكثيرين، ولكن أيّ أكثرية يقصد؟ هل هي الأكثرية الطائفية، أم أكثرية القائمة «السياسيّة»؟
وبحسب وكالة «نينا» للأنباء، فإنّ برلمانيين «شيعة» يجزمون بعدم إمكان نجاح أي كتلة تفوز في الانتخابات المقبلة، بتأليف حكومة لا تكبّلها التوافقات. ويحذّرون من أنّ استبعاد أي مكوّن، سيكون مجرّد «ضرب غباوة». وحتى الذين طالبوا بـ «حكومة الغالبية البرلمانية» يرون أنّ حديث رئيس الوزراء عن انتهاء حقبة المحاصصة «مجرد أحلام».
وينصّ الدستور العراقي، في مادته الـ138، على استمرار العمل بنظام «مجلس رئاسة الجمهورية الثلاثي» لدورة انتخابية واحدة تنتهي مع انتخابات 2010، ويتاح لهذا المجلس إيقاف القوانين التي يقرّها البرلمان عن طريق «الفيتو الرئاسي»، الأمر الذي ألزم الحكومة باللجوء إلى التوافق لكون مجلس الرئاسة يمثّل كلاً من الشيعة والسنّة والأكراد.
وبموجب الدستور، لن يتمتع رئيس الجمهورية في الدورة المقبلة بهذه الصلاحية، ما يفسح المجال لتأليف حكومة غالبية، وإلغاء التوافقات «نظرياً» من جانب أي كتلة تحصل على «النصف زائداً واحداً» في البرلمان.
وعن هذا الموضوع، يؤكد النائب عن حزب الفضيلة، جابر خليفة، أنّ المرحلة المقبلة «لن توفر بموجب الدستور، أي غطاء قانوني أو دستوري يجبر الكتلة التي تفوز بالغالبية البسيطة، على اللجوء إلى التوافق، لكن ضغط الواقع هو الإجبار الوحيد». ويضيف إنه «في الدورة الحالية، هناك مجلس رئاسي كل عضو فيه يتمتع بحق النقض، وهذا يعني أنّ أي قانون لا يمر من دون موافقة المكونات الثلاثة الكردي والسني والشيعي، وهذا سينتهي في المرحلة المقبلة».
غير أنّ خليفة يلفت إلى أنّ تركيبة العراق الإثنية والمذهبية «تمنع التفاؤل بتأليف حكومة أغلبية، وخصوصاً أنّ الغالبية الطائفية في العراق غالبية قلقة، وليست ساحقة، كما أن السنّة والأكراد فئات كبيرة، وغياب أحدهما عن السلطة يربك العملية السياسية، إضافةً إلى أن السنّة من العرب والأكراد، يتفوقون عددياً على الشيعة».
وعن النتائج المحتملة للانتخابات، يستبعد خليفة أن يتمكن ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي من جمع غالبية المقاعد في البرلمان، بسبب «الأداء السيئ لمجالس المحافظات التي هيمنت عليها مطلع العام الجاري، وحالات الفساد الإداري والمالي في وزارات مهمة مثل التجارة والنفط والكهرباء».
في المقابل، يستبعد القيادي في «المجلس الأعلى»، الأمين العام لمنظمة «بدر»، هادي العامري، التخلي عن سياسة التوافق، ببساطة لأنّه يستحيل على العراق «أن يستمر من دون مشاركة حقيقية للمكونات» الطائفية والقومية.
أما عن توقعاته، فيشير العامري إلى أنّ أعلى فوز يمكن للمالكي أن يحقّقه، هو أن يأتي بنتائج تساوي ما حقّقه في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، أي ما يعادل 60 مقعداً في البرلمان المقبل (من أصل 275)، «مع كل الدعاية التي رافقت حملته الانتخابية».