IMF: الدّين المرتفع يقلّص الحيّز المتاح للتنشيطيقول تقرير حديث صادر عن صندوق النقد الدولي إن «أقصى ما يمكن أن تتطلّع إليه البلدان المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط، ومنها لبنان، هو تحقيق تحسّن اقتصادي ضئيل فحسب، وذلك للأسباب نفسها التي جعلت هذه البلدان بمنأى عن الآثار الكارثية للأزمة العالمية، أي ضعف الاندماج في الأسواق العالمية والاعتماد على الإيرادات الخارجية»!
صدر تقرير جديد عن دائرة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، تحت عنوان «آفاق الاقتصاد الإقليمي ـــــ الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان»، وفيه تحذيرات جدّية من احتمال تأخّر التعافي الاقتصادي في دول المنطقة غير المنتجة للنفط، ومن المقرر أن يعرض هذا التقرير في مؤتمر صحافي يُعقد عند الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم في فندق فينيسيا في بيروت، بالتعاون مع مصرف لبنان.
هذا التقرير لا يتضمّن أي إشادة للنموذج اللبناني، على عكس ما يُشيعه، محلياً، المسؤولون في رئاسة الحكومة ووزارة المال والسلطة النقدية والمصارف... بل هو يدرج لبنان في خانة الدول المهددة بالتباطؤ الاقتصادي اعتباراً من العام المقبل، وهو أصلاً ما تتوقّعه معظم المؤسسات، ولا سيما صندوق النقد والبنك الدوليين، اللذين رجّحا في تقارير عدّة سابقة تراجع معدّل النمو من 7% هذا العام إلى أقلّ من 4.5% في العام المقبل.
يقسّم التقرير الجديد دول المنطقة إلى مجموعتين: الأولى تضمّ «البلدان المصدّرة للنفط»، التي يتوقع لها أن تتحمل الصدمات الخارجية، والثانية «البلدان المستوردة للنفط»، التي يتوقع لها أن لا تشهد سوى انتعاش متواضع.
وعلى أي حال، يعتقد التقرير أن بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تضررت بشدة من جراء الأزمة الاقتصادية العالمية، إلا أن الضرر كان أخفّ وطأة بالمقارنة مع غيرها من بلدان العالم. ويقول مسعود أحمد، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق، إن «استعانة البلدان المصدرة للنفط بالاحتياطيات الوقائية في تمويل الإنفاق المعاكس لاتجاهات الدورة الاقتصادية، خففت من تأثير الأزمة على اقتصاداتها، وخلقت آثاراً انتشارية إيجابية في البلدان المجاورة، علماً بأن الأزمة كشفت عن ضرورة استمرار الجهود الرامية إلى تقوية الرقابة للحدّ من مواطن التعرض للخطر في الأسواق المالية في المنطقة».
تضمّ مجموعة البلدان المصدّرة للنفط في المنطقة: الجزائر، البحرين، إيران، العراق، الكويت، ليبيا، عُمان، قطر، السعودية، السودان، الإمارات واليمن. ويقول التقرير إنها تعرّضت بصورة مباشرة للأزمة المالية العالمية، نتيجة الهبوط الحاد في أسعار النفط والتوقف المفاجئ في تدفقات رؤوس الأموال الداخلة.
وكان انخفاض إنتاج النفط قد أدّى إلى انخفاض بنسبة 3،5% في إجمالي الناتج المحلّي النفطي، بينما واصل إجماليّ الناتج المحلي غير النفطي نموّه، رغم تراجعه إلى 3،2%. ومن المتوقع أن ينتعش إجمالي الناتج المحلي النفطي وغير النفطي لهذه البلدان ليصل إلى 4% تقريباً في عام 2010.
واعتماداً على الاحتياطيات الكبيرة التي تجمّعت قبل الأزمة، تحركت حكومات هذه الاقتصادات لمواجهة الأزمة بانتهاج سياسات توسعية على مستوى المالية العامة وتوفير دعم السيولة لقطاعاتها المالية، ما أسهم في احتواء تأثير الأزمة على الاقتصاد ككل. وقد ساعدت هذه السياسات كذلك في الحفاظ على مستويات الواردات المرتفعة نسبياً أثناء الأزمة، ما أسهم بدوره في التخفيف من حدة الهبوط الاقتصادي العالمي. وحتى يتسنى تنفيذ هذا المنهج القائم على السياسات، عمدت البلدان المصدرة للنفط إلى سحبٍ من أرصدتها الاحتياطية بدرجات متفاوتة، ما ترتّب عليه انخفاض فائض الحساب الجاري في هذه البلدان بنحو 350 مليار دولار.
ومع ارتفاع أسعار النفط وعودة الانتعاش المنتظر في الطلب العالمي، يتوقع أن ترتفع الإيرادات النفطية فتسمح للبلدان المصدّرة للنفط بإعادة بناء أرصدة احتياطياتها الدولية بأكثر من 100 مليار دولار في عام 2010، ما يساهم بدوره في وضع الأساس اللازم للحفاظ على مستوى الإنفاق العام.
وبينما لم تكن معظم البنوك في المنطقة معرضة لمخاطر الأصول السامة، إلا أنها تضرّرت من انهيار أسواق الأصول المحلية وسحب الأرصدة بالنقد الأجنبي. إلا أن اتخاذ الإجراءات الفورية والقوية على مستوى السياسات أدى إلى احتواء هذه التداعيات.
وفي المرحلة المقبلة، ستظلّ التدابير الرامية إلى تقوية التنظيم والرقابة الماليين ـــــ التي يجري استحداثها في بعض البلدان بالفعل ـــــ عنصراً بالغ الأهمية. وفي الأجل المتوسّط، ستظلّ الأولويات تتضمن تطوير الأسواق المالية ـــــ بما يشمله من تنوّع في النظام يتجاوز حدود النظام المالي القائم على البنوك ـــــ وكذلك جهود تحسين مناخ الأعمال بغية دعم التنوّع في النشاط الاقتصادي وإيجاد فرص العمل.
وتضمّ البلدان المستوردة للنفط: أفغانستان، جيبوتي، مصر، الأردن، لبنان، موريتانيا، المغرب، باكستان، سوريا وتونس. ويقول التقرير إن هذه المجموعة كانت أقلّ تعرضاً لأثر التباطؤ الاقتصادي، نظراً لضعف اندماجها في أسواق رأس المال العالمية ونتيجة للآثار الانتشارية الإيجابية المتولّدة عن زيادة الإنفاق العام في البلدان المصدّرة للنفط في المنطقة. إلا أن انخفاض الإيرادات المحصلة من الخارج كان بمثابة القناة الأساسية لانتقال آثار التباطؤ العالمي.
ومن المتوقع أن ينخفض معدل نمو هذه البلدان من 5% في عام 2008 إلى 3،6% في عام 2009. وفي المستقبل، وقد يظلّ ثابتاً في عام 2010، ما يرجع في الأساس إلى التعافي الاقتصادي البطيء في الاقتصادات المتقدمة الشريكة في التجارة والنطاق الضيق لانتهاج سياسات أخرى معاكسة لاتجاهات الدورة الاقتصادية.
وتؤدي مستويات الدّين المرتفعة في معظم بلدان هذه المجموعة إلى تقليص الحيّز المتاح للتنشيط المالي، كما أن مجال التيسير النقدي سيخضع لقيود الزيادة المنتظرة في أسعار الفائدة العالمية، مقارنة بمستوياتها الحالية المنخفضة بالمقاييس التاريخية. وبالتالي، سيتعيّن على صانعي السياسات التركيز بدرجة أكبر على إصلاحات جانب العرض التي ستسهم في تعزيز نشاط القطاع الخاص وفرص العمل فيه، وتعزيز المنافسة، علماً بأن زيادة مرونة أسعار الصرف في البلدان التي تعتمد نظم أسعار الصرف الثابتة (كلبنان مثلا)، من شأنها تيسير تحقيق هذه الأهداف.
وتُعدّ دول هذه المجموعة الأكثر تضرراً من انخفاض إيرادات الصادرات السلعية والاستثمار الأجنبي المباشر، ويتوقع أن تتراجع بنسبة 16% و32% في عام 2009. وقد انخفضت كذلك إيرادات السياحة وتحويلات العاملين في الخارج، وإن لم يكن بالقدر نفسه.
(الأخبار)


3.8%

هي نسبة النموّ الاقتصادي
المتوقّعة في مجموعة دول الشرق الأوسط المستوردة للنفط في عام 2010، بالمقارنة مع 3.6% في هذا العام و5% في العام الماضي و5.9% في عام 2007


16%

هي نسبة الانخفاض المقدّرة في قيمة الصادرات السلعية لمجموعة الدول المستوردة للنفط في منطقة الشرق الاوسط عام 2009، كما يُتوقّع أن ينخفض الاستثمار الاجنبي المباشر بنسبة 32%


المخاطر المحيطة

يقول التقرير الصادر عن صندوق النقد الدولي إن الدول المستوردة للنفط ستعاني من استمرار ضعف الطلب المحلّي والمجال المحدود لمواصلة عمليات التنشيط على مستوى السياسات، وقد يؤدّي ذلك إلى تفاقم مشكلة البطالة وزيادة الضّرر اللاحق بالمحافظ المصرفية، وبالتالي يتعيّن على أصحاب القرار تحويل التركيز إلى زيادة الطاقة الإنتاجية ودعم نشاط القطاع الخاص.