استيقظت حيفا، صباح أمس، على صوت إطلاق نار داخل مقصورة في قطار «إسرائيل». هكذا، بكل غرابة، تهيأ لجندي في جيش العدو أن هناك شخصاً يحمل سكيناً معه في القطار، ما دفعه إلى الضغط على الزناد وإطلاق النار في الهواء في مكان عام ومغلق، وتسبب ذلك بإصابة أربعة إسرائيليين بجروح نتيجة التدافع. حادثة تُذكّر الإسرائيليين بما كان يجري مع جنوده خلال عدوان تموز 2006 على لبنان.
كثرت التخيّلات آنذاك عن ملائكة على أحصنة بيض تقاتل إلى جانب حزب الله، أو عن خروج مقاومين فجأة من قلب الأشجار ومن باطن الأرض. ها هم جنود العدو اليوم يتخيلون أشخاصاً يحملون سكاكين من دون أن يكون ذلك حقيقة!
انطلق جرس الإنذار، ثم توقف القطار. صعق الركاب الذين يعيشون أساساً، هذه الأيام، حالة من الهلع والهستيريا، نتيجة عمليات الطعن التي ينفذها الفلسطينيون ردّاً على الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية بحقهم. وأظهر شريط «فيديو»، نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، ركاب القطار وهم يتدافعون على باب المقصورة للنجاة بحياتهم من موت محقق. أمّا رحلة رعب الجندي، فلا بد أن تكون قد بدأت من إحدى المحطات قبل حيفا، حيث ينطلق قطار «إسرائيل»، يومياً، من نهاريا شمالاً ليتوقف جنوباً في النقب.
تسلّم الجندي سلاحه، أول من أمس، وفقاً لما أكده الإعلام الإسرائيلي. ويبدو أنه تلقى البلاغ الذي عمّمته أجهزة «أمن» العدو، ومفاده الانتباه والتيقظ وعدم النوم في وسائل النقل العامة بجدية بالغة، ما جعله يتخيل وجود شخص يحمل سكيناً، من دون أن يكون هناك سكين فعلاً، فقد برهنت نتائج التفتيش الذي أجرته الشرطة أنه لا وجود لأي سكين في القطار، وحقائب الركاب، وحتى في المحطة كلها!

أطلق جندي إسرائيلي النار في الهواء خوفاً من «سكين غير موجودة»

وقبل بضعة أيام، طعن جندي إسرائيلي زميلاً له في «كريات آتا» بالقرب من حيفا، لظنّه أن الآخر عربي وينوي طعنه! ونشرت صفحة «أور يَروك» (ضوء أخضر) العبرية، صوراً لجنود إسرائيليين ومستوطنين يتنقلون في الحافلات وهم يحملون سيوفاً، وعصياً، ومرقّات العجين (شوبك) تحسّباً لأي اعتداء. وفي سياق الرعب نفسه، ذكر إعلام العدو أن حالات تغيّب الإسرائيليين عن أشغالهم هي الأعلى منذ 30 عاماً وذلك خشيةً من عمليات الدهس والطعن.
حالة الهلع من الغضب الفلسطيني، انسحبت بالخوف أيضاً من ردود فعل فلسطينيي الـ48، الذي ترجم حتى الآن في حدثين بالغي الأهمية. الأول: أن قوات الشرطة حضرت إلى دوّار غسان كنفاني في مدينة عكا، حيث تظاهر خمسون شاباً هناك، واعتقلتهم جميعاً، والثاني هو إصدار وزير حرب الأمن، موشيه يعالون، قراراً بالسجن الإداري على الشابة إسراء حمدان (19 عاماً) من الناصرة، عقاباً لها على إرسال رسالة نصيّة إلى والدتها، تخبرها فيها عن استيائها مما يحدث في القدس من إعدامات ميدانية على الشبهة!
الجدير ذكره أن اللجوء إلى قرار كهذا يكون في حالات معينة، عندما لا يجد «الشاباك» أدلّة كافية ضد «المتهم»، فيستخدم الاعتقال الإداري مستنداً إلى ما يُسمى «ملف سري»، وهو أمر تستخدمه إسرائيل في الغالب ضد أسرى «أمنيين». كل هذا كافٍ لإثبات حقيقة واحدة، مفادها أن ناقوس الخطر قد دق، وأن من «دخل بيت إسرائيل... فهو ليس آمناً».
إذاً، عدوى الرعب تنتقل بين الإسرائيليين، وإذا كان ثمة من سائل عن «جدوى سكاكين»، أو معلّقاً على «حضاريتها» و«أخلاقيتها»، فعليه أن يعود إلى ثمانينيات القرن المنصرم، ويقرأ جيداً ما فعلته المقاومة اللبنانية بكل أطيافها وفصائلها، مراكمةً عاماً وراء عام رعباً في نفوس محتلي الجنوب اللبناني، حتّى قالوا أخيراً: «أخرجونا من المستنقع اللبناني»... وانسحبوا!