Strong>إلغاء «نسر الأناضول» يُخرج المكبوت الإسرائيليّ تجاه تركيابدت إسرائيل مربكة إزاء القرارات التركية التي لا تنسجم مع واقع «العلاقات الاستراتيجية» بين الدولتين إثر إلغاء مناورات «نسر الأناضول». ورغم محاولة احتواء تداعيات القرار، تفلّتت جهات عبرية «مجهولة الهوية» للتعبير عن حال الغضب إزاء أنقرة التي ردّت بالدعوة إلى التعقّل

مهدي السيد
يسود قلق كبير في الأوساط الإسرائيلية من تراجع مستوى العلاقات مع تركيا، ومن التداعيات السلبية المحتملة لهذا التراجع، وذلك على خلفية جملة من المواقف التركية كان آخرها رفض أنقرة مشاركة سلاح الجو الإسرائيلي في المناورة العسكرية الدولية «نسر الأناضول»، ما أدى إلى إلغائها. ويُضاف الموقف التركي الأخير إلى سلسلة من الخطوات التصعيدية إزاء الدولة العبرية، بينها إلغاء مشروع مشترك مع الصناعات الجوية الإسرائيلية، وإلغاء زيارة وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو إلى دولة الاحتلال، بعدما رفضت السماح له بدخول قطاع غزة، إضافةً إلى كشف حكومة رجب طيب أردوغان عن نيتها طلب طرح «تقرير غولدستون» على اجتماع مجلس الأمن الدولي.
وفيما برزت مقاربة إسرائيلية رسمية تسعى إلى احتواء التوتر مع تركيا، وتجنُّب توجيه انتقادات لاذعة إلى هذه الدولة، انطلاقاً من الحرص على استمرار «العلاقات الاستراتيجية»، جاءت المواقف غير الرسمية أكثر تعبيراً عن حقيقة الموقف والشعور الإسرائيليين القلقين والغاضبين من السلوك التركي.
ونقل موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن وزير الدفاع إيهود باراك تشديده، أثناء جلسة نقاش مغلقة، على أنه «رغم الصعود والهبوط، تبقى تركيا عنصراً أساسياً في منطقتنا»، ليخلص إلى أنه «لا مكان للانجرار إلى الانفعال من خلال التصريحات ضدها».
وكشف الموقع نفسه عن أن وزراء حكومة بنيامين نتنياهو بحثوا أخيراً موضوع العلاقات مع تركيا، مشيراً إلى أن مشاورات مشابهة جرت في مكتب رئيس الحكومة ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان.
وفي سياق السعي الحكومي إلى احتواء حملة الانتقادات العبرية ضدّ أنقرة، عبّر وزير الصناعة والتجارة بنيامين بن أليعيزر عن عدم رضاه «عن الانتقاد الذي وجهه قسم من القيادة الإسرائيلية إلى تركيا»، مبرراً ذلك بأنّ «ثمة بيننا وبين الأتراك منظومة مصالح مهمة واستراتيجة، علينا التصرف بحساسية أكبر حتى لا تتحقّق التوقعات السوداء».
بدوره، شدّد نائب وزير الخارجية، داني أيالون، على أنّ مصلحة «دولتنا» تقضي «بمنع حدوث أزمة في العلاقات مع تركيا». وفيما نقل موقع «يديعوت» عنه إصراره على أن «تركيا شريكة استراتيجية مهمّة لإسرائيل، ومصدر للاستقرار»، فإنّ أيالون عاد ولمّح إلى أن أنقرة «ستخسر أيضاً في حال حدوث أزمة».
وفي إطار المواقف الإسرائيلية الرسمية «الهادئة» لاحتواء التصعيد مع تركيا، نقلت الإذاعة العامة عن مسؤولين نصيحتهم بالنظر إلى منع مشاركة إسرائيل في المناورة الجوية «كتأجيل لا كإلغاء، لأن هناك علاقات متشعبة جداً مع تركيا وغالبيتها سرية، وسيجري استيضاح التطورات من خلال هذه القنوات».
وفي السياق، كشفت صحيفة «هآرتس» أنّ المدير العام لوزارة الخارجية يوسي غال، عقد اجتماعاً طارئاً، أول من أمس، لبحث «الأزمة الخطيرة» في العلاقات بين الدولتين. ونقلت الصحيفة عن مصدر رفيع المستوى في وزارة الخارجية تأكيده أنّ في تل أبيب تخوّفاً من أن العلاقات الاستراتيجية تواجه «خطراً حقيقياً بسبب التدنّي الخطير الذي وصلت إليه هذه العلاقات في أعقاب الحرب على غزة».
وبحسب «هآرتس»، فقد هدف الاجتماع الطارئ في وزارة الخارجية إلى البحث في مستقبل العلاقات مع تركيا وما إذا كان بالإمكان إنقاذها. وكشفت الصحيفة نفسها عن وجود توجّهين متناقضين في وزارة الخارجية حيال العلاقات مع تركيا؛ الأول يرى أنّ هذه الدولة «لم تعد معنية بالعلاقات الاستراتيجية مع إسرائيل، وأنه ينبغي إعادة النظر في تلك العلاقات». في المقابل، يرى أصحاب الرأي الثاني أنّه يمكن إصلاح العلاقات وإعادتها إلى مسارها.
وعلى عكس المواقف الاحتوائية، برز كلام متشدّد حمّل أردوغان مسؤولية تدهور العلاقات، واتّهمه بجرّ تركيا إلى «النموذج الإيراني». وأوضح مسؤول سياسي لـ «يديعوت» أنّ أردوغان «يقود ثورة هادئة تهدف إلى إعادة تركيا إلى أيامها كإمبراطورية إسلامية»، ويرى أنّ ثمة «مؤشرات مقلقة تشير إلى أن أردوغان يقود بلاده إلى النموذج الإيراني».
وفي الاتجاه نفسه، رأت «هآرتس» أنّ قرار إلغاء المناورة الجوية المشتركة «جاء بتعليمات من أردوغان شخصياً» لكونه هو من «يؤجّج التوتر ويقود نزعة حادة ضد إسرائيل منذ الحملة العسكرية على قطاع غزة».
ولم تغِب «معاريف» عن حملة التحريض «المجهولة الهوية» ضد تركيا، فأوضحت أن التخوف الأساسي في إسرائيل هو من أن تتقرّب تركيا من إيران.
ورغم السعي الحكومي في تل أبيب إلى عدم تشديد الانتقادات إلى تركيا على خلفية «نسر الأناضول»، أصدرت وزارة الخارجية التركية بياناً لفتت فيه إلى أنه «من غير الصائب إضافة معانٍ سياسية لقرار تركيا إلغاء الجزء الدولي من مناورات نسر الأناضول»، داعياً المسؤولين الإسرائيليين إلى «التعقّل» في تصريحاتهم ومواقفهم.
وأعاد البيان التشديد على أنّ المناورات «حدث وطني لذلك من غير الصحيح فرض معانٍ سياسية على قرار إلغاء الجزء الدولي منها». وردّ البيان التركي على الانتقادات التي نُشرت في الصحف العبرية، معتبراً أنه «من غير الممكن قبول التقويمات والتعليقات التي تنشر في وسائل الإعلام نقلاً عن السلطات الإسرائيلية، وندعو المسؤولين الإسرائيليين إلى التصرف بتعقّل في تصريحاتهم ومواقفهم».
وحضرت سوريا في السجال التركي ـــــ الإسرائيلي من خلال وزير خارجيتها وليد المعلم، الذي رأى أن القرار التركي «هو قرار استراتيجي لا يقل أهمية عن الإنجازات التاريخية التي تشهدها العلاقات السورية ـــــ التركية».
ولفت المعلم، عشية انعقاد المجلس الاستراتيجي السوري ـــــ التركي في مدينة حلب، إلى أنّ «من أسباب أهمية هذا القرار، أنه يدحض المقولة بوجود خلاف بين المؤسستين السياسية والعسكرية في تركيا حيال العلاقة الاستراتيجية مع سوريا».