رام الله | «الله لا يذوقها لحدا»، هكذا يصف قاسم بدران، والد الشهيد إسحاق، لحظة تلقيه خبر استشهاد ابنه. ويقول: «صرخت زوجتي: ابنك استشهد. ابنك استشهد، كان شقيقها قد اتصل بها بعدما سمع الخبر على التلفاز. إنها اللحظة الأسوأ في حياتي».الفتى إسحاق (16 عاماً) من كفرعقب، شمال مدينة القدس، استشهد بعدما أطلقت قوات العدو الإسرائيلي النار عليه، قائلة إنه طعن مستوطنين اثنين في حي المصرارة في المدينة، قبل أيام.
يجلس والد إسحاق أمام بيته يستقبل المعزين، ويبكي بصمت على سنوات عمر ابنه القليلة التي عدّها يوماً يوماً. يضيف: «كان يكبر أمامي يوماً بعد يوم، وكنت أنتظر اللحظة التي سيقف فيها إلى جانبي ليصبح رجلاً يسند عجزي».

وإسحاق، كان طالباً في مدرسة سخنين الصناعية، ولكنه لم يتحدث يوماً لوالديه عن أحلامه أو طموحاته المستقبلية. يصفه والداه بالمطيع الهادئ والمهذب، الذي لا يكف عن مساعدة جيرانه وأصدقائه. كان مواظباً على الصلاة في وقتها وخاصة في المسجد الأقصى، فكان شديد الغضب حينما يتعلق الموضوع بالمساس بالمسجد.
هذا ما يوضحه جده الذي يحمل اسمه إسحاق. يقول: «لم أكن أراه غاضباً إلا عندما يشاهد نساء الأقصى يضربن». ويستذكر الجد أن حفيده حزن حينما استشهدت هديل الهشلمون دون ذنب في مدينة الخليل، وزاد غضباً حينما «رأى صورة لها دون قطع من ثيابها عبر وسائل التواصل الاجتماعي»، قيل إنها لها.
ترتيب إسحق في العائلة هو البكر بين أربع أخوات وأخٍ لم يتجاوز عمره الثلاثة أشهر. برغم حزن والدته الشديد على ابنها الأول، فإنها تقول: «رفع رأسنا بهذه الشهادة. الله يرضى عليه والله ينتقم منهم اللي حرموني منه»، مؤكدة أن إخوته الصغار لا يزالون في حالة من الصدمة بسبب استشهاده.
اهتم إسحاق ببنيته الجسدية، وكان محباً للسباحة والرياضة بأنواعها، وهو ما أكده أصدقاؤه الذين استبعدوا أن يكون قد ذهب بنية تنفيذ عملية، ناقلين عن شهود عيان أن «الجنود أطلقوا النار على إسحاق وبقي ملقى على الأرض لساعات إلى أن فارق الحياة، وذلك بعدما ضايقه اثنان من المستوطنين، ثم ركض أحدهما باتجاه شرطة الاحتلال صارخاً إرهابي إرهابي». وفوراً، استجابت قوات الشرطة للمستوطن وأطلقت رصاصها على إسحاق.

أحد الموجودين في عزاء إسحاق كان طفلاً لم يتجاوز الثماني سنوات. سألناه عن الشهيد، فقال: «هو ابن عمي. كان يمسك إيدي لما اقطع الشارع. كان يلعب معي (زقطة). بس مات يا حرام. راح للجنة!».
بدران، العائلة المقدسية الأصل انتقلت من العيش في البلدة القديمة في القدس إلى كفرعقب بعدما ازداد عدد أفرادها، وبالطبع فإن المنع الذي تفرضه إسرائيل على سكان القدس بشأن البناء وحتى الترميم، جعل من السكن في كفرعقب خياراً جيداً. وبرغم أن سكان هذه المنطقة لم يتلقوا خدمات مماثلة لما يتلقاه المقدسيون، فإنهم يدفعون ضريبة «الأرنونا» لإسرائيل التي تشكل عبئاً اقتصادياً عليهم.

اللافت أن والد الشهيد يعمل منذ 20 عاماً في مصنع بإدارة إسرائيلية في الأراضي المحتلة عام 1948، وهذا هو مصدر الرزق الوحيد للعائلة. وبعد استشهاد إسحاق، أصبح وجود الأب بين عاملين إسرائيليين محاطاً بعلامات وبتخوفات كثيرة.
لم تتسلم عائلة بدران جثمان ابنها حتى اللحظة. عن ذلك يقول والد الشهيد: «الإسرائيليون ليسوا بشراً. لم يكتفوا بقتل ابني، بل احتجزوا جثته أيضاً. وحالياً يلعبون بأعصابنا بالنسبة إلى تسليم الجثمان».