الجولان عائد» عبارة تملأ الطرق وتتصدر شعار «الملتقى العربي والدولي للتضامن مع الجولان». أما كيف سيعود الجولان؟ فسؤال لم يجب عنه الملتقى، بعدما تركته سوريا منذ 42 عاماً مفتوحاً على كل الاحتمالات
بسام القنطار
تآمر اتجاه الهواء على مئات الجولانيين الذين تجمّعوا، صباح الأحد الماضي، في قرية مجدل شمس المحتلة، ومنعهم من إيصال صوتهم إلى الجهة المقابلة من الأراضي السورية المحرّرة. لكن الهواء نفسه حمل إلى هؤلاء تحية تضامن من المشاركين في «ملتقى الجولان العربي الدولي»، الذين رفعوا قبضاتهم هاتفين «الجولان عائد بالمقاومة»، وذلك خلال الحفل الختامي للملتقى الذي عُقد ما بين العاصمة السورية والقنيطرة المحرّرة، واختُتم عند خط وقف إطلاق النار في عين التينة.
مشهد مجدل شمس من الجانب المحرّر، مثّل صدمة للعرب والأجانب المشاركين في الملتقى، وبينهم المحامي اليهودي الأميركي ستانلي كوهين. وفيما شُغل كثيرون في التقاط الصور التذكارية، كان كوهين يضع اللمسات الأخيرة على خطابه الذي ألقاه باسم المشاركين. في تلك اللحظة، مرّت في الجانب المقابل شاحنة جمع نفايات عند أسفل التلة بالقرب من الشريط الشائك وعليها كتابات بالعبرية. المشهد فاقم من استفزاز كوهين، الذي قال لـ «الأخبار» إنه يرفض أن يستمر هذا الاحتلال باسم أبناء شعبه، وإن «من واجبه كيهودي أن يأتي إلى سوريا ليقول لا للاحتلال».
وفيما كان طلاب القرى المحرّرة وأهاليها يرفعون الأعلام السورية وصور الرئيس بشار الأسد، كان عدد من الخيّالة في الجهة المقابلة يرفعون الأعلام نفسها ويجوبون السفح الترابي المراقب من جانب مرصد إسرائيلي في أعلى التلة. أمّا الموجودون في المرصد، فتوعّدهم الأسير المحرر سمير القنطار بـ«المواجهة القريبة في ميدان المعركة التي عدت إليها محرّراً، وسيعود إليها بُشُر وصدقي المقت وعاصم الولي وكل الأسرى السوريين في السجون الإسرائيلية».
ختام الملتقى كان مع «إعلان الجولان»، الذي تلاه رئيس مؤتمر الأحزاب العربية عبد العزيز السيد، وتضمّن تشديداً على «حقّ سوريا في تحرير أرضها بكل أشكال المقاومة»، معلناً عن «تأليف لجنة متابعة تنبثق عنها لجان في مختلف أقطار العالم».
وكانت نشاطات الملتقى قد شملت العديد من الأنشطة مثل المحاضرات والمؤتمرات السياسية والتاريخية وورش العمل بشأن الجولان والصراع العربي الإسرائيلي وقضايا القدس والاستيطان وسرقة المياه والألغام والأسرى. ونوقش أيضاً دور الإعلام والفن ومسؤوليتهما.
المشاركون الأجانب حرموا متابعة العديد من الجلسات بسبب غياب الترجمة الفورية
رئيس اللجنة الإعدادية للملتقى، معن بشور، رأى أن قوته تكمن في عدد المشاركين (أكثر من 2000 مشارك) وتنوّعهم (52 بلداً وخمس قارات) وشمولية تمثيلهم، وفي الرسالة القوية التي وجّهها إلى العالم أن الجولان حاضر بقوة على الأجندة السورية والعربية.
ويربط بشور بين الزخم والحماسة اللذين أبدتهما القيادة السورية لانعقاد الملتقى وبين التعبير الذي استخدمه الرئيس بشار الأسد في خطابه يوم عيد الجيش في 1 آب 2009، متحدثاً عن «الجيش المقاوم» في سوريا.
في المقابل، يرى وزير العدل الأميركي الأسبق، رمزي كلارك، «أن التضامن الدولي مع الجولان من شأنه أن يعيد إلى الواجهة قضية المحادثات بين سوريا وإسرائيل»، التي جرت بشكل غير مباشر خلال خمس جولات بوساطة تركية، وعلّقتها سوريا بعد حرب إسرائيل على غزة في كانون الثاني 2009.
لكن «السلام العادل» الذي تراه سوريا ضمن معادلة كامل الأرض بما فيها بحيرة طبريّا، لا يمكن أن تراه إسرائيل قابلاً للتحقيق بعيداً عن فكّ معادلة التحالف القائمة بين سوريا وإيران. هذه المعادلة كانت حاضرة بقوّة في المؤتمر من خلال مشاركة إيرانية رفيعة المستوى برئاسة السيد علي أكبر محتشمي. أما مداخلة عضو الوفد محمد رضا تاج الدين، فكررت اللازمة الإيرانية في وصف إسرائيل بأنها «الجرثومة التي يجب إزالتها من الوجود».
ويمكن القول إن المؤتمر نجح في وظيفته التعريفية بقضية الجولان عبر أوراق العمل والمداخلات والوثائق التي قدّمت خلاله، لكن تسابق المتحدّثين وكثرتهم والتكرار المفرط للجمل نفسها، وطغيان البعد السياسي، جعل الوظيفة التعبوية للملتقى أقل نجاحاً، وخصوصاً في أوساط المشاركين العرب في المؤتمر. مع العلم أن التناقضات كانت حاضرة أيضاً، فالوفد العراقي اعترض على مداخلة الوفد الإيراني وبدأ أعضاؤه بالهتاف باسم المقاومة العراقية. أمّا أعضاء الوفد المصري، فانقسموا في جلسات النقاش الجانبية بين مبرر لموقف بلاده في الحرب الأخيرة على غزة، وبين مطالب بتغير نظام الحكم في مصر، فيما اكتفى وزير الإعلام في زمن جمال عبد الناصر، محمد فائق، باستذكار زمن الوحدة التي أتت به إلى سوريا للمرة الأولى «كمواطن في الجمهورية العربية المتحدة».
في المقابل، حُرم المشاركون الأجانب متابعة العديد من الجلسات بسبب غياب الترجمة الفورية، واقتصارها على مبادرات تطوعية في عدد من الجلسات.


«يا لجولان يلّي ما تهون علينا»ونظّم طلاب من الجولان، سمح لهم بالتعلم في دمشق، معرضاً في القنيطرة على هامش حفل افتتاح الملتقى، وضم صوراً للأسرى ومشاهد من الإضراب الشهير إثر قرار ضم الجولان إلى إسرائيل.
واللافت أن الملتقى شهد حفلات لعدد من الفرق الفنية. لكن عدداً من المشاركين تساءل عن سبب عدم دعوة الفنان السوري سميح شقير، ذلك الفنان الذي صدح صوته بأغنية «يا لجولان يلّي ما تهون علينا»، التي وجدت طريقها إلى ذاكرة الأجيال الجولانية ولا تزال تردد في الأفراح حتى أصبحت شعاراً لا تخلو منه أي مناسبة جولانية... باستثناء الملتقى.