غزة ــ شعيب أبو جهلكان لقائي معه صدفة في احتفال ضمن فعاليات القدس عاصمة الثقافة العربية لعام 2009، شيء ما في وجهه دفعني لأتحدث مع الحاج أبو معين. فالرجل عاصر القدس وكان وما زال من الرجال الذين ضحوا بمالهم وحريتهم من أجلها. في وجهه شقاء 50 عاماً وأكثر، لتكاد خارطة فلسطين ترتسم من تجاعيد وجهه.
وبعدما اختتم الحفل توجهت له ببساطة «شو يا حاج أبو معين؟ أيام زمان أحسن ولا أيامنا»؟ لم أتوقع ردة فعله، إذ استدار إلي بالكامل وبدأ الكلام بهذا التلخيص المعبر: «يا إبني قبل الهجرة عام 48 كانت كل أيامنا حلوة، ومن يوم ما أجو علينا اليهود ما شفنا ولا يوم حلو».
أبو معين مهجر من مدينة يافا عام 48، بدأ يتكلم عن مدينته وما كان فيها، فجذب الكثير من المستمعين «كنت أبيع الجرايد وكان مصدر رزقي الوحيد. كانت تدخل عنا جرايد المصرية والأردنية وكانت جريدة واحدة فلسطينية هي جريدة القدس الشريف. ما كنت اعرف أقرا بس لما كنت أشوف الجرايد تعلمت القراءة». ويتابع «كنت لما أخلص بيع الجرايد أروح على كرم البرتقال وأروح أساعد الفلاحين في الجني. كنا نغني أغاني الحصاد وأغاني كلها بتحكي عن جمال البنت الفلسطينية ولما نخلص كنت أخد برتقال عالدار للعيلة».
«كيف كانت سهراتكو بيافا؟ سألته أيضاً». كنا زمان نجتمع إحنا هالشباب ونشعل هالنار ونجتمع حواليها ونقعد نعزف الربابة ونغني أغاني فلسطينية من تراثنا ونحكي. ولأنو زمان كنا ما نشوف البنات زي هلق، نغني أغاني عن البنت الفلسطينية وجمالها وحلاوتها حتى يطلع الفجر ونصلي. ونروح على هالبحر ونلاقي الصيادين لسة مطلعين السمك من البحر، نساعدهم وكان يطلعلنا شوية عشان بنساعدهم. ومع ضحكة بسيطة ... كنا نأمن غدا اليوم بالسمك. وبعدين نطلع نجيب الجرايد ونروح نبيعها. كمان زمان كان في عنا سينما في يافا، كنا نرحلها في الليل نحضر أفلام عبد الحليم وليلي مراد الخ».. أما أيامنا؟ يتنهد تنهيدة طويلة، ليقول «يا ريتني كنت تحت التراب قبل ما أشوف وضع بلدنا. الكل نسي عشان كراسي ومصالح سياسية. عمرك شفت أخ بيقتل أخوه؟ كل إلي بيصير فينا إحنا سببه. لو في عنا شوية حب لوطنا كان حالنا مش هالحال. كان تنازلنا لبعض، سامحنا بعض منشان ما نتفرق. بلادنا بتضيع ونسينا شو بيصير. وبندور ورا مصالحنا. حتى الناس صارت مو مهتمة بالقدس، والكل بيفكر من وين بدو يجيب جرة غاز ولا شوية بنزين للسيارة ومن وين بدو يدبر كيس طحين. الجار بطل يخاف على جارو، حتى الجيران صارو يدورو على مصلحتهم وينسو جيرانهم». ثم قال وقد امتلت عيناه بالدموع «يا ريتني تحت التراب». لكن، وفيما استأذنت للرحيل، ناداني ليقول لي وقد مسح دموعه «إفهم يا بني: يا إحنا أو هما في بلدنا».