احتكار للسلطة بالقانون وتحكّم مسبّق في النتائج وإقصاء للخصومجمانة فرحات
تشهد الجمهورية التونسية غداً انتخابات رئاسية وتشريعية، لا يتوقع منها سوى أن تعيد إنتاج الطبقة السياسية نفسها في ظل غياب قوى المعارضة الرئيسية، وإمساك الرئيس زين العابدين بن علي بزمام السلطة بعد «انقلاب طبّي» عام 1987.
ويتنافس بن علي «المرشح الفائز»، بصفته ممثلاً للتجمع الدستوري الديموقراطي، مع ثلاثة مرشحين آخرين، في مقدمتهم مرشح حركة «التجديد والمبادرة الديموقراطية» أحمد إبراهيم، الذي يقدّم نفسه على أنه «منافس حقيقي» في مقابل كلّ من أحمد الاينوبلي، مرشح الاتحاد الديموقراطي والوحدوي، ومحمد بوشيحة مرشح حزب الوحدة الشعبية. والأخيران يضعان ترشّحهما في خانة السعي إلى تعزيز المسار الديموقراطي، ويُتهمان بأن ترشيحهما لا يعدو كونه صورياً، لأن مواقفهما «مساندة للرئيس بطريقة تفوق تأييد بعض أعضاء الحزب الحاكم نفسه».
في المقابل، رفض المجلس الدستوري ترشّح الأمين العام للتكتل الديموقراطي من أجل العمل والحريات، مصطفى بن جعفر، فيما أعلن الحزب الديموقراطي التقدمي، الذي يعدّ من أبرز أحزاب المعارضة، مقاطعته الانتخابات بشقّيها التشريعي والرئاسي، لرفضه «أن يكون شاهد زور في انتخابات مزيّفة ولا معنى لها»، بعد منع ترشح ممثله، أحمد نجيب الشابي. وفضلاً عن إقصاء الشابي، اتهم الحزب السلطة بإسقاط 17 من قوائمه. كما تغيب حركة النهضة الإسلامية عن الانتخابات، التي وصفتها بأنها «لا تسهم في تطوير الحياة السياسية للبلاد».
وفي الشق التشريعي، لا يختلف المشهد كثيراً. فعلى الرغم من تنافس 1080 مرشحاً في إطار 181 قائمة انتخابية، 161 منها مخصصة للأحزاب و15 للقوائم المستقلة، يتوقع أن تفوز لوائح الحزب الحاكم بغالبية الأصوات في الدوائر الست والعشرين، التي ستتنافس فيها مع قوائم مرشحي أحزاب المعارضة والمستقلين.
إلا أن للانتخابات البرلمانية في تونس ما يميزها، إذ إن المجلس النيابي، الذي يأخذ بالنظام التمثيلي والنسبي معاً، يحدّد عدد المقاعد التي يمكن أن يحصل عليها الحزب الفائز بالأكثرية «لضمان تعدّد الألوان في البرلمان»، بعدما احتكر الحزب الحاكم جميع المقاعد في المجلس طيلة 38 عاماً. ويخصص 75 في المئة من المقاعد للحزب الفائز بالغالبية في مقابل 25 في المئة لباقي الأحزاب. إلّا أن البعض يرى أنّ هذا التعدّد شكليّ لأن الحزب الحاكم هو الذي ينتقي عملياً «الفائزين» من بين مرشحي المعارضة بالنظر إلى إمساكه بالنتائج. وتوقّع أحد المحللين تركيبة مجلس النواب، الذي سيتألف من 214 نائباً بعدما كان مؤلفاً من 189 نائباً، قائلاً إن الحزب الحاكم سيحصل على 161 مقعداً، بينما سيكون نصيب المعارضة «المروّضة» 53 مقعدا.ً وصف يعدّ صحيحاً إلى حدّ بعيد لأن الأحزاب «المعارضة» التي ستفوز بهذه المقاعد تصنّف بأنها تدور في فلك الحزب الحاكم.
ويشارك نحو 5.4 ملايين ناخب من أصل 10.3 ملايين نسمة في الانتخابات. وتمثّل التونسيات قوة انتخابية لا يستهان بها، إذ يحتللن 22.8 في المئة من عدد مقاعد البرلمان. وتترشّح «أكثر من ثلاثين امرأة في الانتخابات التشريعية، بينهن 3 على رأس اللوائح».
ويتولى المرصد الوطني للانتخابات مراقبة سير العملية الانتخابية. والمرصد، الذي يرأسه عبد الوهاب الباهي، يراقب الظروف التي تجري فيها الانتخابات الرئاسية بدءاً بتقديم الترشّحات مروراً بالحملة الانتخابية وظروف التصويت، وصولاً إلى عمليات الفرز والنتائج والطعون ليتوّج كل ذلك بتقرير يرفع إلى رئيس الجمهورية.
كذلك فتحت تونس المجال أمام بعثات مراقبة أجنبية، بينها بعثة تابعة للاتحاد الأفريقي يرأسها وزير الخارجية الأسبق في جمهورية الكونغو بنجامان بونكولو.
وعلى الرغم من أن بن علي يحظى بتأييد عدد كبير من الناخبين، وتحديداً بين أعضاء حزبه، الذين قدّر البعض عددهم بـ 2.7 مليون، لتحقيقه في نظرهم الاستقرار السياسي والأمني في تونس، فإنّ من أبرز المآخذ عليه التضييق على معارضيه، وتشديد الرقابة على الصحافة، إضافةً إلى الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان. مآخذ أدرك بن علي، الذي فاز في انتخابات 2004 بنسبة 94.4 في المئة، تردّد أصداءها في الشارع التونسي، فعمد خلال حملته الانتخابية إلى رفع شعار «معاً لرفع التحديات»، وتعهّد توسيع الديموقراطية، وتقديم دعم أكبر من الدولة إلى الأحزاب السياسية وإلى الصحافة.
وعود لم تهضمها المعارضة، التي رفعت من حدّة انتقادها لممارسات بن علي. وأكد عدد من قادتها، خلال ندوة عقدة في باريس بعنوان «المسألة التونسية عشية الانتخابات الرئاسية»، أن الاقتراع يأتي في سياق «إقصائي وسلطوي تغيب فيه أبسط شروط التعددية والتنافس الحر».
وأكّدت وثيقة أعدتها «الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان» والمجلس الوطني للحريات في تونس أنّ البيئة التي انطلقت فيها الحملة الانتخابية «محكومة بنظام الحزب الواحد ومنظومة سياسية تتميز بسلطة تنفيذية لا تنازعها أي سلطة أخرى».
يبقى أن أنظار التونسيّين بدأت منذ الآن تتجه إلى الخطوات المقبلة لبن علي (73 عاماً)، لمعرفة ما إذا كان سيقدّم على تعديل دستوري جديد يتيح له الترشح لولاية سادسة.