من «هالك لمالك لقبّاض الرواح»، تلك هي قصة مشروع البنى التحتية في منطقة السكة لللاجئين الفلسطينيين في صيدا. فمنظمة الإسعاف الأولي صاحبة المشروع سلّمته من يد متعهد إلى آخر، والنتيجة بحسب الأهالي، «عدم جديّة الالتزام في العمل، وعودة الطوفان إلى الكثير من الأزقة والبيوت»
عين الحلوة ــ سوزان هاشم
«افتكرنا الخير حلّ علينا لما درينا بالمشروع، بس يا حسرة، التعتير لاحقنا والخير ما إلو طريق لعندنا»، هكذا تصف هدى سليمان خيبتها بعد إنهاء مشروع البنى التحتية التي تبنته منظمة الإسعاف الأولي الفرنسية. فهدى كغيرها من سكان السكّة، وهو مجمع غير رسمي للاجئين الفلسطينيين، يقع بالقرب من مخيم عين الحلوة في صيدا حيث يتقاسم هؤلاء البؤس والحرمان، هؤلاء حلموا بأن يُنتشلوا من البرك المائية المبتذلة وغيرها، التي تغمر سكنهم بين الفينة والفينة، والعيش في بيت «عادي» كالآخرين، بيد أن أحلام معظم هؤلاء السكان تبددت، لا سيّما القاطنين منهم في المنطقة المنخفضة في السكة، وفي الأزقة الضيقة، وهي الأماكن التي لم يصلها مشروع البنى التحتية، ليبقى تصريف الصرف الصحي لديهم «عالطبيعة»، أي عشوائياً، كما كان سابقاً. تروي هدى لوعتها ومعاناتها ممسكةً في يدها «بخاخ الربو»، الذي لا يفارقها، والسبب هو الروائح الدائمة الكريهة التي تتنشقها، والمنبعثة من قسطل المجرور الملاصق لمنزلها، فعبره «تمرّ كالشلال كل أوساخ الجيران، لتزور المنزل بين الفينة والأخرى حين تفيض مياهه، لتصطحب معها الجرذان والحشرات، حاملة إلينا الأمراض والجراثيم»، وتبدو هذه المرأة متواضعة حتى في طموحها فهي لا تطلب «سوى أن أعيش ببيت فيه الحد الأدنى من الظروف الصحية اللازمة».
ليس بعيداً عن هدى، يتمركز محل محمد قاسم للألمنيوم. يشتكي الشاب أنه منذ تنفيذ المشروع «بات المحل يغرق بالمياه مع كل شتوة، ما لم يكن يحصل في السابق»، متحسراً على الماضي بكل مساوئه، معتبراً أن استفادة الأهالي الوحيدة من المشروع، هي التزفيت الذي طال الشوارع الأساسية في منطقة السكّة.
في العودة إلى أسباب التسرب الجديد للمياه إلى بعض المباني، فمنها ما هو «لارتفاع الشارع عن المستوى الذي كان عليه سابقاً، وبالمقابل تدني مستوى المباني الملاصقة له، ما يسمح لمياه الشتاء باجتياحها، وخصوصاً لعدم وجود مصافٍ لهذه المياه»! يشرح سعيد حجازي، أحد العمال الذين شاركوا في إنجاز المشروع، معدداً بعض الأخطاء التقنية التي اعترته والتي «كنت ملاحظها بس ما كنت قادر اعمل شي كوني مجرد شغيل»؛ ومنها «صُبّ بعض الأماكن من دون حديد، والأنابيب (القساطل) لم يُغمر معظمها بالبودرة، كما أن أغطية الريغارات من الباطون الذي لم يعد يستعمل، وذلك بدلاً من الحديد، كما أن طريقة العمل كانت على طريقة [هات إيدك ولحقني]، إذ إنه لم يكن خاضعاً لإشراف المنظمة صاحبة المشروع التي تركته للمتعهدين». لذلك، على ما يبدو، فإن البرك المائية ستظل تغرق معظم البيوت.
تلك هي حال منزل سليم العوض، حيث إن الزوجة والأولاد «يمضون وقتهم بالقيام بأعمال إزالة المياه، الآتية من منازل الجيران الذين لم تصل إليهم شبكة البنى التحتية، وهو أمر مشابه لحالهم، فتتسلط مياه الصرف الصحي بكل ما تحمله من أوساخ على الشوارع متسللة إلى المنازل».
وما ساهم في أن يكون المشروع «شي فاشل»، بحسب أمين سر اللجنة الشعبية في مخيم عين الحلوة عمّار تيسير، الذي كان متابعاً للمشروع، هو «غياب مهندس فني للإشراف على العمل الذي انسحب من الشهر الثاني من تاريخ بدء المشروع، ما أدى إلى خلل في المعايير اللازمة في العمل». ويشير تيسير إلى أن هناك «عناوين كثيرة لم تنجز في المشروع، لا سيّما أن الزفت لم يلامس أياً من الأزقة الفرعية، كذلك الأمر بالنسبة إلى الشبكة التي استثنت الكثير من البيوت، ومياه الأمطار ما زالت تُغرق البيوت الواقعة في الأماكن المنخفضة، ناهيك عن تضرر نحو 30 بيتاً جرّاء أعمال الحفر، لم تُرمّم حتى الآن».
لكن، ماذا تقول منظمة الإسعاف الأولي الفرنسية صاحبة المشروع؟
استفادة الاهالي من المشروع هو التزفيت الذي طال الشوارع
«هو أصعب المشاريع التي قمنا بها»، يرد جوليان مولياز رئيس بعثة المنظمة لـ«الأخبار» تجربة المنظمة المرّة مع مشروع البنى التحتية في منطقة السكة، مردفاً «على الرغم من تنفيذنا ثلاثة مشاريع أخرى في المنطقة ذاتها، كانت عبارة عن تأهيل الوحدات السكنية فيها، بيد أنه لم تعترضنا أي صعوبات خلال تنفيذها، كالتي واجهتنا خلال إنجاز مشروع البنى التحتية الذي تعدّى إنجازه 6 أشهر من المهلة المحددة». أما الأسباب فيستفيض جوليان بشرحها، «فمنها ما يعود إلى التأخير في الاستحصال على الرخص، وخصوصاً أن شبكة المجاري تمرّ في نقاط عسكرية عدة، وفي داخل مخيم عين الحلوة، وناهيك عن المشاكل الأمنية التي اعترضت فريق عملنا الذي تعرّض للضرب مرات عدة على أيدي البعض!». أما العقبة الأكثر التي اعترضت المنظمة، حسب مولياز، فهي «التعامل مع المتعهدين الذين أخلّوا بالتزاماتهم معنا، إذ اضطررنا إلى سد الثُغر التي تركوها، ولم ينته الأمر معهم عند هذا الحدّ حتى أحلنا نزاعنا معهم إلى المراجع القضائية لفضّها».
وبالرغم من ذلك، يرى مولياز أن المشروع أنجز بنجاح، إذ تحسنت الصورة عما كانت عليه في الماضي «إذ كانت المنطقة تفتقر إلى شبكة صرف صحي أصلاً، حيث كانت عشوائية». أما عن الأماكن التي لم يصل إليها المشروع فيعتبرها «حالات خاصة، وهي أصلاً واقعة دون مستوى المشروع»، مردفاً أنه "جرى إمداد أنابيب (قساطل) الشبكة، في عمق منخفض وهو أكثر ما نستطيع الوصول إليه من مستوى، أضف أن هناك منازل متداخلة بعضها ببعض لا يمكن مد الشبكة داخلها لأن ذلك يؤدي حكماً إلى هدمها». كما ينفي أن يكون هناك منازل تضررت من ورش الشبكة ،إذ إنها «بالأصل كانت ركيكة». وفي جميع الأحوال يوضح أن المنظمة تهدف على قدر الإمكان إلى تحسين الوضع للوصول نحو بيئة صحيّة أفضل، فلا تتوقع الناس منا بناء شقق فخمة وقصور».
وإذا كانت المنظمة تنفي أن تكون الأضرار ناجمة عن أعمالها، بيد أن الأهالي يؤكدون أن التصدعات الكثيرة التي أصابت بيوتهم ناجمة عن هذه الأعمال، ليس هذا فحسب، فلقد هُدم الكثير من الشرفات من أجل مرور الشبكة، هكذا مثلاً، استغنت حربة المحمد عن غرفة النوم، التي كانت ملاصقة للشرفة التي هُدمت، وباتت جدرانها مصدّعة «فصرت أخاف أدخل الغرفة تجنباً للخطر الذي بات يهددني»، مردفة أنها تلقت وعوداً بالترميم بعد انتهاء المشروع ولكن «عالوعد يا كمون». ولا يختلف أمر غازية عوض عن جارتها، «منخاف شي يوم انو توقع الحيطان على رؤوسنا»، مطالبة بترميم المنزل بأسرع وقت ممكن «لأن أحوالنا على قدنا ولو منقدر ما مننتطر حدا».


«تسليم المشروع من متعهد إلى متعهد هو ما أضاع على المشروع فرصة تحقيق مرتجاه»، هكذا يلخص أمين سر حق العودة في عين الحلوة فؤاد عثمان المشكلة، معتبراً أن هناك احتيالاً من المتعهدين، فتسليمه من واحد إلى آخر، بحيث أعطي كل واحد منهم نسبة من الأموال المخصصة للمشروع، أدى إلى هدر في الأموال على حسابه، فنقصت كمية المواد والبضاعة اللازمة، وكانت نوعيتها رديئة