تحطيم الرقم القياسي الإسرائيلي لأكبر طبقين من التبّولة والحمصمحمد محسن
بعد أطول طرحة عروس وأكبر صينية كبّة، دخل لبنان موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية مجدّداً في هذا العام، عبر إعداد أكبر طبقين من الحمّص بالطحينة والتبّولة.
الرقمان القياسيان الجديدان لهما أبعاد تتجاوز الشهرة أو التسلية، فهما يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بمعركة تجارية وتراثية مفتوحة، بدأتها إسرائيل منذ أعوام عبر سعيها إلى قرصنة هذه الأطباق، ومحاولة تسجيل حقوقها لدى العديد من دول العالم.
فقد شارك نحو 250 طباخاً وتلميذ فندقية، برئاسة الشيف رمزي الشويري، في تحطيم الرقمين القياسيّين الإسرائيليّين المسجّلين العام الماضي لصحن الحمص الذي بلغ وزنه 800 كيلوغرام، وصحن التبولة الذي بلغ وزنه 2000 كيلوغرام، كما حُطّم الرقم القياسي الياباني، لأكبر صحن في العالم، إذ صنع المهندس جوزيف قبلان أكبر صحن عملاق فارغ، من الفخار على شكل «صحن الحمص بطحينة» التقليدي، وهو يتّسع لأكثر من 2 طن من الحمص، قطره خمسة أمتار، ووزنه 2870 كيلوغلراماً.
وجاء ذلك في إطار مهرجان تحت عنوان «الحمص لبناني والتبولة كمان» أقيم يومي السبت والأحد في سوق الصيفي في وسط بيروت، بمبادرة من جمعية الصناعيين اللبنانيين، ونقابة أصحاب الصناعات الغذائية والشركة الدولية للمعارض، وبرعاية وزارة الصناعة... حيث تسعى الجهات المنظّمة إلى تثبيت حقوق لبنان في هذه الأطباق، وتنبيه اللبنانيين إلى ضرورة مقاومة المحاولات الإسرائيلية نظراً إلى انعكاساتها السلبية الكبيرة، إذ إن إسرائيل نجحت في اقتطاع حصة مهمّة من سوق الحمص بالطحينة العالمي، فيما حصة لبنان باتت تقل عن 1 بالألف من هذه السوق، التي يقدّر حجمها الخارجي بأكثر من مليار دولار، علماً أن مصنع قرطاس اللبناني كان أول من صدّر طبق الحمص بالطحينة المعلّب في الخمسينيات من القرن الماضي.
وعلى الرغم من أهمية ما حقّقه مهرجان اليومين الماضيين، فإنّ الدكتور رودلف القارح، وهو أحد مؤسّسي حركة الدفاع عن التسميات الجغرافيّة اللبنانيّة (منذ 1994)، حذّر من أنّ «الحركة الإعلاميّة جيّدة، ولكن لا يجوز تركها من دون استراتيجيّة قانونيّة وسياسيّة وزراعيّة وصناعيّة، لكي تحفّز هذه الحركة الإعلاميّة». وأشار إلى «أنّنا لسنا في حالة صراع مع إسرائيل حول الوزن، بل في صراع حول التراث المشرقي عموماً، والمواجهة يجب أن تكون على الصعيد القانوني، وهناك مكوّنات حقوقيّة لحماية الإنتاج. ويجب أن يكون هناك قرار سياسي لا قرار قطاعي».
الحركة الإعلاميّة جيّدة، ولكن لا يجوز تركها من دون استراتيجيّة قانونيّة وسياسيّة وزراعيّة
هي خطوة أولى خطاها لبنان في اتجاه إثبات حقوقه في أطباق سلبتها «إسرائيل»، ونسبتها عالمياً إلى اسمها التجاري. طبعاً، لا يثبت حجم الصحون أو الأوزان القياسية للطبقين هويتّيهما، لكن الخطوة في الحد الأدنى، تمثّّل تظاهرةً إعلاميةً تلفت النظر إلى أن الحمص والتبولة لهما جذور في هذه المنطقة منذ مئات السنين، أي قبل أن تكون إسرائيل موجودة ككيان غاصب على أرض فلسطين.
هذه المعركة، بحسب المشاركين في المهرجان، صعبة للغاية، إذ لا يكفي إبلاغ اللبنانيّين بشيء تربّوا عليه منذ نشأة بلدهم، بل تكمن في عدم وجود دعم رسمي كاف لمواجهة الإسرائيلين في الأسواق المفتوحة أمامهم، ونجاحهم بتنظيم عملية قرصنة مكشوفة عبر سلاسل المطاعم، وحتى الأفلام السينمائية، التي باتت تقدّم الحمص كطبق إسرائيلي خاص.
إلّا أن جمعية الصناعيّين تبدو مصرّة على الذهاب إلى أبعد ما يمكنها، مسترشدة بتجربة اليونان، التي نجحت بإثبات حقوقها في صنع جبنة «الفيتا»، بعد معركة استغرقت 10 سنوات في مواجهة المنتجين الآخرين، لذلك يندرج مهرجان «الحمّص لبناني والتبولة كمان» ضمن إطارين: يحمل الأول بعداً تراثياً، تهمله الدولة اللبنانية عبر استسهال عدم تسجيل المأكولات التراثية اللبنانية باسم لبنان في المحافل العالمية، على ما لهذا التسجيل من فوائد جمّة. أما البعد الثاني، وهو الأهمّ، فيندرج ضمن الإطار الاقتصادي، لما يمثله الحمص من مادة غذائية مستهلَكة بكثرة على مستوى العالم.
فإذا استطاع لبنان تسجيل الحمص كمادة غذائية تحت اسمه التجاري، فسيحصل على براءة اختراع وتصنيع لهذا الطبق، ما يدرّ عليه مردوداً مالياً مهمّاً، إذ ستكون أي شركة عالمية تنتج الحمص بأشكاله المتعددة، ملزمة باستعمال مادّة من موادّه على الأقل، مصنوعة في لبنان. هذا ما حصل بعد إثبات اليونان أنها منشأ جبنة الفيتا، وفي فرنسا بعد إثبات «أمومتها» لجبنة الروكفور.
بدا غياب الحضور الرسمي اللبناني واضحاً في المهرجان، على الرغم من الحاجة إلى رعاية رسمية من الحكومة لمثل هذه المبادرة عبر تأليف لجنةً مخصصة لإثبات هوية الأطعمة التراثية اللبنانية، وتوكيل مكتب محاماة لبناني الدفاع عن تراثنا في الخارج، وتحديداً في دول الاتحاد الأوروبي، ويشير رئيس جمعية الصناعيّين اللبنانيين، فادي عبود، إلى أن سويسرا عرضت مساعدتها على تسجيل الأطباق اللبنانية، إلّا أنها عادت وسحبتها بعدما وجدت تجاهلاً رسمياً لبنانياً لهذا العرض.
فعلت جمعية الصناعيين ما بوسعها، وهي إضافةً إلى ذلك، طلبت من الطلّاب الجامعيّين والمؤرخين، إيجاد الأدلّة التاريخية التي يُعطى لبنان بموجبها، براءة اختراع، ووكالة حصرية في تصنيع الحمص والتبولة عالمياً. ويؤكّد عبود لـ «الأخبار» أنه أُعدّ ملف لا بأس به، يدعم لبنان في إكمال ما بدأته الأرقام القياسية. ومن جملة الإثباتات التي يتضمّنها الملف حتى الآن، تصدير شركة «قرطاس» اللبنانية لأول علبة حمص عام 1958، فضلاً عن إثباتات تاريخية أخرى تؤكد منشأ الحمص في بلاد الشام، وتحديداً في لبنان، إضافةً إلى عرض بعض الوثائق التي تؤكّد وجود هذا الصنف الغذائي إبّان فترة الاحتلال العثماني، أي قبل إعلان إنشاء «إسرائيل» أصلاً.


1/1000

هي حصّة لبنان من سوق الحمّص عالمياً، الذي تبلغ قيمته وفقاً للأرقام التي تناقلتها التقارير الإعلاميّة أمس، مليار دولار. ومن المهمّ جداً أن ترتفع هذه النسبة لكي تكرّس هذه السلعة الغذائيّة التراثيّة ليس فقط ثقافياً، بل تجارياً أيضاً على الصعيد العالمي، من خلال وسمة «صنع في لبنان».


مكوّنات صحن الحمص اللبناني